الثلاثاء، 30 ديسمبر 2008

الشاعر والمفكر حسن عجمي يطرح فلسفة الميزياء





قضية للنقاش

الشاعر والمفكر حسن عجمي يطرح فلسفة الميزياء

هل عاد زمن الفلاسفة العرب؟


رغم أن ظروف عصرنا الحالي مواتية لظهور حركة فلسفية عربية نشطة، قائمة علي العلم والمنطق، حيث الإمكانيات المادية متوفرة وثمة أزمات فكرية حقيقية تعاني منها الثقافة العربية وتستلزم وجود تلك الحركة، إلا أننا نشهد انحساراً فلسفياً فظيعاً، وكأننا دخلنا نفقاً طويلاً لا رجعة فيه، عنوانه: التخلف.
عندما وصلني كتاب حسن عجمي "السوبر حداثة" من بيروت إلي الدوحة قبل نحو سنة ونصف ودون سابق معرفة بالاسم شعرت بارتباك ذهني، استدعي مجموعة من العلامات: هل أعرف هذا الرجل من قبل؟ ما علاقة هذا الكتاب بكتاب آخر للكاتبة الراحلة مي غصوب "ما بعد الحداثة .. العرب في لقطة فيديو"؟ كيف عرف هذا الحسن عجمي اهتمامي بما بعد الحداثة؟ أو ما فوقها (سوبر) حيث ما زالت في بداية انتشارها عربياً؟
أسئلة كثيرة تكاثفت، ولكنها ما لبثت آخذة بالتبخر مع بدء رحلتي في قراءة سطور الكاتب الذي راح يقلب تربة الأفكار المستقرة سعياً نحو إيجاد حدائق فلسفية جديدة، حتي أنه ذكرني بالفيلسوف الفرنسي الشهير جان بول سارتر الذي جعل من الفلسفة الوجودية حديث الناس في المقاهي والسهرات!
بالأسلوب ذاته استمر حسن عجمي بعد ذلك في إصدار الكتاب تلو الآخر طارحاً فلسفته التحريضية الداعية للاستفادة من منجزات العلم والتكنولوجيا بما فيها القواعد الرياضية والفيزيائية من أجل بناء فلسفة معاصرة تعين إنسان اليوم علي حل الكثير من المعضلات الفكرية التي تواجهه، وذلك عبر سلسلة من السوبرات: "السوبر أصولية، السوبر تخلف، السوبر مستقبلية، السوبر المثالية"، وكان حسن عجمي قد أضاف للمكتبة العربية عدداً من الدواوين الشعرية والدراسات النقدية الهامة منها: "مقام الراحلين"، شعر 2000 ، و"معراج المعني"، نقد 2001 ، و"مرايا العقول - الشعر العلمي"، 2003 ، اتجه بعدها إلي الفلسفة عبر كتابه "مقام المعرفة - فلسفة العقل والمعني"، عام 2004، لتتوالي إصداراته "السوبرية" التي أشرنا إليها عبر خيال رياضي منفتح خلاق إلي درجة أن القارئ يصاب بالحيرة حول ماهية ما يكتبه عجمي: هل هو فلسفة أو علم أو شعر أو ماذا؟!

حديثاً أصدر حسن عجمي كتابه أو (فلسفته) الجديدة، إذا استبقنا الأمر: "الميزياء" وقد أضاف للعنوان مصطلحين آخرين يعتمدان علي علم الفيزياء وهما: الجيزياء (ما يجوز) والحيزياء (الحيز).
يقول حسن عجمي في مقدمة الكتاب: "الميزياء هي المذهب الفلسفي الذي يعتبر أن كل شيء يملك ميزة تفرّقه عن الأشياء الأخري، وبفضل هذه الميزة يوجد ويتشكل. علي هذا الأساس لا يوجد شيء مطابق لشيء آخر وإلا لأصبحا شيئاً واحداً. إذا وجد شيء مطابق لشيء آخر في كل صفاته، إذن لا يوجد ما يميّزه عن ذاك الشيء الآخر، وبذلك لا توجد الماهيات. فمثلاً لو وجدت ماهية للإنسان لكان كل إنسان مطابقاً لكل إنسان آخر في ماهية الإنسانية، وبذلك لزالت الميزة التي تميّز إنسانية هذا عن إنسانية ذاك، وفي حال زوال الميزة بين البشر يغدو كل البشر فرداً واحداً، وهذا مستحيل"، ويضيف: "الآن، بما أن الميزياء تؤكد علي عدم وجود الماهيات، إذن هذا يفسر لماذا لم تتمكن العقول من تحديد ماهيات الأشياء، ولماذا البحث العلمي والفلسفي هو عملية بحث وتصحيح مستمر، فبما أن الأشياء والظواهر هي أشياؤها وظواهرها بسبب ميزاتها لا بفضل ماهياتها، إذن من الطبيعي أن تغدو النظريات العلمية والفلسفية كافة فاشلة في تقديم الصورة الكاملة والنهائية للعالم وحقائقه، وبذلك من الطبيعي وجود نظريات مختلفة ومتعارضة رغم نجاحاتها الجزئية، وأن يستمر بالتالي البحث الفكري إلي ما لا نهاية ويغدو عملية تصحيح مستمر"، ويتابع: "الميزياء دراسة ميزات الأشياء والظواهر بدلاً من اختزال الأشياء والظواهر إلي ماهيات معدودة .. ويختتم الشاعر والمفكر حسن عجمي مقدمته قائلاً: "الميزياء هي المذهب الفكري المناقض للاختزال، فبدلاً من تحليل المفاهيم واختزالها إلي مفهوم واحد أو مفاهيم معدودة، لا بد من إلقاء الضوء علي ميزة كل شيء وتميّزه عن الأشياء الأخري، وبذلك يتضح لنا كيانه علي حقيقته بدلاً من أن نبقي مسجونين في نطاق بعض المبادئ والمفاهيم الأولية غير القابلة للتحليل، والتي علي أساسها يقوم تحليل المفاهيم الأخري وتفسير الظواهر. هكذا نخرج من فلسفة التحليل والتفسير إلي فلسفة الميزة".
فلسفة حسن عجمي الجديدة تطرح سؤالاً كبيراً: هل عاد زمن الفلاسفة العرب؟ لم لا؟ ألم يبدأ ظهور ابن طفيل وابن رشد والفارابي وابن سينا والكندي بهذه البساطة من الشرح والتحليل والتفسير لبعض المفاهيم القديمة والجديدة؟ ثم راحوا يطرحون أفكارهم وآراءهم الخاصة .. يقع كتاب "الميزياء" في 152 صفحة من القطع المتوسط وهو صادر عن الدار العربية للعلوم، ناشرون في بيروت 2007.


عبد الله الحامدي







الاثنين، 29 ديسمبر 2008

حسن عجمي مستغرقاً في توليد المصطلحات المعرفية


يسعى هذان الكتابان الجديدان لحسن عجمي الصادران عن الدار العربية للعلوم، ,2008 الى اختراع وتوظيف مصطلحات ومفاهيم جديدة في حقول علوم المعرفة، من أجل تكييف اللغة العربية مع مستجدات البحث المعرفي ـ الفلسفي. إذ ان اللغة العربية تعاني غياب التوليد والاشتقاق في مفردات ومصطلحات البحث العلمي، مما أدى الى تأخير لغتنا عن اللاحق بقطار المعرفة المتسارع دائما نحو محطات بحثية جديدة. وفي هذا السياق يفتح هذان الكتابان، «الميزياء» و«البينياء» النوافذ المشرعة على عمليات التوليد والاشتقاق، وهو مشروع إثراء مستمر للغة الضاد وإغناء متجدد لطاقتها على التعبير والتحليل والتفسير والتأويل. دراسة الميزة يرى عجمي في كتابه «الميزياء» أن هذا المصطلح الذي ابتكره جهده التوليدي ـ اللغوي، يشير الى فلسفة دراسة الميزة. فالأشياء لها ميزات إضافية الى ما لها من ماهيات. فلكل شيء ميزة تميزه عن الأشياء الأخرى، على ضوئها يتشكل ويكون. والفرق بين الميزة والماهية هو أن الميزة قابلة للتغير وللتطور بينما الماهية ثابتة لا تتغير. من هنا تتمكن «الميزياء» من التعبير عن تغير الأشياء. فمثلا: للعقل ميزة تغيرت وتطورت مع تاريخ الإنسانية. فمع بداية وجود الإنسان كانت ميزة العقل كامنة في الحفاظ على الجنس البشري من خلال تجنب ما هو مضر والإقبال على ما هو مفيد. لكن هذه الميزة تغيرت وتطورت لتصبح كامنة في وظيفة الحصول على مزيد من المعرفة. أما لو بقي مفهوم العقل مرتكزا على ماهيته، فإنه لن يتمكن من التغير والتطور لأن ماهية العقل ثابتة. إضافة الى ذلك، تحاول «الميزياء» تقديم فلسفة جديدة، من خلال تحليلها طبيعة الماهيات الثابتة من منظورها المتحرك، ومن خلال تجنب فلسفة الاختزال. اذ يستحيل اختزال المفاهيم والماهيات الى مفاهيم وماهيات اخرى. بينما تعبر «الميزياء» عن اختلاف المفاهيم بدلا من اختزالها. فليس هناك شيء مطابق لشيء آخر، فالعقول مثلا، متنوعة ومختلفة بين الكائنات والأجناس الحية بسبب اختلاف الميزة فيها. لا تسجننا «ميزياء» عجمي في نظرية واحدة فريدة بل تفتح المجال أمام تنوع النظريات والأبحاث. فمثلا ميزة الكون قد ترتبط بنا وقد ترتبط بالمادة التي يتكون الكون منها. وبذلك قد تختلف دراسات الميزة وتتعارض مما يكسب الباحث في الميزة حرية تغني وتثري عقلانيته. يرى عجمي أن «الشيمياء» تدرس الصفات المشتركة بين الأشياء المختلفة. فمثلا، صفة البياض يشترك في امتلاكها «هذا الباب وتلك النافذة». و«هذا الرجل وتلك المرأة». ولكن صفة وظيفة الباب تختلف عن صفة وظيفة النافذة، فوظيفة الباب أنه لكي نخرج وندخل منه، أما وظيفة النافذة فلدخول ولخروج الهواء مثلا. هكذا تتوحد الأشياء وتختلف في عملية «شيميائية» مستمرة لا تنتهي. ومن أجل فهم الاشياء، لا بد من دراسة صفاتها المشتركة وغير المشتركة، وبذلك نتمكن من فهم توحدها واختلافها. أما «الجينياء»، فهو بنظر عجمي، المذهب الذي يقول ان كل شيء يتكون من «جينات»، وعلى ضوء «الجينات» تتشكل الظواهر والحقائق كافة. هذه «الجينات» هي التي تدرسها البيولوجيا باعتبارها حاملة للمعلومات التي تحدد تشكيل الأعضاء وخصائصها. من هنا، الكون ككل هو كائن حي يمتلك صفات الأحياء. فهو يولد وينمو ويموت، ويورث صفاته لغيره من الأكوان، وان كان قادرا على التأقلم والتكيف مع الممكنات اللامتناهية فإنه ينجح في البقاء وإلا فلا. فالأشياء المختلفة هي كائنات حية لها صفات الكائن الحي، فهي تتزاوج وتتوارث والأكثر تكيفا منها يبقى ويستمر ولا يزول. وأيضا يحتوي هذا الكتاب على مصطلحين جديدين هما: «الجيزياء» و«الحيزياء». الاول هو دراسة ما يجوز وما لا يجوز. فمثلا لا يجوز أن يوجد شيء من دون ميزة لكن يجوز للميزة أن تتغير وتتطور. أما «الحيزياء» عند عجمي، فهي دراسة حيز الشيء (محيطه المكاني أو الزماني أو العقلي ـ المفهومي) وللميزة أيضا حيزها المكاني أو الزماني وللحيز المكاني أو الزماني ميزته. والعقل يتكون من خلال محيطه الطبيعي، ومع اختلاف المحيط الطبيعي تختلف العقول. الما بين في كتابه الثاني الجديد بعنوان «البينياء» يرى عجمي أن هذا المصطلح يشير الى دراسة ما بين الأشياء بدلا من دراسة الأشياء بشكل مباشر، لأن ما بين الأشياء يبيّن الأشياء. وينقسم هذا الكتاب الى عدة حقول تحليلية معرفية منها: دراسة «بينياء الوجود، والكون»، والعقل، واللغة، والمعنى، وبينياء الفلسفة والدين، والزمن، والحركة والتغير، وبينياء السوبر حداثة والسوبر تخلف، وبينياء الاستنساخ، والبينياء كآلية فكرية. وبالنسبة الى «بينياء العقل»، يرى عجمي أن العقل يعتمد على وجود ونشاط النيورونات ـ الخلايا العصبية، وعلاقاتها ببعضها، ومع زيادة ارتباط هذه النيورونات في ما بينها تزداد أنشطة العقل التفكرية المختلفة. وبما أن العلاقات القائمة بين النيورونات هي الأساس في أنشطة التفكير العقلي، وبما أن هذه العلاقات موجودة بين النيورونات، اذاً، ما بينها، هو الذي يكون العقل هكذا، يتكون العقل من ما بين أجزائه العصبية. يتكون معنى العبارة اللغوية مما يكمن من علاقات بين كلماتها المتراصفة. ومع اختلاف ما يكمن بين المفاهيم في هذه الكلمات تختلف معاني العبارات. واذا انتقلنا الى مجال الفيزياء، فإنه يختلف مفهوم الكتلة في نظرية نيوتن عن مفهوم الكتلة في نظرية آينشتاين بسبب اختلاف ما يوجد من علاقات بين مصطلحاتهما. فمعادلة E=MC2 لآينشتاين تختلف عن معادلة F=ma لنيوتن. حيث الكتلة هي M عند الاثنين. هنا الكتلة في المعادلة الأولى تجمع بين مفاهيم مختلفة عن المفاهيم التي تجمعها الكتلة في المعادلة الثانية. هكذا، فالما بين في المعادلتين يبين المعنى ويجعله مختلفا بين المعادلتين. وعلى الصعيد اللغوي، يتكون النص اللغوي من «بينيائه»، أي مما يكمن بين سطوره. لذا، تتنوع تفاسير وتأويلات أي نص لغوي. وعلى صعيد أنطولوجيا الوجود والعدم، يتكون العدم مما يكمن بين أجزائه، من طاقات متعارضة تختزل بعضها البعض فيحدث العدم. ومن جراء التقلب الكمي للعدم وطاقاته المتعارضة، ينشأ الوجود. ومما يوجد من الطاقات المختلفة في العدم يتشكل العدم. وفي هذا السياق تتلاحق في الكتاب مصطلحات جديدة. وفي نهايات الكتاب، يعالج عجمي فلسفة النسخ التي تعتبر أن كل شيء ينسخ ذاته في نسخ عديدة ومختلفة. فالعقل ينسخ ذاته ولذلك يتنوع. فالتنوع كامن في عملية الاستنساخ المستمرة. ولذا، يغدو العقل مجموعة من العقول المختلفة استنساخا متعددا. فالعقل غير محدد بما هو عليه، بل ان العقل محدد بما يصير إليه وهذا هو مفهوم «الصيرياء». وكذلك الأمر مع اللغة: فهي تنسخ ذاتها في نسخ مختلفة ومتعارضة، منها ما تظهر اللغة فيها أداة للتخاطب أو أداة للتعبير عن الحقائق أو تمظهرا للمعاني المختلفة. وفي ختام هذا الكتاب، يظهر مصطلح «الحيرياء» الذي يعتبر أن الحيرة أفضل من اليقين، لأن الحيرة تدعونا دوماً إلى الاستمرار في البحث المعرفي والعلمي، أما اليقين فيسجننا في وهمه، إذ لا يقين في أي ميدان بحث معرفي، لأن العلم عملية تصحيح مستمرة. هذا الجهد الاشتقاقي والتوليدي ـ الفلسفي الملحوظ، يجعلنا نخشى عليه الوقوع في نزوع الاشتقاق والتوليد التناسلي لمثل هذا الكم الكبير من المصطلحات. إذ لا يجوز تحويل الاشتقاق الفلسفي الى لعبة لغوية تصح على كل شيء، يتحكم بها نزوع لتحويل كل مصطلح الى قانون علمي. فهذه المصطلحات في معانيها ومفاهيمها تحتاج الى مزيد من التخصص والتعمق في ميادينها المعرفية، بدلا من الوقوع في مطبات الإطلاق والتعميم البعيدة عن الحذر والحيطة والتنبه والاستدراك والاستنساب. وهي صفات مطلوبة في الأبحاث الفلسفية، يؤسفنا أن نجدها قليلة في إطلاقيات هذين الكتابين وتعميماتهما.

صفوان حيدر





الســـــوبــر حـداثـــــة







السوبرحداثة



كان الفكر الجنائزي الذي انتجته الحداثة يعبر عن سرعة التغير والانتقال في كل مستويات العصر الحديث.. وهو اذ يقيم مأتمية النهايات-الموتات- فانه يعكس ازمة الحداثة الدورية ويبدي في نفس الوقت ما تعانيه بنيات الحداثة من تحول مستمر.. يقود الى تشكيل مرحلة ما بعد الحداثة ليس بصفتها قطعية ابستمولوجية فاصلة بين اطوار من الوجود والعدم..
بل باعتبارها نقداً لمفاهيم وثوابت الحداثة.. ومع ذلك لم يعد نقد الحداثة نكوصا عن العقل او إطفاء لاشعاعات التنوير ((بقدر ما هو انفتاح على المستبعد واللا معقول او على المتغير والمجهول، اي على كل ما نفته الحداثة من فضائها)) كما يقول المفكر علي حرب.وبالتالي فان الحداثة بانتاجاتها لأشكال العقلنة بطروحاتها العلمانية، وادوات المقاربة بادلجتها الاممية، وخطط التغيير بتهويماتها (الانسنية) ووسائل التعديل بجدلها التكنولوجي، لم تعد تجدي في فهم العالم. فاذا كانت الحداثة تعتمل في العالم تغييرا وتجديدا عدة قرون حتى تستنفد (نفسها او تبلغ.. مأزقها او تشهد انفجاراتها) فان ما بعد الحداثة التي تتصف (بالذاتية والتفكيكية والتعددية والاختلاف والعشوائية) لم تعمر الا عقودا قليلة حتى صارت اجوبتها غير وافية لما يطرح من اسئلة التغيير المتسارع.. فاذا كان تطور الفكر الانساني وما يستتبعه، يتطلب قرونا ثم اختزلت القرون الى عقود، فاننا امام عالم من الافكار المتحولة والتي ربما تحسب سرعة تغيرها بأقل ما يمكن من وحدات الزمن، لان مفعول هذه الافكار ليس عوالمنا الواقعية.. وانما تكون مفاعيلها في عوالم فكرية يجترحها الامكان ويغذيها الاحتمال بعيدا عن الاعتقاد النهائي او الايمان القبلي بله الصدق الواقعي، تلك هي المرحلة الفكرية الجديدة (السوبر حداثة) التي اجاد الكاتب العربي القدير حسن عجمي في كتابه القيم (السوبر حداثة-علم الافكار الممكنة) في تعريف مفهومها والتطرق الى مناهجها غير المحددة وبيان مدلولاتها والافصاح عن عوالمها الممكنة. وكما نرى فان ما طرحه الكاتب حول ظاهرة السوبر حداثة يعد افكارا ابكارا لم يتم تداولها في الاوساط الفكرية على نطاق واسع حسب علمنا.. لذلك ربما يستحق الكاتب ان نسجل له فضل السبق في هذا المضمار هذا بالاضافة الى اطروحاته الشيقة التي ينبض معها فكر المتلقي فضلا عن اسلوبه الذي يمكن ان يوضع في خانة (السهل الممتنع).عرفنا من قبل بأن الحداثة هي مذهب عقلي/ علمي تتغيا المعرفة.. وان ما بعد الحداثة هي مذهب ذاتي عدمي لاغائي. اما السوبر حداثة فهي ((المذهب الذي يستخدم مفاهيم ومناهج ما بعد الحداثة من اجل الوصول الى الهدف الاساسي للحداثة الا وهو المعرفة)) على حد تعبير حسن عجمي. اما علم الافكار الممكنة فهو جزء من السوبر حداثة.. وان موضوعه غير محدد بل يمكنه ان يدرس كل المذاهب الفكرية وفي كل الميادين الفكرية من فلسفة وعلم اجتماع وأدب واقتصاد ولغة.. الخ. لكن لعلم الافكار اشتراطاته التي تقضي بأن الافكار التي يمكن دراستها يجب ان لم تنشأ بعد.. يقوم علم الافكار على اساس مبدأ اللاحتمية ((اللا محدد)) المستخدم في تفسير ميكانيكا الكم..هذه النظرية تقوم على اساس ان مبدأ اللا محدد يحكم العالم ((من غير الممكن تحديد مكان الجسيم وسرعته في آن معاً)).. وللتخلص من هذا المأزق يطرح رأي يعتقد ان التحديد يكمن في الوعي الانساني فيما يرى اخرون نفي هوية مخصوصة للجسيمات. يتيح علم الافكار لمن يريد ان يطرح افكاره بغض النظر عن قناعته بها كذلك لا يتطلب الامر اكمال عدته الفكرية والمنهجية.. مما يتيح مجالاً ارحب للمساهمة في تخليق المعرفة واستغواء اكبر للانخراط في دروب البحث العلمي. ولعلم الافكار خاصية تخطي مذهب الشك بغض النظر عن صدقه.. طالما انه يرمي الى دراسة ما يمكن ان يكون صادقاُ. ومثلما يمكنه التنبؤ بالافكار اللاحقة فانه يمكن ان يفسر اسباب نشوء الافكار السابقة.ان علم الافكار يستغل المفهوم اللاحداثوي-اللا محدد- بغية الوصول الى المعرفة وهي هدف حداثوي.. فان فكرة اللا محدد يمكن ان تطبق على العلم كما في ميكانيكا الكم، كما طبقها كانط على العقل وهيجل على الوجود.. فان هذه يمكن ان تطبق في ميادين اخرى، مثلا في ميدان ((المعنى)) للوصول الى ان المعنى غير محدد كما عند كوين.. يعرف الاستاذ حسن عجمي اللا محدد على ((انه ليس سوى عدم وجود الزمان والمكان في عالم مادون الذرة)).. ويفترض تطبيق ذلك على العالم الذري-العالم الواقعي-فاذا فعلنا ذلك ربما ((نحصل على نظرية جديدة في الفيزياء)) لكنه يدع تلك المهمة للاخرين.. وبما ان كل شيء غير محدد فاذن لا يوجد منهج محدد لعلم الافكار.. فاذا كان المنهج التفكيكي يعمد الى تفكيك النصوص بغية كشف اللا معقول والمستبعد في النصوص فان منهج علم الافكار ((يقوم بتحديد الافكار التي من الممكن ان توجد او يفكر بها، اي يحدد العوالم الفكرية الممكنة)).. إذ مع كل عالم ممكن يراد دراسته يمكن استخدام منهج ما.وعن اسباب هيمنة الافكار المحددة على الفكر الانساني يقول حسن عجمي:((توجد عوالم ممكنة تتكون من الافكار الممكنة التي لم تفكر بها البشرية، ومن خلال حجبها او اقصائها حددت الافكار التي سيطرت على فكر البشرية)).. لكن من خلال الانفتاح على العوالم الممكنة بالتفكير الممكن يمكننا الانفتاح على ((المعتقدات الممكنة والمحتملة)) من دون ان نلزم انفسنا بسوق الادلة والبراهين كما نعمل في اعتقاداتنا الواقعية.. لان التفكير الممكن يحررنا من عبادة ((الاوثان الفكرية)) ويتيح الفرص امام الجميع فلاسفة وعلماء ومثقفين وغير مثقفين للهجرة الى العوالم الممكنة وهم متحررون من تابوهات الفكر القار والزامات العوالم الواقعية.. فالتفكير الممكن.. هو تفكير وحض على التفكير نحو التغيير والابداع في كل المجالات الممكنة وصولا الى المعرفة.. إذ انه ينقلك الى ميدان معرفي.. يؤمن لك الحكم على صدق النتائج والنظريات او كذبها بغض النظر عن افتقارك الى العدة المعرفية الكاملة التي لا يمكن ان يدعي احد بامتلاك ناصيتها.. طبعا على ان يكون حكمك الانف الذكر ليس نهائيا بل مفتوح وقابل للتجدد والتغيير والتحول. وعلم الافكار لا يرى بأساً باختلاف النظريات وتناقضها من غير ان نسقط في التناقض في النظرية الواحدة. لانه العلم الذي يقوم بدراسة النظريات الممكنة الصدق التي ربما تكون كاذبة في عالمنا الواقعي، يقول حسن عجمي (اذا دفعنا السوبر حداثة او علم الافكار الى اقصاه، تصبح مهمتنا ان نضع ما هو صادق او ما نعرفه بين مزدوجين ونتناساه، وان نبحث عما من الممكن ان يكون صادقا رغم كذبه في عالمنا. هذا هو المذهب الفلسفي الذي يدعو الى بناء النظريات الكاذبة. فتاريخ الفلسفات والعلوم تاريخ النظريات الكاذبة)).. بمعنى اخر ان السوبر حداثة او علم الافكار يشتغل بغية صناعة افكار مفهومية جديدة ممكنة الصدقية، من دون ان يكترث بصناعة حقائق مصداقية لأنها لا تقع في عوالم مفعولاته.

ضمد كاظم وسمي
جريدة الصباح العراقية

السبت، 27 ديسمبر 2008

هل نحن مقبلون على عصر سوبر فلسفي؟







قضية للنقاش ..

هل نحن مقبلون على عصر سوبر فلسفي؟



حسن عجمي يتوج سلسلته ب "السوبر مثالية"




في حدود ما أعلم كانت الفلسفة الوجودية آخر حركة فلسفية عالمية أثارت الجدل في الأوساط الثقافية العربية في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي وربما امتدت أكثر قليلاً عبر العديد من الدراسات والبحوث إلي جانب الأعمال الإبداعية التي عكستها ولا سيما في فن الرواية.
بعد ذلك ساد عدد من التيارات النقدية المواكبة لحركة الترجمة ولا سيما الآتية من الغرب، ومن تلك التيارات: البنيوية والتداولية وتحليل الخطاب وجماليات التلقي، الرائجة الآن في العديد من الدوريات الفكرية والثقافية، وصولاً إلي ما بعد الحداثة، أو "السوبر حداثية".
ويبدو أن الباحث الشاب حسن عجمي التقط، بحدس الكاتب المبدع، هذه "النزعة الماروائية"، اللا معقولة في جانب منها، وما زال يسعي بمجهود فردي إلي تطويرها عبر سلسلة من المؤلفات التي تبحث في "السوبر" من المصطلحات الفكرية والفلسفية التي باتت تفرض هيمنتها، ليس فقط علي الصعيد العربي، بل علي الصعيد العالمي أساساً.
فبعد "السوبر حداثة" و"السوبر أصولية" والسوبر مستقبلية " هاهو حسن عجمي يصدر كتاباً جديداً يحمل عنوان "السوبر مثالية"، والذي يحلل فيه بمنهجه الفكري المبتكر فكرة (ما بعد المثالية) التي تتجاوز المثالية والواقعية في آن معاً، بحثاً عن مشروع فكري جديد يخرج بالفكر الفلسفي العربي إلي فضاء جديد خارج الكليشهات الثابتة والمفاهيم المستوردة والتي أدت بهذا الفكر إلي جدل عقيم ومنفر للباحثين والمتابعين علي حد سواء.
يقول حسن عجمي في أحد حواراته: أستخدم مفهوم "السوبر" كي أميز هذا المشروع عن المشاريع الأخري، فالسوبر أصولية تختلف عن الأصولية، والسوبر حداثة تختلف عن الحداثة وما بعد الحداثة، والسوبر مستقبلية تختلف عن المستقبلية، مضيفاً: السوبر حداثة تدرس الأكوان الممكنة، وإذا نظرنا إلي الأكوان الممكنة مجتمعة ولكونها مختلفة عن بعضها ستغدو حقائقها غير محددة، لذا تعتمد السوبر حداثة علي اللا محدد من أجل الوصول إلي المعرفة، فبينما الحداثة تقول إن الكون محدد ولذا من الممكن معرفته، تعتبر ما بعد الحداثة أن الكون غير محدد ولذا من غير الممكن معرفته، أما السوبر حداثة فتؤكد علي أنه علي الرغم من لا محددية الكون، من الممكن معرفته لأن من خلال لا محدديته نتمكن من تفسيره.
في "السوبر مثالية" كما في مؤلفات حسن عجمي السابقة ثمة تأمل عميق في المفهوم والمصطلح علي المستوي النظري، يوازيه علي المستوي التطبيقي منهج رياضي في البحث جعل من الفلسفة المثالية مادة طيعة للتناول عبر قوانين علمية مسلم بها.
ونحن نقرأ "السوبر مثالية" يعترينا السؤال: هل نحن مقبلون علي عصر "سوبر فلسفي" ينقذ عصرنا الفلسفي هذا والمبتلي بألف داء؟


عبدالله الحامدي




الجمعة، 26 ديسمبر 2008

السوبر حداثة




أطروحة فلسفية جديدة عن علم الأفكار الممكنة






يواصل الباحث اللبناني في فلسفة الأفكار حسن عجمي رحلته في الكتابة المفارقة، وها هو يأتينا بجديده تحت عنوان «السوبر حداثة ـ علم الأفكار الممكنة». وهذا الكتاب يدخل في سياق سلسلة تأليفية يشاء الكاتب ان يجعلها بداية لبلورة أطروحة فكرية فلسفية مع بداية الألف الثالث الميلادي. يأتي هذا الكتاب بعد عدد من المؤلفات ذات المناخ المشترك. منها «وحي اللغة ـ بيان اللامعنى» 2003 و«مقام المعرفة ـ فلسفة العقل والمعنى» 2004، و«معراج المعنى» 2001، ناهيك عن عدد المجموعات الشعرية التي يمتزج فيها الفلسفي بالوجودي وبالرؤية الرومانسية المتقلبة للحياة والذات والوجود.
يبين الكاتب في مستهل كتابه المعنى الفلسفي للحداثة، فيرى انها المذهب الذي يؤمن بوجود منهج عقلي فلسفي او علمي مقبول يوصلنا إلى المعرفة. فالحداثة هي المؤمنة بتأصيل المعارف.
فإذا كانت ما بعد الحداثة. هي الاعتقاد باستحالة تأصيل اي معرفة أكانت دينية أم علمية ـ كما يقول المفكر المغربي محمد اركون، فإن الحداثة ليست سوى الأيمان بإمكانية تأهيل المعارف.
اما ايهاب حسن فيعرف ما بعد الحداثة على انها المتصفة بمبدأ اللاحتمية المطابق او الشبيه بمبدأ اللاحتمية في ميكانيكا الكم. بالنسبة إلى ايهاب حسن يتصف مذهب ما بعد الحداثة بالذاتية، والتفكيكية والتعددية والاختلاف والعشوائية.
اما «السوبر حداثة» وهي الذي يسعى المؤلف هنا لإظهارها وتبريرها كمصطلح ومفهوم، فهي في نظره المذهب الذي يستخدم مفاهيم ومناهج ما بعد الحداثة من اجل الوصول إلى الهدف الاساسي للحداثة الا وهو المعرفة. مثال ذلك محاولات العلماء والفلاسفة في تفسير ميكانيكا الكم. فبالنسبة إلى ميكانيكا الكم، فإن مبدأ اللاحتمية او مبدأ اللامحدود هو الذي يحكم العالم. يقول هذا المبدأ انه من غير الممكن تحديد مكان الجسيم وسرعته في آن معاً.
لقد انشغل العديد من العلماء ولا يزالون منشغلين في تفسير هذا المبدأ. بعضهم يفسره على اساس ان الوعي الإنساني يحدد ما يحدث في عالم الجسيمات، بحيث تصبح غير مختلفة عن بعضها بعضاً الخ. وهنا نجد استخدام مفهوم اللاحتمية او اللامحدود. وهو مفهوم ما بعد حداثوي من اجل الوصول إلى المعرفة وهو الهدف الحداثوي. من هنا فإن «السوبر حداثة» توظف ما بعد الحداثة إلى اهداف الحداثة.
اما علم الافكار التي جعلها المؤلف عنواناً فرعياً لاطروحته الاساسية، فهو جزء لا ينفصل من «السوبر حداثة». اذ بما ان علم الافكار يدرس الافكار الممكنة وكيفية تطبيقها في ميادين مختلفة، كأن يطبق مبدأ اللامحدود على المجتمع والتاريخ. فهو بذلك يستخدم مفاهيم ما بعد الحداثة كما تفعل «السوبر حداثة».
ويسعى علم الافكار إلى التوصل إلى معرفة العوالم الممكنة التي قد تشبه عالمنا الواقعي. من هنا يتطابق هدف علم الافكار احياناً مع اهداف «السوبر حداثة» ويسعى علم الافكار ـ بحسب مسوغات المؤلف ـ إلى التوصل إلى معرفة العوالم الممكنة التي قد تشبه عالمنا الواقعي والتي تضمه.
كل هذا يرينا ان علم الافكار يستخدم ما بعد الحداثة من اجل تحقيق هدف الحداثة بشكل غير مباشر. على هذا الاساس يشكل علم الافكار مبدأ اساسياً في عمارة «السوبر حداثة». وهكذا سنجد ان معظم الابحاث في هذا الكتاب، يفترضها المؤلف على انها حلقات تندرج في السياق الاجمالي لاطروحته.
لا يريد المؤلف ـ على ما بين وتبين لنا ـ الارتحال إلى ضرب من «الفانتازيا» الفكرية او المصطلحية لكي يقول شيئاً جديداً في عالم فلسفة الافكار. ففي رأيه، ان علم الافكار الذي تقرره «السوبر حداثة» لا يستهدف معرفة العالم الواقعي بشكل مباشر. بل هو يدرس حقائق العوالم الممكنة.
ولذلك فإن علماً كهذا، يختلف عن الحداثة التي تعنى بدراسة الواقع من اجل الحصول على معرفة الواقع. كذلك فإن علم الأفكار لا يسعى إلى نقد المعرفة ورفضها كما تفعل ما بعد الحداثة، لأن علم الأفكار يسعى إلى الحصول على المعارف من خلال العوالم الممكنة. فهو بذلك يختلف عن كل من الحداثة، وما بعد الحداثة ليشكل مذهباً يغادر مفهومي الحداثة وما بعدها. وعلى هذا النحو فإن علم الافكار الذي تقوم عليه اصلاً نظرية «السوبر حداثة» هو العلم الذي يدرس الافكار الممكنة.
اي ان موضوعه هو دراسة المذاهب الفكرية كافة (الفلسفية والعلمية والاجتماعية والادبية الخ) وذلك بشرط الا تكون المذاهب المشار اليها قد نشأت بعد. اي ان الموضوعات التي سيدرسها علم الافكار هي التي سيطرحها الراهن والمستقبل في ظل التحولات الهائلة التي يعيشها عالم ما بعد القرن العشرين.
ان الهدف الاول والاساسي الذي يستهله مثل هذا العلم هو بناء المذاهب والافكار الجديدة ومحاولة الدفاع عنها والتماس فضائلها (ونواقصها اذا امكن) شرط ألا يعتبرها المؤلف هي حقاً مذاهبه وافكاره. بمعنى آخر فإن مثل هذه المحاولة هي التوصل إلى تحديد مجموعة الافكار والمذاهب الفكرية التي من الممكن ان توجد! والتي من الممكن ان يفكر فيها فرد ما في عالم ما، او التي من الممكن ان تكون صادقة في عالم ما.
اما الفائدة من وراء البحث والوظيفة التي سيؤديها ضمن دائرة النقاش العالمي، فهي تقوم ـ بحسب المؤلف ـ على محاولة اعطاء العالم حجة معرفية لكي يكتب وينشر ما فكر به، على الرغم من انه غير مقتنع كلياً بما كتبه او فكر فيه. ذلك لأن العلم يدرس الافكار الممكنة وليس بالضرورة ان يعتنقها، من هنا لا يحتاج العالم في هذه الحال إلى قضاء المزيد من الوقت لكي تحدث التجارب والخبرات الداعمة لفكرته هذه او تلك.
ففي الآن ذاته، عندما نحدد الافكار الممكنة نكون قد ساهمنا في البحث الفلسفي والعلمي، فإذا ما وجدنا امامنا معظم الأفكار التي من الممكن التفكير فيها، قد يختار العالم مذهباً منها ويطوره، ما يساهم في بناء المعرفة والبحث العلمي. هذه بعض الحجج إلى جانب حجج اخرى تتصف بالصفة البراغماتية، والتي تؤسس إلى هذا العلم الجديد. في حين ان الحجة الأساسية الداعمة لهذا العلم هي انه يتجنب المذهب الشكي. فحتى لو كان الشك صادقاً، فإننا سنبقى غير قادرين بحق على دراسة ما يمكن ان يكون صادقاً.
يلاحظ المؤلف ان من حجيات هذا العلم امتلاكه للقدرة التفسيرية. فهو يفترض انه قادر على تفسير بعض الظواهر.
اي القدرة على ان يفسر ويبين ويلاحظ الكيفية السببية لنشوء بعض الافكار والمذاهب في الماضي. كما لديه القدرة المفترضة على التنبؤ بالافكار والمذاهب التي قد تنشأ في المستقبل.
واذا كان من غير الممكن والمنطقي البرهنة على هذا الادعاء الفلسفي الا من خلال تقديم امثلة وتجارب عيانية، فإن المؤلف يلتجيء في هذه الحال إلى اختيار فكرة ما يسميه بـ «اللامحدود» (indeteminacy) كميدان لعمله.
ففي هذا الخصوص، يرى ان هذه الفكرة اوجدت اصلاً في التراث الفكري الغربي. ويضيف: انها تمثلت في تنظيرات ايمانويل كانط حول مقولتي العقل والادراك. بينما تمثلت عند هيغل على الوجود.
فلا عجب اذن، ان تنتقل هذه الفكرة التي شغلت التراث الفلسفي الغربي أمداً طويلاً إلى العلم. وبالفعل فإن هذه الفكرة قد تشخصت في ميكانيكا الكم التي تقول انه من غير المحدد سرعة الجسيم ومكانه. وذلك اعتماداً على انتشار فكرة اللامحدود، ومن منطلق علم الأفكار كونه يدرس الأفكار التي من الممكن توليدها.
حيث نستطيع ان نتنبأ بأن فكرة اللامحدد سوف تطبق في علم الاقتصاد. وبالفعل ايضاً، فلقد طبقت هذه الفكرة مؤخراً ضمن هذا العلم. وهذا دليل على صدق هذا التنبؤ. وهذا دليل ايضاً على صدق علم الافكار وقدرته التفسيرية. فلقد فسر ظاهرة معينة بكثير من الاقتدار، وهي نشوء مذهب جديد في علم الاقتصاد يدعى دراسة الاقتصاد وتحولاته وثباته وصعوده وهبوطه من خلال ما يسمى بـ «فكرة اللامحدد».
انطلاقاً من المسوغات النظرية والفكرية التي يسوقها المؤلف على امتداد الكتاب، فإنه يصل إلى نتيجة مؤداها التالي: ان «السوبر حداثة» سوف تسعى إلى بناء نظريات علمية ناجحة وصادقة في عوالم ممكنة. لذلك قالت هذه الاطروحة «ان العلم يعبر عن الحقائق كما هي في العوالم الممكنة التي قد يكون من ضمنها عالمنا الواقعي.
وبينما تعتبر الحداثة ان العلم يعبر عن الحقيقة في عالمنا الواقعي، تدعى ما بعد الحداثة ان العلم لا يعبر عن الحقيقة بل هو مجرد أداة نافعة في تفسير الظواهر والتنبؤ بها. غير ان «السوبر حداثة» تتخطى المذهبين السابقين حين تقول ان العلم يعبر عن الحقائق القائمة في الاكوان الممكنة. ومن منطلق ان المشاكل الفلسفية هي مشاكل حقيقية ويتم حلها من خلال ايضاح معاني المفاهيم او كيفية استعمالها نتمكن من الاجابة على السؤالين التاليين:
لماذا وكيف تنجح الفيزياء في التعبير عن العالم من خلال معادلات رياضية؟
لماذا ينجح الإدراك البشري في إبقائنا على قيد الحياة او ايصالنا إلى المعرفة؟
ان النظريات الفيزيائية ناجمة في التعبير عن العالم من خلال الرياضات ـ كما يقول المؤلف ـ ذلك لأن «النجاح لا معنى له خارج ميدان الرياضيات.
فالرياضيات هي المعيار في الحكم على النجاح او الفشل. وادراكنا للكون ناجح لأنه لا معنى للنجاح خارج ادراكنا، فالادراك البشري هو المعيار في الحكم على ما هو ناجح وما هو فاشل.
ويربط المؤلف بين الممكن والعقلاني باعتبارهما امراً واحداً، ويناقش ما رأت اليه الحداثة في هذا الصدد. فإذا كانت الحداثة ـ على ما يبين ـ تتميز بقبول وجود اسس وماهيات. فإن ما بعد الحداثة ترفض وجودها. ومن المفترض ان تكون الاسس هي المباديء التي تبنى عليها المعرفة بأشكالها كافة.
وان تكون الماهيات هي التي تحدد الأشياء والحقائق. لكن من الممكن تخطي هذين الاتجاهين السابقين بقبول «السوبر حداثة» التي هي دراسة للأسس والماهيات الممكنة. بل هي تطالب بخلق الأسس والماهيات من خلال دراستها، لأنها لا تعنى بوجودها او عدم وجودها. بل بدراستها كممكنات.
واذا كانت الحداثة تملك مضموناً محدداً، وما بعد الحداثة تملك مضموناً نقيضاً للحداثة. فإن السوبر حداثة لا تملك مضموناً محدداً لأنها تدرس الممكنات (بل هي تكشف لتولد الممكنات) التي تحتوي مضامين مختلفة. وبذلك فإن مضمون «السوبر حداثة» يختلف مع اختلاف الممكنات. واذا كانت ما بعد الحداثة تتميز بالكشف عن نهايات الاشياء كنهاية الايديولوجيا والفن والطبقة والتاريخ، فإن السوبر حداثة تركز على بدايات الاشياء لانها تدرس الممكنات مما قد يدفعها نحو التحقق.
العقلانية عند المؤلف هي حقيقة الممكنات وعلم الممكنات. وتقول «السوبر حداثة» في هذا الشأن ان العقلانية تقوم على التالي:
اي فرد هو عقلاني، اذا عرف ان معتقداته تخرق مباديء المنطق فإنها تقع في التناقض والدور. وبهذا يتخلى عما يعتقد. وفقط في حال عدم تخليه عنها يصبح غير عقلاني.
من فضائل هذه النظرية (السوبر حداثة) كما يقول المؤلف انها مفارقة: فمن جهة تقر بأنه من الممكن للفرد ان يخرق مباديء المنطق ويبقى عقلانياً في حال انه لا يعرف انه قد ناقض المنطق، ومن جهة اخرى يعترف بأن على الفرد ان يراعي المنطق، والا اصبح غير عقلاني في حال انه عرف خرقه للمنطق وقبل به.
هذه محاولة جريئة في عالم البحث الفلسفي لكنها جرأة تنطوي على مخاطرة.. فالسؤال حول ماهية هذه الأطروحة يبقى ماثلاً مادام المؤلف لم يفعل في هذا الكتاب سوى وضع مقدمة لأطروحته.


محمود حيدر - البيان

الرابط :http://www.alimbaratur.com/All_Pages/Tawaheen_Stuff/Tawaheen_59.htm


الخميس، 25 ديسمبر 2008

الموسيقار عمر خيرت




الميزياء، الجيزياء والحيزياء









الميزياء، الجيزياء والحيزياء


فلسفة ومصطلحات جديدة لحسن عجمي





مصطلحات جديدة أدخلَ إلى اللّغة العربيّة. وفلسفة خاصّة مبتكرة أظهر إلى العلن. هذا ما فعله حسن عجمي، الغزير الإنتاج والمتفرغ تمامًا للكتابة والتأليف، في كتابه الأخير "الميزياء، الجيزياء والحيزياء" الذي يصدر سنة 2008 عن "الدار العربية للعلوم ناشرون".
الميزياء – كما يكتب عجمي في مقدمة كتابه - "هي المذهب الفلسفي الذي يعتبر أن كل شيء يملك ميزة تميّزه عن الأشياء الأخرى وبفضل ميزاته يوجد ويتشكّل. على هذا الأساس لا يوجد شيء مطابق لشيء آخر، وإلاّ لأصبحا شيئًا واحدًا. إذا وجد شيء مطابق لشيء آخر في كلّ صفاته، إذن لا يوجد ما يميّزه عن ذاك الشيء الآخر، وبذلك هذان الشيئان هما شيء واحد. لذا لكل شيء ميزة تميّزه. وبذلك لا توجد الماهيّات. فمثلاً، لو وجدت ماهيّة للإنسان، لكان كل إنسان مطابقًا لكل إنسان آخر في ماهيّة الإنسانيّة، وبذلك لزالت الميزة التي تميّز إنسانيّة هذا عن إنسانيّة ذاك. وفي حال زوال الميزة بين البشر يغدو كل البشر فردًا واحدًا، وهذا مستحيل".
ويشرح عجمي في حديث إلى "المسيرة" أن "الميزياء مصطلح جديد غير موجود في اللّغة العربيّة، وهو مشتق من الميزة. والميزياء فلسفة جديدة تختص بالميزات فقط. لم يقم أي باحث أو فيلسوف أو عالم بدراسة الميزات فقط، وحاولت أن أميّز الميزياء عن الفلسفات الأخرى مثل الماهيّة. الفرق كبير بين الماهيّات الثابتة والمطلقة، والميزات التي قدّ تتغيّر وتتطور". ويؤكّد أن "الموضوع لم يتناوله أحد في الغرب حتى، وقد عجزت عن إيجاد ترجمة لكلمة ميزياء في اللّغة الإنكليزيّة مثلاً. قد ألتقي بفكري مع علم آخر، لأن الأفكار، في رأيي، غير منعزلة بعضها عن بعض، وهي تشكل حقلاً واحدًا هو حقل المعرفة التي تضم العلم والفلسفة والآداب وكلّ انجازات الإنسان... فكل الحقول الإنسانيّة تعبّر عن إنسانيّة الإنسان".
يعطي عجمي أمثلة عن الميزات والتغيّر فيتناول العقل مثلاً، ليشير إلى أن العقل عند الإنسان البدائي كان يؤدي وظيفة الحفاظ على حياته وبقائه واستمراره. بقي العقل، لكنّ ميزته تغيّرت، واصبحت ميزة العقل الوصول إلى المعرفة. هكذا تغيّرت ميزة العقل. وهكذا يظهر اختلاف الميزة عن الماهيّة. "من هذا المنطلق، يضيف عجمي، من الأفضل معرفيًا أن ندرس الأشياء عبر ميزاتها بدلاً من أن ندرسها عبر ما يسمى بالماهيّات. ثم أن هناك اختلافًا بين الميزياء وفلسفة الاختزال التي تعني أن نختزل مفهومًا معيّنًا بمفهوم آخر. العقل مثلاً يختزل بمجموعة وظائف معيّنة يؤديها. الميزياء ترفض هذه الفلسفة لأنها تقول إن لكل شيء ميزة أو ميزات، وعلى أساسها يتشكّل. لذا لا يوجد شيء مطابق لآخر. وعليه، صار عندنا قدرة على التعبير عن التنوع بين الموجودات وعن الاختلاف في ما بينها من دون أن نختزل بعض الأشياء إلى أشياء أخرى. الغرب اليوم يركّز على فلسفة الاختزال التي أحاول أن أخرج منها وأن أقدّم شيئًا جديدًا".
الجيزياء والميزياء مصطلحان جديدان في اللّغة العربيّة أيضًا. ويشرح عجمي أنّ "الجيزياء تدرس ما يجوز وما لا يجوز. مثلاً يجوز للشيء أن يفقد ميزته ويبقى هو ذاته. ولكن لا يجوز للشيء أن يوجد من دون أن تكون له ميزة. أمّا الحيزياء فهي دراسة الحيّز. لكل شيء حيّز وفي ضوئه يتشكّل ويتكّون. حتى الميزات تتكون في ضوء الحيّز".وعبر هذه المصطلحات وهذه الفلسفة، تناول عجمي في كتابه مواضيع شتّى مثل البقاء والاستمرار، العقل، الوجود، الرياضيات والفيزياء، البيولوجيا والكيمياء، العلوم، الكون، الحقيقة، القانون الطبيعي، البحث المعرفي، الاعتقاد، الذكاء، الدين، الأخلاق، الوعي والشعور، الحياة، الإنسان، الحضارة، الصناعة، الكتابة، الصمت، اللّغة، المعنى، الكلام، النص، الشعر، الفن... وغيرها من المواضيع العلميّة والفلسفية والانسانية، معتمدًا، كما عوّدنا دائمًا في مؤلفات سابقة، على بحث عميق ومعادلات حسابية علمية.
هل يطمح عجمي أن تنتشر أفكاره ويصل إلى العالمية؟ "ما حاولت أن أعمله في هذا الكتاب، كما يجيب، ليس "التفلسف"، وإنما "نحت" مصطلحات جديدة في اللّغة، والمصطلحات الثلاثة جديدة، وهنا الجهد الذي قمت به. وعلى أساس هذه الأفكار كتبت. كتبت عن أشياء سابقًا مثل "السوبر تخلّف" و"السوبر مستقبليّة" وهي أفكار أيضًا مبتكرة وغير متداولة محليًّا أو عالميًّا. لا أطمح إلى بلوغ الشهرة أو العالميّة. فالأفكار التي تموت أفضل من الأفكار التي تحيا، لأننا في عصر "السوبرتخلّف". لا يهمني أبدًا أن تؤخذ هذه الأفكار أو أن تنتشر هذه الفلسفة. الهدف هنا التعبير عن إنسانيتي فقط".


ميراي يونس


الأربعاء، 24 ديسمبر 2008

Voice of the rain

تحولات تحاور الكاتب حسن عجمي









حسن عجمي :


* لا يوجد عقل عربي أو غربي بل إنسان يكتب ليحقق إنسانيته
* في كتابتي أحقق إنسانيتي وأرفض الإستسلام للواقع المتخلف
* لم يعد المسلم فعلياً مسلماً ولا المسيحي فعلياً مسيحياً



حاوره: أسماء وهبة ـ زاهر العريضي

يخوض الكاتب حسن عجمي غمار الكتابة الفلسفية، مجتازاً العديد من الحواجز الفكرية، محاولا الوصول إلى مفهوم معرفي خاص اعتبره الكثيرون صعب الفهم. إلا أن همه هو مناقشة النواحي الفكرية المعرفية الفلسفية في مجتمعاتنا العربية بطريقة علمية. لذلك لا نستغرب أنه أصدر حتى الآن 13 كتابا تحمل عناوين لافتة مثل «السوبر أصولية»، «السوبر حداثة» «السوبر مستقبلية» وغيرها.
«تحولات» التقت حسن عجمي، وسألته عن سر كلمة «سوبر»، وإن كان للكتابات الفلسفية مكان في عالمنا اليوم؟!
مصطلح «السوبر تخلف» الذي تصف به المجتمع العربي يثير الكثير من علامات الإستفهام. فماذا تقصد به؟

بالنسبة لكتاب «السوبر تخلف» حاولت من خلاله التمييز بين التخلف والسوبر تخلف. فالتخلف هو عدم إنتاج ما هو مفيد للعالم والبشرية، أما السوبر تخلف هو عملية تطوير التخلف عبر استخدام العلم من أجل التجهيل. فمثلا منذ 100 عام حتى الآن زادت أعداد الجامعات والمدارس في العالم العربي، ومع ذلك ارتفعت معدلات التخلف، لأن معظم مدارسنا وجامعاتنا لا تخرج علماء وأدباء وشعراء بل إرهابيين...

لا نستطيع التعميم!

لفظة «إرهابيين» هنا تحمل العديد من المعاني. فهناك إرهابيين فعليين هدفهم تدمير الحضارة، وآخرون يقتلون بعضهم البعض ولا يعترفون بالعلم والمنطق. أما نحن العرب والمسلمون فلا أتردد بوصفنا بالسوبر متخلفون، لأننا نرفض العلم والمنطق والفلسفة والعقل.

ما هي أسباب واقع السوبر تخلف؟ هل يعود إلى هيكلية النظم السياسية العربية التي تعمد إلى إبقاء الشعوب في الغيبوبة للمحافظة على مواقعها، أم له علاقة بوعي المواطن؟

كل هذا الذي ذكرته. وهذا ما وصفته ضمن المعادلة التالية: التخلف = التكنولوجيا/ العلم. عند زيادة العلم يقل التخلف وبالعكس. فالتكنولوجيا اليوم متاحة أمامنا، إلا أننا نرفض العلم، ولا نشارك الحضارة في إنتاج العلوم، لذلك زاد التخلف، وهذا ما يسمى بالسوبر تخلف. فنحن نستخدم التكنولوجيا من أجل التدمير والتجهيل عبر الفضائيات والجامعات والمدارس التي تكرس الطائفية والتعصب بدلا من قبول الفلسفة والمنطق والعلم. وبالتالي تحول التخلف إلى مؤسسة لها أدوار وأشخاص. لذلك نحن في العالم العربي لا نشكل مجتمعات، بل قبائل متصارعة، لأننا نرفض الآخر. وفي الوقت نفسه يجمعنا الصراع المستمر عبر التجاذبات الطائفية، مما يعني غياب عملية بناء المجتمع والدولة والمواطن التي حل مكانها سلطات أحكمت سيطرتها على أفراد القبيلة التي تعيش في ظل يقينيات كاذبة غير قابلة للتطوير!

لكنك هكذا تنفي حركة المجتمع المدني الخجولة وتجمعات المثقفين الذين يعملون على تنوير المجتمع ومكافحة حالة السوبر تخلف!

هناك بصيص من الضوء لمكافحة السوبر تخلف. إلا أن معظم هذه المحاولات تبوء بالفشل. فمثلا لقد حاولت أنا وعدد من المثقفين من طوائف مختلفة مواجهة الطائفية إلا أننا فشلنا، لأن كل منا يلهث وراء مصالحه. وبالتالي لا يبقى إلا تسو نامي السوبر تخلف الذي يطيح بالشعوب، خصوصا أن الإنسان السوبر متخلف يعتقد أنه سوبر متطور وهذه كارثة كبرى!

لماذا لا نقبل المجتمع كما هو بكل أخطائه الشيء الذي قد يكون بداية لتطويره، أم أننا نفتقد إلى صيرورة التطور؟

بالنسبة لي أنا أتفاعل مع مجتمعي عبر 13 كتابا قدمت فيها عصارة فكري لتنوير الناس. وأنا أقبل هذا المجتمع كما هو لكني لا أتحمل أن يستمر على هذه الحال.
لكن للأسف يقف دور المثقفين اليوم عند ظهورهم على وسائل الإعلام ليتحدثوا عن مواطن لا يشبه أي أحد، وعبر كتابات لا تمس الواقع، ويركزون على كيل الإتهامات للآخرين دون تقديم الحلول!

أنا لا أمارس أي عمل اتهامي حيال مجتمعي، بل أحاول من خلال كتاباتي الفلسفية أن أفسر الظواهر عبر التنظير الذي يعتبر جزءا هاما من الفلسفة والإعلام. وعلى العكس أعتقد أن وظيفة المثقف الأولى هي التنظير على أن يكون علمي ومنطقي، الشيء الذي يفتح الباب للتطور العلمي وقبول الآخر من ثم تشكيل مجتمع يستطيع أفراده التفاعل مع بعضهم البعض.

ما هي أسباب عدم قبول العلم والمنطق؟

هناك العديد من الأسباب منها الدين. وإذا نظرنا إلى مجتمعنا اليوم فلن نجد المسلم مسلماً فعلياً ولا المسيحي مسيحياً فعلياً، لأننا لم نعد قادرين على فهم تراثنا. فمثلا لو ذهبنا إلى المكتبة لنسأل عن مؤلفات ابن سينا أو ابن تيمية فلن نجدها، وإذا صادف ووجدت فستكون مليئة بالأخطاء اللغوية. وإذا سألنا أي مثقف عن العقل عند ابن تيمية لن يعرف، مع أنه يحكم معظم مسلمي أهل السنة. فنحن نجهل تراثنا. فالمشكلة ليست في الدين بحد ذاته، لكن في طريقة فهمنا له! لذلك بات ملحاً طرح أفكار جديدة تسمح لنا بتفسير الدين بالشكل الصحيح عبر التحرر من اليقينيات الماضية، الكاذبة، المطلقة، والغامضة التي تحكم تصرفاتنا، فأفقدتنا إنسانيتنا. هذا عدا عن أسلوب التربية الخاطىء المتبع في مدارسنا الطائفية التي تعتمد على رفض الآخر، مما لا يعتبر بيئة صالحة لتخريج العلماء، دون أن ننسى وسائل الإعلام التي تنشر الأفكار السوبر متخلفة في مجتمعنا.

هل هناك ما يسمى عقل عربي؟

لا يوجد عقل عربي أو غربي. وأنا أرفض هذه التصنيفات. فهناك إنسان يكتب ليحقق إنسانيته. لذلك من خلال سلسلة «السوبر» وكتاب «الميزياء» حاولت تقديم فلسفة جديدة دون أن أدخل في تفاصيل وصف ماهية هذه الفلسفة إن كانت كونية أو شاملة.

من يقرأ لك؟

قارىء كتبي هو قارىء افتراضي. ليس بالضرورة أن يكون موجودا على أرض الواقع الآن.

إذن أنت تكتب لقارىء من طراز خاص؟

أكتب لقارىء مختص يهتم بشكل أساسي بالفلسفة.

لكن لم يعد للفلسفة جمهور في عالمنا اليوم!

صحيح، لذلك نحن نعيش في عصر السوبر تخلف.

إذن لماذا تكتب؟

أكتب لأنني لست مستسلماً لهذا الواقع. وأحاول أن أعبر عن طروحاتي وتحقيق إنسانيتي.

لكن كتاباتك صعبة الفهم على القارىء العادي. فلماذا لا تبسط طروحاتك حتى تصل لكل الناس؟

لا أنكر أنني أتوجه إلى قارىء مختص، إلا أن بعض كتبي مثل «السوبر تخلف» تستهوي القارئ العادي، حيث يستطيع فهم المعادلات الموجودة فيه، كما سيفهم فحوى الكتاب ومنهجه بشكل عام. وهذا ينفي ما قد أتهم به من أن نصي يتعاطى مع القارئ بفوقية.

ما هو أكثر ما يؤثر فيك عند الكتابة؟

النظريات الفلسفية والعلمية التي تعتمد على العلوم المعاصرة وأهمها الفيزياء وميكانيكا الكم، لذلك أحاول أن يكون العلم هو أساس انطلاقتي الفلسفية.

الرابط :http://www.tahawolat.com/cms/article.php3?id_article=1750