الخميس، 29 يناير 2009

عن التفسير العلمي لنشوء الحياة؟

البيولوجي مايكل بيهي والفيزيائي بول ديفيز:

عن التفسير العلمي لنشوء الحياة؟



حسن عجمي

ما زال الجدل قائماً حول ما هو التفسير العلمي الحقيقي لنشوء الحياة. وقد قدّم كل من عالِم البيولوجيا مايكل بيهي والفيزيائي بول ديفيز نظريته الخاصة في هذا الشأن.يعتبر مايكل بيهي أن النظرية الداروينية لا تقدّم تفسيراً دقيقاً للحياة. فالتحولات البيولوجية العشوائية والانتقاء الطبيعي والوراثة لا تكفي لنشوء الكائنات الحية ونجاحها في البقاء والاستمرار، بل لا بد من وجود طريق ارتقائي مُعبّد من نقطة بيولوجية الى أخرى. هذا لأن الارتقاء الأعمى الذي تبشّر به الداروينية لا يؤدي الى وجود الحياة ونجاحها في البقاء بسبب أن التطور الدارويني لا يعترف بوجود أهداف للطبيعة كهدف خلق الحياة. وبرهانه الأساسي على موقفه هو الآتي: بما أن البنيات الحية شديدة التعقد وغير مختزلة الى وحدات بيولوجية منعزلة، إذن الانتقاء الطبيعي والتحوّل العشوائي لا يفسّران نشوء تلك البنيات. على هذا الأساس يستنتج أنه يوجد مصمّم عاقل هو المسؤول عن خلق الحياة. يقول: الارتقاء الدارويني أعمى كونه خالياً من هدف بناء الحياة ونجاحها. فالآلية العمياء تفتقر الى عملية بناء مقصودة لصفة معينة واستمرارية تحسينها. من هنا يستنتج بيهي أنه من غير المتوقع وجود تطور متجانس لصفة معينة من منطلق النظرية الداروينية. وهذا ما يخالف الواقع البيولوجي. فبما أن البنيات البيولوجية معقدة بشكل هائل، إذن من غير الممكن أن تبنى من خلال عملية تدريجية وبطيئة كالتي تدعو إليها الداروينية ولذا الآليات الداروينية عمياء (Michael Behe: The Edge of Evolution. 2007. Free Press. PP.5 - 8.PP. 41 - 42. P. 102. PP. 112 - 113. PP. 121 - 122).يقدّم بيهي أمثلة تدعم موقفه منها المثل الآتي: الخلية الحية تشكّل كُلاً متماسكاً وغير عشوائي كأنها مصنع تم تأسيسه بعناية. على هذا الأساس يستنتج أن الأنظمة البيولوجية العملية والمتجانسة والأنيقة التي تعتمد عليها الحياة هي نتيجة تصميم عاقل. والتصميم هو الترتيب الهادف للأجزاء. فالخلايا مثلاً هي نتيجة تصميم هدفه خلق الحياة. بالنسبة الى بيهي، الكون كله، بما فيه الكون البيولوجي، محكوم بنظام عاقل وواع. فبينما مبادئ النظرية الداروينية توقعت وجود العشوائية والبساطة في البنية الحية، اكتشفت العلوم البيولوجية المعاصرة أن البنيات الحية منظمة وأنيقة ومعقدة الى حد كبير. ولا يكتفي بيهي بنتائجه تلك بل يمضي نحو اعتبار أن الكون كله نتيجة تصميم هدفه خلق الحياة. فيقول إن الفيزياء والكيمياء والبيولوجيا تشير الى ذلك. فمثلاً، لو تغيرت القوانين الطبيعية ولو قليلاً ما كانت الحياة لتنشأ (PP. 146 - 147. PP. 166 - 168. P. 190. P. 202. PP. 204 - 208).أما الفيزيائي بول ديفيز فيعتبر أن الكون مكوّن بدقة قصوى بحيث أنه إذا كانت أي صفة للكون (كصفات ذراته أو توزيع مجراته) تختلف ولو قليلاً عما هي عليه ما كانت الحياة لتوجد. فمثلاً، الكربون والماء السائل ضروريان لوجود الحياة، والقوانين الطبيعية كأنها مكوّنة خصيصاً لنشوء الحياة. عالمنا في كل معالمه صديق مخلص للحياة. فمثلاً، يستحيل وجود الحياة في عالم بأبعاد مكانية غير أبعاده المكانية الثلاثة. وكما نعلم فقد نشأ الكون من جراء الانفجار العظيم. لكن لو كان هذا الانفجار العظيم لم يكن كبيراً كما هو لانهار على نفسه قبل نشوء الحياة. فالكون يتمدد بدرجة كافية لتنمو المجرات والنجوم والكواكب، لكن ليس ببطء شديد كي لا ينهار. هكذا الانفجار العظيم وما أدى إليه من تمدد للكون هما عنصران أساسيان لخلق الحياة وكأنهما اتخذا صفاتهما فقط من أجل أن تنمو الحياة. أما القوى الطبيعية (كالجاذبية والقوى المسؤولة عن تماسك الذرة) فهي مناسبة تماماً لوجود الحياة؛ فلو أنها أقوى بقليل أو أضعف بقليل ما كانت الحياة لتتمكن من الظهور: (Paul Davies: Cosmic Jackpot. 2007. Houghton Mifflin Company. PP.2_3. P.47 P.54. P.138. PP.142_143).هذا الإحكام في صناعة الكون لا بد من تفسيره. لذا يعرض بول ديفيز النظريات التي من الممكن أن تفسر لماذا الكون يصادق الحياة. ومن تلك النظريات نظرية الأكوان الممكنة التي تقول إن ثمة أكواناً ممكنة مختلفة وعديدة. بالنسبة الى هذه النظرية، تختلف الأكوان الممكنة عن بعضها البعض في موادها وقوانينها الطبيعية. من هنا، من الممكن تفسير وجود الحياة في عالمنا على النحو التالي: بما أنه توجد أكوان ممكنة عديدة ومختلفة تملك مواد وقوانين عديدة ومختلفة، فليس من المستغرب عندئذٍ وجود عالم كعالمنا يملك مواده وقوانينه الطبيعية بالذات التي تسمح بوجود الحياة. لكن ديفيز يستبعد نجاح نظرية الأكوان الممكنة في تفسير لماذا عالمنا يصادق الحياة لأسباب عدة هي: أولاً، إنها نظرية غير علمية لصعوبة إن لم يكن لاستحالة اختبارها والتأكد من صدقها. ثانياً، هذه النظرية تزيد من عدد الموجودات بشكل كبير من خلال قولها بوجود أكوان ممكنة وهذا فقط من أجل تفسير لماذا عالمنا يحتوي على الحياة. وهذا عادة مرفوض في العلم. ثالثاً، مسألة لماذا يوجود الوجود ما تزال مشكلة بالنسبة الى نظرية الأكوان الممكنة لأنه لا بد من وجود آلية طبيعية كي تختار هذه المجموعة من الأكوان الممكنة دون مجموعة أخرى. وبذلك تبقي نظرية الأكوان الممكنة مسائل غير مفسرة كمسألة مصدر القوانين الطبيعية المسؤولة عن نشوء الأكوان الممكنة (PP.151 - 152. PP.172 -173. P.209. P.220. P.264).من جهة أخرى، يقدّم ديفيز تفسيره الخاص فيدعو الى اعتبار أن الحياة والعقل أساسيان في الكون؛ فلا بد من النظر إليهما على أنهما يشتركان في خلق الكون كما تؤكد ميكانيكا الكم. على أساس ميكانيكا الكم يستنتج ديفيز أن العقل والحياة أساسيان في وجود الكون بدلاً من أن يكونا نتيجتي الصدفة. من هنا يقول إن ثمة مبدأ طبيعياً شبيهاً بالقوانين الطبيعية يحتم وجود الحياة والعقل، ولذا يتيح العالم وجودهما ويخلقهما بالفعل. هكذا يفسر ديفيز لماذا الكون صديق الحياة أي لماذا توجد الحياة في عالمنا. فللكون هدف طبيعي هو جزء من مبادئه الطبيعية، وهذا الهدف هو هدف بناء الحياة. أما بالنسبة الى ميكانيكا الكمّ فمن غير المحدّد ما إذا كان الجسيم جسيماً أم موجة، ولذا يتصرف الجسيم على أنه جسيم وعلى أنه موجة في الوقت ذاته. لكن تضيف ميكانيكا الكمّ قائلة إن الوعي يُحدّد طبيعة الجسيم فإذا نظر الى الجسيم وأبصره حينها يدركه إما على أنه جسيم وإما على أنه موجة؛ فالوعي يُحدّد ما إذا كان الجسيم جسيماً أم موجة. من هنا بالنسبة الى ميكانيكا الكمّ يلعب الوعي، وما يتضمنه من عقل وحياة، دوراً أساسياً في صياغة الكون. لكن الكون يخلق الحياة والعقل، وقد رأينا أن الحياة والعقل يخلقان الكون أيضاً. من هنا الكون يخلق ويفسّر ذاته. ويعترف ديفيز أنه أقرب الى قبول هذا الموقف (PP. 223 - 249. PP. 266 - 267).أخيراً، تعاني نظريتا بيهي وديفيز من مشكلة أساسية هي أنهما غير علميتين. فمهما كانت بنية الحياة تفسّرها نظرية بيهي على أنها كذلك بسبب ما أراده التصميم العاقل الهادف، كما تفسّرها نظرية ديفيز على أنها كذلك بسبب أن هدف المبدأ الطبيعي الخالق للحياة هو أن يخلقها كذلك. بالنسبة إليهما، بنية الحياة هي هذه البنية من دون تلك البنية بسبب إرادة التصميم العاقل أو بسبب هدف المبدأ الطبيعي. وبذلك مهما كانت بنية الحياة يتم تفسيرها من خلال إرادة التصميم أو هدف المبدأ الطبيعي ما يعني أنه يستحيل اختبار نظريتيهما لأنهما لا يحدّدان ما يجب أن تكون عليه بنية الحياة. لكن النظرية العلمية هي التي من الممكن اختبارها. من هنا نظرية بيهي ونظرية ديفيز غير علميتين. ويبقى السؤال: ما هي النظرية العلمية القادرة على تفسير الحياة؟








الرابط : http://www.almustaqbal.com/stories.aspx?StoryID=272352

الاثنين، 26 يناير 2009

الحداثة والمستقبل: المشهد الأخير


حسن عجمي



السوبر حداثة تدرس الأكوان الممكنة. إذا نظرنا إلى الأكوان الممكنة مجتمعة، ولكونها تختلف عن بعضها البعض، فسوف تظهر حقائقها على أنها غير مُحدَّدة. لذا تستعين السوبر حداثة باللامحدَّد من أجل الوصول إلى المعرفة. بالنسبة إلى السوبر حداثة، بالرغم من أن الكون غير محدَّد فمن الممكن معرفته لأننا من خلال لامحددية الكون نتمكن من تفسيره. هكذا تختلف السوبر حداثة عن الحداثة وما بعد الحداثة. الحداثة تقول إن الكون مُحدَّد، لذا من الممكن معرفته. بينما ما بعد الحداثة تعتبر أن الكون غير مُحدَّد، لذا من غير الممكن معرفته. أما السوبر حداثة فتؤكد على أن الكون غير مُحدَّد، لكن رغم ذلك من الممكن معرفته، وبذلك تختلف السوبر حداثة عن الحداثة وعن ما بعد الحداثة.للسوبر حداثة تطبيقات عديدة، منها موقفها من النظريات العلمية. بالنسبة إلى السوبر حداثة، من غير المُحدَّد أي نظرية علمية هي النظرية الصادقة، ولذا من المتوقع وجود نظريات علمية مختلفة كلها ناجحة في تفسير الكون رغم أنها تعارض بعضها بعضاً. هكذا تُفسِّر السوبر حداثة لماذا توجد نظريات علمية متعارضة رغم أنها كلها ناجحة كنظريتي النسبية لأينشتاين ونظرية ميكانيكا الكمّ. فبالنسبة إلى النظرية النسبية الكون حتميّ، بينما بالنسبة إلى ميكانيكا الكمّ الكون غير حتمي. لكن بالرغم من تعارض النظريتين، هما نظريتان ناجحتان في تفسير الكون. وهذا بسبب أنه من غير المُحدَّد أي نظرية منهما هي النظرية الصادقة. هذا يعني بالنسبة إلى السوبر حداثة أنه في بعض الأكوان الممكنة الشبيهة بعالمنا نظرية النسبية هي الصادقة. أما في أكوان ممكنة أخرى شبيهة بعالمنا، فنظرية ميكانيكا الكمّ هي الصادقة. وبما أن الأكوان السابقة كلها شبيهة بعالمنا، إذاً من المتوقع نجاح كل من نظرية النسبية ونظرية ميكانيكا الكمّ في تفسير عالمنا. هكذا تُفسِّر السوبر حداثة نجاح النظريتين السابقتين رغم التناقض بينهما. وهكذا السوبر حداثة تدرس الأكوان الممكنة وتستخدمها في بناء تفاسيرها.أما السوبر مستقبلية فترى أن الماهيّات مُحدَّدة في المستقبل فقط، وبذلك الأشياء والظواهر غير مُحدَّدة في الحاضر والماضي. لكن السوبر حداثة تعتقد بلامحددية الكون وتدرسه على هذا الأساس. إذاً السوبر مستقبلية تؤدي إلى السوبر حداثة. هذه هي العلاقة بينهما. الآن، بما أنه بالنسبة إلى السوبر مستقبلية الماهيات مُحدَّدة في المستقبل فقط، إذاً تعتمد السوبر مستقبلية على مفهوم المستقبل من أجل تحليل المفاهيم. السوبر مستقبلية هي المذهب الفلسفي الذي يُحلِّل المفاهيم من خلال المستقبل، ومثل على ذلك هو الآتي: الحقيقة هي قرار علمي في المستقبل.لهذا التحليل فضائل عدة منها : أولاً، بما أن الحقيقة قرار علمي في المستقبل، وبما أننا كنا في الماضي وما زلنا في الحاضر، إذاً لا بدّ من البحث الدائم عن الحقيقة. هكذا السوبر مستقبلية تضمن استمرارية البحث العلمي بدلاً من أن توقفه، وهذه فضيلة لها. ثانياً، بما أن الحقيقة قرار علمي في المستقبل، والقرار مرتبط بنا نحن البشر، إذاً الحقيقة مرتبطة مفاهيمياً بنا، وبذلك من الممكن معرفة الحقيقة. هكذا تُعبِّر السوبر مستقبلية عن إمكانية المعرفة، وهذه فضيلة لها. ثالثاً، بما أن الحقيقة قرار علمي في المستقبل، والعلم يعبِّر عن الواقع، إذاً الحقيقة تطابق الواقع، وهذا هو المطلوب. بالنسبة إلى السوبر مستقبلية، التاريخ يبدأ من المستقبل. لكن المستقبل لم يتحقق كلياً في الحاضر والماضي، وبذلك اللامحدَّد يحكم العالَم كما تقول السوبر حداثة بالضبط.









الجمعة، 23 يناير 2009

من الديمقراطية والأخلاق إلى الدولة والفرد في "السوبر حداثة" لحسن عجمي



من الديمقراطية والأخلاق إلى الدولة والفرد في "السوبر حداثة" لحسن عجمي *


لا وجود لدولة عربية.... السوبر حداثة تخلق التعدد والمعايير.... الدولة القوية تصنع الآداب الراقية





كتاب "السوبر حداثة" كان بحق دليلا شاملا يتخذ من فرضية اللامحدود منهجا لإعادة النظر في مسائل الديمقراطية واللبرالية وإعادة توزيع الثروة فما بعد الليبرالية ومفهوما الحرية إذ يربط بين دخل الفرد والحفاظ على السلم والنظام والقوانين والحقوق اذيقول "بكلام آخر لابد من إعادة توزيع الثروة لكي نحافظ على حقوق الآخرين في حرية التصرف بما يملكون وفي حقهم بما يملكون. فلو تركنا المجتمعات عرضة للحروب والانهيارات نكون حينئذ قد اعتدينا على حقوق الآخرين في الحرية والملكية. فمع الحروب وانهيار الأنظمة بفقد المواطن حريته وحقه فيما يملك" (ص156).
في هذا الفصل يتطرق حسن عجمي إلى ما يسمى بـ "ما بعد الليبرالية" والحرية في مفهوميها السلبي والإيجابي والحرية المتعالية المتمثلة في حرية الفرد في تحقيق إنسانيته. أما تحقيق الإنسانية فيكمن في أفعال مختلفة كمساعدة الآخرين على تحقيق أهدافهم أو في إغاثة المحتاجين. كما تتمثل الإنسانية في المشاركة بكتابة الآداب المختلفة" (ص158).
التعددية بين الحفاظ والخلق
إن كان معيار الديمقراطية التعدد فإن معيار التعدد نفسه يحتاج عند حسن عجمي إلى ديمقراطية تحميه وهي "ديمقراطية ما بعد الحداثة وديمقراطية أخرى تخلقه وهي ديمقراطية السوبر حداثة" يقول حسن عجمي "إذا كانت ديمقراطية ما بعد الحداثة تتضمن الحفاظ على التعددية في المجتمع فإن ديمقراطية السوبر حداثة تهدف إلى خلق التعددية" (ص162)خلق التعددية يحول المجتمع اللاتعددي إلى تعددي "كأن يحول المجتمع المسيحي أو المسلم إلى خليط من جماعات من الطوائف والأديان والأعراق والألوان كافة فبهذا الخليط فقط من الممكن أن يتطور المجتمع وتتطور العلوم" (ص162)وينسحب هذا المبدأ على خلق المعايير"إذا كانت ديمقراطية ما بعد الحداثة ترفض وجود معيار(معرفي أو سلوكي) واحد صادق فإن ديمقراطية "السوبر الحداثة" تخلق معايير مختلفة ومتعددة. تكمن ديمقراطية "السوبر حداثة" في خلقها التنوع والتعدد والمعايير المختلفة للسلوك والتفكير كما تكمن في خلق هويات مختلفة وتحويل هوية الفرد إلى هويات كي ينتهي في اكتسابه الهوية الإنسانية لاغير" (ص162).
المثقف والسوبر حداثة
قد يتوهم القارئ أن حسن عجمي يسهب في التذكير بآراء غيره من عيون الفكر العربي المعاصر أمثال إدوارد سعيد الذي يعرف المثقف تعريفا لا يختلف فيه كثيرا عن تعريفات فكر الاختلاف الذي صار مشاعا لا خاصا بإدوارد سعيد كان يقول تبعا لما صدر به فصله هذا "لكن بالنسبة إلى إدوارد سعيد لا توجد قوانين على أساسها يجب أن يتصرف المثقف أو يتكلم. بل لابد أن يكون المثقف علمانيا بحيث لا يؤمن بأي معبود قد يرشده. وبذلك عليه أن يتخلص من ضغوطات السلطة بأشكالها كافة لكي يصل إلى استقلاله النسبي.... من هذا المنطلق المثقف مغترب وهامشي وهاو ومبدع للغة جديدة يسعى بها كي يقول الحقيقة في وجه السلطة" (ص164).
فهذه الأفكار وإن لم تكن طريفة أو حبسا على إدوارد سعيد دون غيره فإن حسن عجمي حرص على أن يجعل منها موضوع مساجلة بين إدوارد سعيد وعزمي بشارة فالأول يحظى عنده بالتأييد لأنه لم يسقط في الدور في حين يسقط الثاني في الدور رغم وجود نقاط تشابه بينهما فيقول "بينما تعريف عزمي بشارة للمثقف يعاني من الدور. رغم أن تحليليهما متشابهان يقع تحليل بشارة في الدور حين يقول: المثقف... ليس هو كل خاضع لثقافة سائدة سياسية أو دينية بل هو المتعامل بشكل فاعل مع الثقافة السائدة هضما معرفيا وإنتاجا ونقدا.... لكن مفهوم المثقف مشتق من مفهوم الثقافة فهما مفهومان مترادفان وبذلك تعريف المثقف من خلال الثقافة لا يوصلنا إلى فهم معنى المثقف ومدلوله" (ص167 ) .
إن ما يراه البعض من القراء إسهابا لا فضل لحسن عجمي سوى النقل أراه ضروريا لتبسيط آراء الغير ليتسنى نقدها والحجاج لها أو عليها إذ لابد من الاستيعاب والهضم لذلك كان حسن عجمي قادرا على الإستدراك بما يسمح له التعبير عن موقفه الرافض لإدوارد سعيد في حدود إذ يقول "لكن إذا كان إدوارد سعيد يقصد أن المثقف هو الذي لا يؤمن بمصداقية معيار معين من دون معيار آخر وهو الشاك بالدرجة الأولى... فـ "هيوم" هو المثقف أما هيغل واينشتاين فغير مثقفين علما بأنهما لا يتبعان المذهب الشكي بينما هيوم يعتبر مؤسسا له. وهذا طبعا نتيجة غير مقبولة" (ص168).
يرد حسن عجمي على إدوارد سعيد من منطلق مقاربة المثقف بالمواطن الحر في تحديد أهدافه واتباع طريقه الخاص والمبدع لفكر جديد وقيم ومعايير جديدة فيجعل إدوارد سعيد فقط المبدعين الكبار حقا مثقفين كنيوتن وكانط وهيغل.والخلاصة عند حسن عجمي ولا أظنها إلا وقتية "بما أننا لا ننجح في تعريف المثقف وبذلك نفشل في تمييزه عن غير المثقف إذا لا توجد حجة على أنه موجود."(ص168).وبهذا يتسنى لحسن عجمي في شبه تقرير التمييز بين مفاهيم المثقف بدءًا من الحداثة وصولا إلى السوبر حداثة مرورا بـ "ما بعد الحداثة" إذ يقول "ختاما بالنسبة إلى الحداثة المثقف هو مالك المعيار الصحيح للحكم على المعتقدات وصاحب الحقيقة والمعرفة لأنه يوجد معيار صحيح وتوجد الحقيقة والمعرفة. أما بالنسبة إلى ما بعد الحداثة فالمثقف هو الناقد والرافض لمعيار صحيح ولحقيقة ومعرفة واحدة لأن المعيار متكثّر والحقيقة والمعرفة نسبية. أما السوبر حداثة فتقول أن المثقف غير موجود هذا لأن مفاهيم المعيار والحقيقة والمعرفة لابد أن تستبدل بمفهوم الممكنات. فالسوبر حداثة تدرس ما هو ممكن وليس ما هو صادق وما نعرفة بالنسبة إلى معيار معين أو آخر . بدلا من تقول السوبر حداثة أنا أعرف أو أنها الحقيقة بأن كذا تقول من الممكن أن كذا"(ص169 ).
الأخلاق والثورة
في هذا المقال إن ركز حسن عجمي على مسألة الأخلاق من منطلق النظرية الحقوقية واختتم بالنظام الأفضل هو الذي يجمع بين النظامين السابقين (أي النظام الليبيرالي والنظام الاشتراكي) أي هو النظام التوازني (ص175) فإن خلو المقال من الحديث عن الثورة وعلاقتها هنا بالأخلاق لم أتبينه فظلت وظيفة "واو العطف" ضبابية.
مقام الدولة مقام لفرد
كتاب السوبر حداثة يؤلف بطريقة ذكية بين فصول قد تنشر لأول مرة في كتاب السوبر حداثة أو في كتاب آخر وفصول أخرى نشرت في مجلات وصحف مثل السفير وكتابات معاصرة والنهار وفكر.
في مقام الفرد والدولة يتناول حسن عجمي مسائل تهم العملة والدولة، والدولة والمجتمع، والمجتمع والفرد.. يستخلص في ما يخص العملة والدولة قائلا "هذا يعني أن "الدول" تنشأ من خلال قرارات سياسية - اقتصادية من قبل مجموعات بشرية هي إما مجتمعات وإما دول أخرى وإما منظمات اقتصادية. أما نشوء أول دولة في التاريخ فسببه المنظمات الاقتصادية أو العامل الاقتصادي المتمثل في حاجة بناء العملة.. على أساس هذه الفرضية نستطيع أن نفسر نشوء عملة جديدة كاليورو في أوروبا وأن نتنبأ بأن أوروبا ستصبح دولة واحدة." (ص178).
أما عن الدولة والمجتمع فيربط حسن عجمي انطلاقا من منطق هيغل وتود بين نظام الحكم والعلاقات والأسرية ، ولذلك كان نشوء النظام الديمقراطي في إنكلترا بسبب علاقة الأهل بأبنائهم المتسمة بالحرية فيقول "مثال ذلك أن علاقة الأهل بأبنائهم في الأسرة الإنكليزية هي علاقة تتسم بالحرية مما أدى إلى نشوء النظام الديمقراطي الليبرالي في إنكلترا (والمرجع ايمانويل تود ما بعد الإمبراطورية 2003 دار الساقي ص72-73 ).
لكن عجمي يقلب السؤال ويقول لمَ يكون العكس قائلا "أي لماذا ليست الدولة هي التي تشكل المجتمع والعائلة على شاكلتها" (ص178 وينتهي إلى القول "لا يوجد دليل لتفضيل أن الأسرة تشكل الدولة بدلا من العكس" (ص179).
وللتدليل على أن الدولة صانعة المجتمع يحيل إلى سقوط الدولة العراقية ثم يشير إلى الولايات المتحدة الأميريكية التي تتكون من جماعات مختلفة ومتناقضة لكنها تشكل مجتمعا واحدا هو المجتمع الاميريكي." هذا لأنه توجد دولة أمريكية والدولة صانعة المجتمع" (ص179) . وهكذا تصير الدولة "هي الآلية التي تصنع المجتمع.... " ص(179).
وعلى هذا الأساس يعزى تأخر العرب وتخلفهم إلى عدم وجود دولة حسب ما يستنتج حسن عجمي معللا: "غياب الدولة هو سبب غياب الاقتصاديات الحديثة وغياب الطبقة الوسطى والديمقراطية فالدولة وحدها هي القادرة على خلق خطط مدروسة وموارد بشرية ومادية ضخمة" (ص179).
فالدولة تقدم الرواتب الكافية لموظفيها لتشكل الطبقة الوسطى كما تؤدي الدولة إلى نشوء النهضة الأدبية والفنية والفلسفية والعلمية وهذا يقول حسن عجمي: "فحيثما نحد دولا قوية نجد نهضة آداب وعلوم كما في أمريكا الشمالية وأوروبا وحيثما نجد دولا ضعيفة نجد انحطاط الآداب والعلوم كما في دول أفريقيا ، هذا لأن الدولة توجه طلابها وتزودهم بالقدرات المالية والمعنوية والعمل بشكل مباشر أو غير مباشر كأن تقدم المال الوفير إلى الجامعات وبعض المؤسسات"(ص180).
ويختم حسن عجمي فصله هذا بالحديث عن المجتمع والفرد فيسأل "ما هو المجتمع فيجيب بأن المجتمع هو الذي يصنع الإنسان الفرد... كما يسأل بعد أن يصحح بأن الحيوانات قد تتفاعل وتتصارع فتتكافل كالإنسان لكنها لا تكون مجتمعات فيقول: "لكن إذا عرفنا المجتمع من خلال مفهوم الإنسان نتجنب اعتبار أن الحيوانات والحشرات تشكل مجتمعات. من جهة أخرى من هو الإنسان؟ من الممكن القول الإنسان هو مالك الوعي والهوية والشخصية والحرية" (ص180).
أهمية هذا الفصل أنه يضع مفهوم الدولة عند العرب محل شك كما يشرع لسؤال آخر هل للعرب مدينة بمفهومها العصري الحديث علما وأن حسن عجمي يجرؤ على الإفادة من راهنية الأحداث أو ما تسنح به آخر المستجدات العالمية من قراءات ممكنة تستفيد من الماضي والحاضر لتستشرف المستقبل حسب المتاح من الأفكار وذاك ما يفتقر إليه الفكر المعاصر الذي كثيرا ما يظل مكتوفا أمام الأحداث طواعية أم قسرا ولا يكتفي إلا بكتابات الهزيمة وما تضمره من أوجاع الغلبة في الداخل والخارج ولا تثأر لنفسها إلا في وقت متأخر من جثث "الظالمين" الذين يصيرون شياها لايهم سلخها بعد ذبحها وذاك ما يحول الكتابة رواية بمفهوم التسلية والتعزية أو الوقوف على الأطلال فيساعدون صقور المدن ويشرعون لهم حق احتلال قراهم.

* حسن عجمي، السوبر حداثة "علم الأفكار الممكنة" بيسان للنشر والتوزيع والإعلام بيروت 2005م


محمّد خريّف: كاتب وناقد تونسي


هل الكون والعقل مجرد كومبيوتر؟

حسن عجمي

الصراع لا ينتهي بين الفلسفة المادية التي تعتبر ان الكون والعقل مجرد كومبيوتر والفلسفة اللامادية التي تقول ان الكون والعقل مختلفان عن أي آلة. نرصد هذا الموقف المادي المتمثل بنظريتي عالم الهندسة الكومبيوترية الكمية سيث لويد، والسيكولوجي دانيال دينت، والموقف المنافس لهما المتمثل بعالم الرياضيات روجر بنروز والفيلسوف روبرتو انغر. أما غياب الحكم النهائي بين المواقف المتضاربة فيدفعنا نحو القول بلا محدّدية الكون والعقل.يقدم عالم الهندسة الكمية سميث لويد تصوراً فريداً عن الكون فيعتبر ان الكون كله مجرد كومبيوتر يقوم بحسابات رياضية. بالنسبة اليه، كل نظام فيزيائي عبارة عن عملية حساب للمعلومات. فأي نظام فيزيائي يحتوي على معلومات ويتكوّن منها ومن عملية حسابها. أما تغير اي نظام فيزيائي فهو مجرد تحوّل في عملية حساب المعلومات. من هنا من الممكن تصور الأنظمة الفيزيائية كافة على انها حسابية كالكومبيوتر تماما، ولذا يصف لويد الكون على انه كومبيوتر ويفسره على ضوء انه يتشكل من حسابات للمعلومات كالتي يتضمنها الكومبيوتر ويتشكل منها. بالنسبة الى لويد، كل الأشياء ومن بينها الذرات والجسيمات تحتوي على معلومات، وأي تفاعل بينها ليس سوى عملية تحويل للمعلومات. فالكون كومبيوتر كمي quantum computer. لكن ماذا يحسب الكون؟ يجيب ان الكون يحسب ذاته اي تصرفه بالذات Programming the Universe 2007. Seth Lloyd. Vintage Books).يشرح لنا لويد اختلاف الكومبيوتر الكمي عن كومبيوتراتنا العادية. فالكومبيوتر الكمي يبنى على ضوء ميكانيكا الكم، وبذلك يتخذ صفات النظام الكمي. بالنسبة الى ميكانيكا الكم، الموجات تتصرف كالجسيمات، والجسيمات تتصرف كالموجات، والشيء نفسه قد يوجد في مكانين مختلفين في الوقت ذاته. على هذا الأساس، الكومبيوتر الكمي ينجح في القيام بملايين من الحسابات معاً. ففي هذا الكومبيوتر كل ذرة والكترون وفوتون يشارك في تسجيل المعلومات وحسابها. من هنا يكتسب الكومبيوتر الكمي قدرة هائلة على القيام بحساباته بدقة وسرعة لا نعهدها في كومبيوتراتنا التقليدية رغم اننا اليوم لم نتمكن من بناء هذا الكومبيوتر الكمي المتطور الى هذا الحد. وبما ان الكون بكل اجزائه وطاقاته ومواده يمتلك تلك القدرة الهائلة (على تحقيق حساباته) التي يمتلكها الكومبيوتر الكمي المتطور، اذن يستنتج لويد انه لا يوجد فرق بين الكومبيوتر الكمي والكون. وبذلك الكون ليس سوى كومبيوتر كمي (المرجع السابق).لكن مما يتكون هذا الكومبيوتر الكوني؟ يجيب لويد بأن قوانين ميكانيكا الكم تشكل الكومبيوتر الكوني، والتقلبات الكمية هي التي تجعله يعمل. بالنسبة الى ميكانيكا الكم، مبدأ اللايقين يحكم عالم ما دون الذرة؛ فمن غير المحدد مكان الجسيم وسرعته في آن معاً. فالكون عرضة لتقلبات كمية تجعله غير محدد في ماهيته وصفاته. وهذه التقلبات الكمية تزود الكون بمعلومات جديدة باستمرار وكأنها الأفراد والعلماء الذين يتحكمون بعمل الكومبيوتر. من هذا المنطلق، يفسر لويد التعقيد في الكون على النحو التالي: في النظام الكومبيوتري ثمة برامج بسيطة مع معلومات كثيرة تؤدي الى نشوء نتائج معقدة. وبما ان الكون كومبيوتر كمي حيث برامجه هي قوانين ميكانيكا الكم ومعلوماته متدفقة من التقلبات الكمية، اذن من الطبيعي ان ينتج الكون بوصفه كومبيوترا كميا التعقيدات الموجودة فيه. هكذا يفسر لويد وجود التعقيد الكوني على ضوء نموذجه العلمي القائل بأن الكون مجرد كومبيوتر. وبذلك يكتب نموذجه قدرته التفسيرية. وهذا ما يطلبه اي نموذج علمي. من هنا تملك النظرية القائلة بأن الكون كومبيوتر فضائل معرفية منها تفسير نشوء التعقيدات في الكون (المرجع السابق).من جهة أخرى، كما من الممكن دراسة الكون على انه كومبيوتر من الممكن دراسة العقل على انه كذلك ايضا. من هنا يدعونا الفلاسفة الي تصور عالمة تدعى ماري. يضيفون قائلين: تخيلوا معنا ان ماري عاشت معظم عمرها في مختبر علمي حيث كل شيء من حولها اسود وأبيض فقط فلم تتعرض الى اي لون ولم تر لوناً. رغم ذلك ماري عالمة فيزيائية بعلم الألوان؛ فهي قد درست مما تتكون الألوان وكيف تتكون. لكن تنتهي قصة ماري في انها تخرج اخيرا من مختبرها لتواجه العالم الواقعي بكل الوانه، فترى الألوان المختلفة التي نراها. هنا يبدأ الصراع بين الفلاسفة. فأصحاب المذهب المادي او الوظائفي يقولون ان ماري هذه لن تندهش برؤية الألوان ولن تكتسب تجارب جديدة تعلمها ما هي الألوان وكيف من الممكن الاحساس او الشعور بها. أما الفلاسفة الذين يرفضون اختزال العقل الى مجموعة حالات دماغية أو مجموعة وظائف وميول سلوكية فيقولون ان ماري هذه سوف تندهش برؤية الألوان وستكتسب تجارب جديدة تعلمها المزيد عن الألوان وكيف نحس او نشعر بها (Daniel Dennett: Consciousness Explained.1991. Penguin Books).مثل ذلك ان الفيلسوف والسيكولوجي دانيال دينت يعتبر ان ماري لن تكتسب معرفة اضافية عندما ترى الألوان لانها تعرف كل ما يجب معرفته عن فيزياء وكيمياء الألوان. وبذلك يعبر دينت عن مذهبه المادي الوظائفي في العقل. بالنسبة اليه، بما ان العقل مجرد دماغ ووظائف وميول سلوكية، اذن بمجرد ان تملك ماري المعرفة العلمية بالألوان فهي حينها تعلم ايضا كيفية الشعور والاحساس بالألوان. من هنا يؤكد دينت ان ماري لا تكتسب معرفة اضافية بعد خروجها من مختبرها الخالي من الألوان، بل لقد تمكنت من استنتاج كيف نشعر نحن بالألوان ونحس بها من خلال معارفها العلمية بعلم الألوان. ويتهم دينت المعارضين بأنهم يقعون في المصادرة على المطلوب حين يقولون ان ماري ستكتسب معرفة اضافية بعد خروجها من مختبرها. فبما انه قدم برهاناً على ان ماري لا تكتسب معرفة جديدة بسبب علمها الحق بالألوان، اذن الاصرار على ان ماري ستكتسب معرفة اضافية برؤيتها الألوان هو مجرد مصادرة على المطلوب لان المطلوب هو البرهنة على انها ستكتسب معرفة جديدة بينما المعارضون يسلمون بذلك بدلاً من ان يبرهنوا عليه (المرجع السابق). هنا يظهر العقل على أنه مجرد كمبيوتر يقوم بحساب المعلومات؛ فعلى ضوء قوانين ومعلومات معينة لديه تنشأ بشكل آلي كل وظائف العقل وصفاته من أحاسيس ومشاعر. فاذا كان العقل مجموعة وظائف، وبما أن الكومبيوتر مجرد وظائفه، اذن العقل ليس سوى كمبيوتر. هذه هي النتيجة الأساسية للمذهب المادي الوظائفي في العقل.لقد رأينا نجاح تفسير الكون والعقل على انهما مجرد كمبيوتر؛ فهما كمبيوتر لأنهما يتشكلان من عمليات حسابية. لكن عالم الرياضيات روجر بنروز يقدم حجة قوية ضد هذا الموقف. يعتمد بنروز في حجته على نظرية عالم المنطق كارت غودل Kurt Godel التي تقول إن اي نظرية رياضية تحتوي على عبارات من غير الممكن البرهنة على صدقها رغم انها صادقة. وبذلك تلك العبارات الرياضية غير حسابية، أي من غير الممكن أن تكون جزءاً من عملية حسابية. من هنا يستنتج بنروز ان الادراك الرياضي ليس آلياً ولا حسابياً، ولذلك من الخطأ تصور العقل على انه مجرد كمبيوتر يُجري عمليات حسابية Roger Penrose: The Emperor's New Mind, 1999,Oxford)(.University Press من المنطلق ذاته، من الخطأ اعتبار الكون مجرد كمبيوتر او مجموعات من عمليات حسابية آلية لأنه ثمة عبارات صادقة تشير إلى حقائق رياضية من غير الممكن ان تكون جزءاً من عمليات حسابية كمبيوترية.اما الفيلسوف روبرتو أنغر فيعتبر انه من الخطأ تحليل العقل على انه كمبيوتر لأسباب عدة هي: أولاً، التفكير لا يعمل فقط على أساس التسليم بمسلمات او معلومات معينة والقيام بالاستنتاج منها كما يفعل الكومبيوتر، بل العقل حر في الانتقال من مسلمات إلى أخرى ومن استنتاجات إلى أخرى. ثانياً، التفكير لا يعتمد على القواعد المتشابهة لتحديد المعاني المتشابهة، بل يستخدم القواعد اللغوية نفسها ليُظهر معاني مختلفة ويظهر معاني متشابهة من خلال قواعد لغوية مختلفة على نقيض مما يفعل الكمبيوتر. ثالثاً، العقل ليس قياسياً. لا يُحصر عمل العقل في جزء من الدماغ دون جزء آخر منه، وعمل العقل غير مُغلق في سجون مجموعة معينة من القوانين او مبادىء التفكير. فمثلاً، يستنتج العقل نتائج جديدة تعارض نتائجه القديمة، ولذا العقل غير قياسي على نقيض الكمبيوتر. بالنسبة إلى أنغر، يفكر العقل ويكتشف ما قد لا نستطيع البرهنة عليه وما قد لا نفهمه أصلاً. وهذا ما لا يفعله الكمبيوتر. لذا العقل مختلف عن الكمبيوتر. باختصار، العقل يفاجئنا ويدهشنا بأفكاره ونتائجه، وهذا ما يفتقر اليه الكمبيوتر لأنه محكوم بمبادىء وقوانين:Roberto Unger: The Self Awakened: Pragmatism)(Unbound. 2007. Havard University Press . وقد يصدق هذا الموقف على الكون ككل لأن الكون ايضاً يدهشنا بما يملك ويُنتج.الآن، يبدو أن لدينا أدلة قوية على أن الكون والعقل مجرد كمبيوتر، كما لدينا أدلة قوية على أن الكون والعقل ليسا مجرد كمبيوتر. من هنا، من غير المحدد ما إذا كان الكون والعقل مجرد كمبيوتر أم لا. هذا هو موقف السوبر حداثة التي بالنسبة إليها اللامحدد يحكم العالم. تعتبر السوبر حداثة أنه من غير المحدد ما هو الكون وما هو العقل، ولذا تنجح النظريات المختلفة في وصف الكون والعقل وتفسيرهما رغم التعارض بينهما. فمثلاً، بما أنه من غير المحدد ما اذا كان الكون والعقل مجرد كمبيوتر، أم لا، اذن من الطبيعي أن ينجح إلى حد ما تفسيرنا لهما على أنهما كمبيوتر كما أوضح لويد ودينت، وأن يفشل الى حد ما هذا التفسير ذاته كما أوضح بنروز وأنغر وتنجح نظرات أخرى في الكون والعقل.هكذا تتمكن السوبر حداثة من تفسير نجاح المواقف والنظريات المتعارضة في وصف الكون والعقل، وبذلك تكتسب السوبر حداثة قدرتها التفسيرية فمقبوليتها.



الاثنين، 19 يناير 2009

هل يعيش العرب والمسلمون عصر «السوبر تخلف»؟



صدر حديثا عن الدار العربية للعلوم كتاب "السوبر مثالية"، للكاتب والمفكر اللبناني حسن عجمي في ضوء مدخل جديد هو «السوبر» انتج داخله كتب: السوبر حداثة، والسوبر مستقبلية والسوبر أصولية، والسوبر معلوماتية، والسوبر تخلف.يعالج عجمي هذه الأفكار والعناوين، بواسطة أدوات معرفية عابرة للانواع الفكرية والثقافية والمعرفية، تتقاطع في المشهد الكلي للرؤيا والتحليل. ويوظف هذه المعالجة منهجيا في قراءة خرائط الوعي والثقافة العربية والاسلامية والانسانية يقول حسن عجمى حول مفهوم «السوبر»:
- استخدم مفهوم «السوبر» كي اميز هذا المشروع عن المشاريع الاخرى. فالسوبر اصولية تختلف عن الاصولية. والسوبر حداثة تختلف عن الحداثة وما بعد الحداثة، والسوبر مستقبلية تختلف عن المستقبلية. السوبر حداثة تدرس الاكوان الممكنة. واذا نظرنا الى الاكوان الممكنة مجتمعة ولكونها مختلفة عن بعضها ستغدو حقائقها غير محددة. لذا تعتمد السوبر حداثة على اللا محدد من اجل الوصول الى المعرفة. فبينما الحداثة تقول ان الكون محدد ولذا من الممكن معرفته، تعتبر ما بعد الحداثة ان الكون غير محدد ولذا من غير الممكن معرفته. اما السوبر حداثة فتؤكد على انه على الرغم من لا محددية الكون من الممكن معرفته لأن من خلال لا محدديته نتمكن من تفسيره. هكذا تختلف السوبر حداثة عن الحداثة وما بعد الحداثة. اما السوبر مستقبلية فتعتبر ان الماهيات محددة في المستقبل فقط، ولذا تقدم التفاسير وتحلل المفاهيم من خلال المستقبل. هذا يعني ان السوبر مستقبلية تدرس الحاضر والماضي من خلال المستقبل على عكس ما تقوم به المستقبلية التي تحاول التنبؤ بالمستقبل من خ
لال ما يجري في الحاضر وما جرى في الماضي. بالنسبة الى السوبر مستقبلية التاريخ يبدأ من المستقبل.

فى ضوء هذه الرؤية يعتبر الكاتب حسن عجمي في كتابه «السوبر تخلف» ، ان العرب والمسلمين يحيون اليوم العصر السوبر متخلف، في ضوء رؤيته أن الشعب المتخلف هو الذي لا ينتج ما يفيد البشرية والعالم، أما السوبر متخلف، فهو الذي يطور التخلف، ويرى أن هذا السوبر تخلف يتمظهر في استخدام العلم من أجل التجهيل، والوجود خارج المعنى، مما يجب معه «إعادة حرق التراث» وصياغته من جديد، فلا نحن أحياء لكي نموت، ولا نحن أموات لكي نبعث..ويقدم عجمي في كتابه قاموسا جديدا يعيد على ضوئه تعريف مفاهيم العلم والعنف والصراع والمجتمع والإرهاب والعدالة والفقر والإنسان والعقل .. الخ.ويخصص قسما من كتابه لمناقشة التناقضات وغياب المعنى في الإنتاج الفكري العربي، وهو يرى ان التاريخ يبدأ من المستقبل لأن ماهيات الكون محددة فقط في المستقبل، ولذا هي غير محددة في الحاضر والماضي. وهذا يفسر مثلا لماذا تتغير الاشياء والظواهر؟ فلو ان الماهيات محددة ما كانت لتتغير الاشياء والظواهر. لا بد ان ننظر الى القدرة التفسيرية السوبر مستقبلية. فقدرتها التفسيرية تدعونا الى قبولها. وللسوبر مستقبلية قدرة تحليلية ايضا. فمثلا تحلل الحقيقة من خلال المستقبل، وهذا مثل على كيف نتمكن من دراسة الحاضر والماضي من خلال المستقبل؟ بالنسبة الى السوبر مستقبلية، الحقيقة قرار علمي في المستقبل. وبما ان المستقبل ما زال مستقبلا ولم يتحقق كليا في الحاضر والماضي، اذن لا بد من الاستمرار في البحث عن الحقيقة. هكذا تغدو الحقائق غير مطلقة وضمن استمرار البحث العلمي عنها. المستقبل يأتي اولا لأن من خلاله نتمكن من دراسة الكون وما فيه.


يقول الكاتب في مقدمته للكتاب: تعتمد السوبر مثالية على فكرة انه توجد علاقات رياضية تحكم المفاهيم والأشياء بالاضافة الى وجود العلاقات السببية والشرطية والمفاهيمية والمنطقية الخ. وتضيف السوبر مثالية ان العلاقات الرياضية هي الأساس التي على ضوئها تشكل العلاقات الأخرى. من هنا تعبر السوبر مثالية عن العلاقة الرياضية بين العقل والكون بدلا من ان تحلل العقل والكون وتختزلهما وبدلا من ان تجعل واحدا منهما معتمدا على الآخر. فمن خلال معرفة العلاقة الرياضية بين العقل والكون نتمكن من فهمها أكثر. الطريق الى السوبر مثالية يبدأ من محاولة معرفة ما هي وينتهي في إعادة المحاولة مرة بعد مرة. صفة البحث الموضوعي انه عملية تصحيح مستمرة.

المثالية تعتبر أن العقل وحده يحدد الواقع والكون. لكن السوبر مثالية تقول ان العقل يحدد الوقائع الممكنة والاكوان الممكنة. المثالية تعتبر ان الكون يعتمد في وجوده وتشكله على العقل فقط. لكن السوبر مثالية تقول ان الاكوان الممكنة تعتمد في وجودها وتشكلها على العقل. وبما ان هذا العقل هو العقل الانساني، اذن نصل الى السوبر انسانوية. الانسانوية تعتبر ان الانسان معيار الحقيقة والحق. لكن السوبر انسانوية تؤكد على أن الانسان معيا
ر الحقائق الممكنة والحقوق الاخلاقية الممكنة. وبذلك تقبل بنسبية المعارف المتعلقة بالأكوان الممكنة، فمعارفنا نسبية بالنسبة الى الأكوان الممكنة المختلفة، مما يبقي على المعرفة الواقعية أي التي تطابق الواقع.

السوبر مثال
ية تقول ان كل ما يفكر فيه الانسان (شرط ان يكون منسجما) هو صادق لأنه صادق في عالم ممكن أو آخر. بالنسبة الى السوبر مثالية، اذا فكر الانسان بشيء اذن ذاك الشيء صادق في كون ممكن، وبذلك الأكوان الممكنة يشكلها الانسان. وهذا موقف سوبر انسانوي حيث يغدو الانسان محور الممكنات والعوالم الممكنة الموجودة فعلا. بينما تعتبر المثالية ان الفكرة تخلق صدقها الواقعي، تقول السوبر مثالية ان الفكرة تخلق صدقها الممكن. فكل ما يفكر فيه العقل من دون خرق المنطق كعدم الوقوع في التناقض، يوجد ما يطابقه في عالم ممكن. وبذلك العقل هو الحقل الجامع لكل الأكوان الممكنة، فلا يفشل العقل ولا يفسد. لكن الأكوان الممكنة موجودة كعالمنا الواقعي بالذات. من هنا العقل هو حقل كل موجود. والفرق الأساسي بين المثالية والسوبر مثالية هو انه بالنسبة الى المثالية العقل يخلق الموجود، لكن بالنسبة الى السوبر مثالية اذا فكّر العقل، وجد الموجود والعكس لارتباط العقل والوجود رياضيا.

وفي معالجته لـ «السوبر مثالية» بوصفها ما بعد السوبر حداثة، يضرب حسن عجمي عميقا في مجاهيل الفكر والفلسفة، ناظما علاماتها ورمزياتها وقاموسها في سلك الفكرة باحثا عن تجليات العلاقة بين أقاليم الفكر والمعرفة المختلفة ليصوغ منها عجينة فكرية مختلفة هي حاصل تحليل علاقات العقل واللغة والكون، والماهية والهوية والحقيقة السوبر مثالية، والانسان والواقع، والعقل والمعرفة والوعي السوبر مثالية، وعلاقات الدين والفلسفة والعلم، والفن والرؤية والفكر، والعلوم والفيزياء، والخطاب والأكوان والممكنات والمستحيلات السوبر مثالية. ومفا
هيم اللامحدود واللغة والحقيقة والسيكولوجيا والبيولوجيا والمعلومات وأقاليم الشك والمعرفة والعقل والكون والحياة والعقل والادراك والواقع والله والانسان، والهوية والعقل والواقع، والانسان، وقوانين العقل، والجسد، والواقع والعقل والحواس، والرياضيات والفوضى.

ويمضي قدما في تحليل اليقين والقيمة والعلم والكون والانسان السوبر مثالي ليختتم الكتاب بالسوبر مثالية كآلية فكرية وما بعد السوبر حداثة، منظومة في معادلة ترى ان السوبر مثالية تدرس كيف ان العقل يحدد الأكوان الممكنة.

وبذلك تعتمد السوبر مثالية على مفهوم المحدد من أجل صياغة النماذج التي على أساسها تتشكل الاكوان الممكنة. على هذا الأساس بالنسبة الى السوبر مثالية، معارفنا تتعلق بالعوالم الممكنة وليس بالضرورة بعالمنا الواقعي. بمعنى آخر من الممكن لنا ان نعرف الأكوان الممكنة وليس بالضرورة ان نعرف عالمنا الواقعي. هكذا بالنسبة الى السوبر مثالية رغم مُحدَّدية الواقع الممكن من غير الضروري الوصول الى معرفته، بذلك تجمع السوبر مثالية بين المحدد وامكانية عدم المعرفة مما يجعلها مختلفة ولذا ممن الممكن معرفته بينما تعتبر ما بعد الحداثة ان الكون غير محدد ولذا من غير الممكن معرفته. لكن السوبر مثالية تؤكد على انه بالرغم من مُحدَّدية الكون الممكن ليس بالضرورة ان توجد امكانية معرفته. هكذا تختلف السوبر مثالية عن الحداثة وما بعد الحداثة.
محمد الربيع
جريدة الوطن القطرية



الجمعة، 16 يناير 2009

نظم "التوقيف" إلى نفع "الإفادة" في "السوبر مستقبليّة" لحسن عجمي




"التوقيف" مصطلح تقليدي و"الإفادة" مصطلح حديث، الأوّل قرين الدّراسات اللغوية التوقيفيّة، والثاني قرين الدّراسات الصّوتية، وهما في كل الحالات ينتميان إلى ميدان "براغماتية اللغة" الذي يعرّف به حسن عجمي قائلاً "ميدان براغماتية اللغة هو دراسة المبادىء التي على أساسها نتكلم ونتحاور". و"التوقيف اللغوي" إن كان يستجيب لمبدأ "المصادرة"،.. مصادرة نظم الكلام، استجابة لما يقتضيه مبدأ "الحقيقة" أو "الصدق" فإنّ "الإفادة اللغويّة" أو "الوجاهة اللغويّة" La pertinence Linguistique تقتضي اتباع بعض الفرضيات المفيدة عمليّاً، بدلاً من الاستجابة القسرية للمصادرات التوقيفيّة المؤسّسة على مبدأ الفرضيات الصّادقة. وانطلاقاً من هذه التفرقة المعرفيّة النوعيّة التي يجسّدها حسن عجمي بقوله "هنا لا تراعي مبدأ قول ما هو حقيقيّ أو صادق بل تراعي بدلاً من ذلك قول ما هو مفيد» (ص 203)**.
هذه التخريجة الطريفة، أو النتيجة الافتراضيّة، تجعل من الممكن الحديث عن اختلاف المبادىء المتبعة في الحديث من طرف إلى آخر، وبذلك تكون تلك المبادىء غير محدّدة، فيتسنى للباحث الافتراضي التحرّر أو الانفلات من إجحافات "المذهب التوقيفي" وإكراهاته المادّية والنفسيّة، ويتسنى للنظريّة "السّوبر مستقبلية" تبعاً لذلك أن تقول: "مبادىء الحديث أو الخطاب تتحدّد في المستقبل، وبذلك هي غير محدّدة في الحاضر والماضي. من هنا نجدها تختلف من ظرف إلى آخر، ولا نتمكن من تحديدها في مجموعة معيّنة محدّدة. هكذا تنجح هذه النظريّة "السّوبر مستقبليّة" في تفسير اختلاف المبادىء وتبدّلها" (ص 204).
"السوبر مستقبلية" علم راقٍ بكيفيّات القول تخترق سقف التوقيف ليحلّ الكيف محلّ الكمّ، أو المحتوى الثابت الصّالح لكل زمان. والكيف منهج في التعامل مع اللغة مختلف، يجعل دارس اللغة أو مستعملها مورطاً في تحديد مفاهيمها، فكيفيّة الاستعمال والتصرّف تحدّد مبادىء الخطاب والتخاطب. وكيفيّة الاستعمال أو التصرف تجيز أيضاً لمستعمل اللغة أن يركن عمليّاً أثناء القول في حياته اليوميّة إلى المفيد لا غير، فيتحرّر من إكراهات "التوقيف". وهكذا تصبح مبادىء استعمال اللغة لاحقة للاستعمال، لا سابقة له أو مقرّرة مصادرة؛ "فمن المستحيل أن توجد مبادىء لاستعمال اللغة قبل أن نستعمل اللغة،... لذلك استعمالنا للغة يحدّد مبادىء استعمالها" (ص 205).
فمسألة الاستعمال إن كانت تثير جدلاً بين النحويين، وتصنفهم صنفين (أحدهما توقيفي والآخر إفادي، فيكون لكل صنف حججه، فإن حسن عجمي يحتجّ على أسبقية الاستعمال بالإحالة إلى علوم افتراضية وحالات ممكنة. إذ يقول: "فمن الممكن وجود قوم آخرين أو مريّخيين لديهم استعمال للغة مختلف تماماً عنا. فلو وجدت مبادىء لاستعمال اللغة محدّدة سلفاً لكان من المستحيل وجود هؤلاء القوم أو هؤلاء
المريخيين" (ص 205). ومن دون أن يواصل حسن عجمي الحجاج في مسألة الاستعمال إلى ما يقتضيه المنهج العلميّ المتعارف من تفصيل الأمثلة وتدقيق الإحالات، بما يلزم المسألة اللغوية، نراه يستطرد إلى طرح مسألة لغويّة أخرى تتعلق بكيفيّة تشكل المعاني في الخطاب، كلمة، مفردة، وجملة، أو نصّاً، فيقول متخلصاً من الحديث عن مسألة الاستعمال. "بالإضافة إلى ذلك توجد معضلة فكريّة حول كيفيّة تشكل المعاني. أولاً لدينا حجّة مقبولة على أنّ الكلمة المفردة تشكل معنى الجملة التي هي جزء منها، وبذلك تساهم في تشكيل معنى الخطاب وسياقه" (ص 205).
كما أنّ لحسن عجمي ولغيره من علماء الأسلوب*** حجّة أخرى مقبولة تدل على أنّ السيّاق يحدّد بالمقابل معنى الكلمة المفردة. ومن هنا تكون علاقة المفردة بالنصّ. أو السيّاق. تشبه علاقة البيضة بفرخها، وهي نتيجة غالباً ما تُعجِز الباحثين، وتنتهي بهم لترك الأمر إلى المجهول. "فالنتيجة الكلمة المفردة تحدّد معنى السيّاق.. والسيّاق يحدّد معنى الكلمة المفردة. هذا دور،.. فمعضلة واستحالة. كأننا نقول (أ) يسبب (ب) و(ب) يسبب (أ) وبذلك (أ) يسبب أ ومن المستحيل أن يسبّب الشيء ذاته فكيف الخروج من هذه المشكلة" (ص 206).
سؤال حسن عجمي هامّ لأنه يمثل نقلة نوعيّة في التشريع لعلم مستقبليّ طارىء. هو علم خرق «البديهي».. عقبة الاستمرار في السّؤال وعثرة الكفّ أو التخلّي عن متاهة نشأة الأمر من ذاته. فكأني بحسن عجمي لا يقلل من أهميّة السّفسطائي أو الافتراضي، لذلك لا يستبعد الحلّ للخروج من مأزق البديهي. والحلّ في "السوبر مستقبلية" القائمة على مبدأ تشكّل المعنى بالأمر والأمر نفسه، أي بالكلمة المفردة التي هي النصّ والنصّ الذي هو الكلمة المفردة.. في وظيفة التحديد المتبادل غير المستحيل في المستقبل. "يكمن الحلّ في القول بأنّ المعنى يتشكل في المستقبل، وبذلك الكلمة المفردة تحدّد معنى السّياق، والسياق يحدّد معنى الكلمة. المفردة في المستقبل" (ص 206).
فـ "علم خرق البديهي" أو "السوبر مستقبليّة" مقاربة تفكّ قيد "التوقيف" أو "المصادرة المعرفيّة المعجزة" بمرونة المقاربة التي تسعى إلى "الاقتراب"، وفي ذلك انفتاح لا محدود على ذهنيّة "اللامستحيل"،.. فيصير مبدأ "المفروغ منه مبدأ مثيراً للأسئلة المعقدة والتحاليل المترقية منهجيّاً في تأثر وتأثير بما يطرأ من معارف متسارعة متناغمة ومتناقضة، فتصير الوثوقيّة أو الصرّامة في تحديد المعنى بمقتضى
"التوقيف" هشّة أو متحوّلة بـ "الإفادي" إلى اقتراب أكثر نحو الكشف والتوقع. "وبما أنّ المعنى يتشكل في المستقبل الغائب عنا، إذاً من المتوقع أن نجد صعوبة في إدراك المعاني، ومن المتوقع وجود بعض الخطابات التي من غير المحدّد ما هي معانيها، فكلّ ما نتمكن من القيام به هو الاقتراب أكثر نحو كشف معاني الجمل والمفاهيم" (ص 207).
حسن عجمي يبدو مفيداً في هذا الفصل بالذات من كتابي دونالد دفيدسون Donald Davidson ويعقوب مي Jacob Mey في الحقيقة والمعنى والتأويل والبراغميات. كما هو مفيد من مراجع أخرى كلها بالإنكليزية تهمّ الاعتقاد والمجاز والمعنى،.. منسوبة إلى تشومسكي وروسل وكوين وغيرهم. حيث لا وجود لمصدر أو مرجع عربي واحد، ممّا يبعث على الفهم المفترض أنّ حسن عجمي يقصد بهذا الإشارة المضمرة إلى أنّ اهتمامات الدّرس اللغوي العربيّ المعاصر تختلف، أو لا تولي، اهتماماً لهذه المسألة لأسباب يطول شرحها. مما يجعل كتاب "السوبر مستقبلية" معرفيّاً يحتاج إلى ذهنية وأدوات قراءة مخصوصة، بل متطوّرة جداً. وإن حاول حسن عجمي تبسيطها عن طريق اللغة المتداولة والأمثلة التقريبيّة والحجاج التعليميّ القائم على الاستطراد والتكرار المنفتح على التشويق بطرافة الاستقراء والاستنباط في التخريجات،.. والاستنتاجات بديهيّة أحياناً مذهلة أحياناً أخرى.

محمد خريّف
ناقد من تونس







الخميس، 15 يناير 2009

السوبر حداثة.. نظرية بسيطة في قالب معقّد



هل الديمقراطية تكتمل بالحفاظ على الأقليات فقط.. أم عليها أن تخلق التعددية؟


ركز حسن عجمي في كتابه الجديد «السوبر حداثة ـ علم الأفكار الممكنة» الصادر عن «مكتبة بيسان» في بيروت 2005، على تفسير الظواهر بدلاً من تحليل المفاهيم كما في كتابه السابق *مقام المعرفة ـ فلسفة العقل والمعنى». انطلاقاً من أن الفلسفة بوظيفتيها الأساسيتين هي تحليل للمفاهيم كمفهومَيْ العقل والمعنى كما هي تفسير للظواهر* وبما أن «السوبر حداثة» تُعنى بشكل خاص بتفسير الظواهر وتعتمد في ذلك على مفاهيم «ما بعد الحداثة» كمفهوم اللا مُحدَّد، قام بتطبيق المفهوم الأخير على العوامل التي تحرّك المجتمع والتاريخ.
السوبر حداثة، من غير المُحدَّد أي عامل من العوامل هو الأساسي في تحديد الظواهر الاجتماعية والتاريخية، فمن غير المُحدَّد ما إذا كان العامل الاقتصادي أم الديني ـ العقائدي هو الذي يؤثر بشكل اكبر في صنع الاحداث ويغير مسارها، فإن عاملاً ما يصبح أساسياً في تحديد الظواهر الاجتماعية، بحسب اعتقاد الناس بسطوة هذا العامل عليهم.
كما تتناول الس
وبر حداثة المشاكل الفلسفية المحضة كمشكلة العوامل الذي يجعل النظريات العلمية ناجحة في تفسير الظواهر الطبيعية* يقول الكاتب انه يوجد مذهبان أساسيان في فلسفة العلوم وهما المذهب الواقعي والمذهب اللاواقعي. بالنسبة إلى المذهب الواقعي، النظريات العلمية ناجحة لأنها صادقة. أما المذهب اللاواقعي فيرفض القبول بفكرة أن النظريات العلمية صادقة ويقول إنها لا صادقة ولا كاذبة بل فقط مقبولة، ويعتبر أنها ناجحة لأسباب معينة كأن تكون ناجحة بسبب أن عقولنا تملك قدرات على إنشاء نظريات ناجحة في تفسير الظواهر والتنبؤ بها* من جهتها تقف السوبر حداثة في موقف بين المذهبين وتجد انه من غير المحدد ما اذا كانت هذه النظرية العلمية ام تلك صادقة.
هذا المذهب الذي استحدثه حسن عجمي يعتمد على استخدام مناهج ما بعد الحداثة من أجل الوصول إلى الهدف الأساسي للحداثة، أي المعرفة.
فإذا كانت الحداثة هي المذهب الفكري الذي يقول إنه من الممكن الحصول على معرفة غير نسبية بل مطلقة وثابتة، فإن مذهب ما بعد الحداثة يقول إنه من غير الممكن الحصول على المعرفة الكاملة لأنه لا وجود لمعرفة مطلقة وثابتة بل المعرفة نسبية بحيث إنها تختلف من زمن إلى آخر ومن مجتمع إلى آخر.
أهمية المعرفة كأمنة في ذاتها، والمعرفة قيمة الإنسان وليست سوى عملية البحث المستمر عنها. وهي لا تسقط علينا من أعلى أو تأتينا من أسفل، بل لا بد من خلقها. وخلق المعرفة يعني خلق أفكار منطقية وموضوعية* على هذا الأساس تتخذ السوبر حداثة قيمتها كونها محاولة في إنشاء ما هو جديد. فالطريقة الأفضل لمواجهة تكاثر المعلومات واجتياحها لأدمغتنا هي أن ندرسها ونُقيم فكراً جديداً، بدل من أن نكون متلقين لفكر الآخرين. فالحداثة وما بعدها بشكليهما الحالي من نتاج الحضارة الغربية التي لم نشارك فيها في القرون الماضية* علينا الآن أن نبدأ بمشاركة العالَم بفكر جديد ومنطقي وعلمي وإلاّ تحوّلنا إلى تابعين. والطريقة الفضلى في مواجهة العولمة وما قد تحمل من استعمار وهيمنة تكمن في تقديم مشاريعنا الفكرية والإنسانية. من هنا لا بد أن نواجه العولمة والاستعمار الخارجي والداخلي بالكلمة أي بالبحث العلمي. رغم اننا نتكلّم عن مجتمع شرقي وآخر غربي فالمجتمعات في خلاصتها واحدة* وإذا ما أردنا أن نكون عرباً أو شرقيين لا بد أولاً أن ننتمي إلى الإنسانية وتراثها. على هذا الأساس يبدأ بما انتهى الفكر الغربي إليه، فبينما قدّم الفكر الغربي الحداثة وما بعدها يحاول حسن عجمي أن يصوغ في المقابل ما هو مختلف ألا وهو السوبر حداثة* وبما أننا لا بد أن ننتمي إلى تراث الحضارات كلها لا بدّ لنصِّنا أن يخاطب كل إنسان أكان شرقياً أم غربياً علماً بأننا حصيلة كل الحضارات* فإذا ما كانت السوبر حداثة مفيدة للغرب ستكون مفيدة أيضاً للشرق والعكس صحيح* لن تتمكن مجتمعاتنا من أن تتطور من دون تطور المجتمعات الأخرى والعكس صحيح أيضاً* من هنا نرى أن الغرب يسعى إلى التأثير فينا لأنه لن ينجح في جعل نهضته مستمرة بمعزل عن نهضة الشعوب الأخرى. والمثل الأساسي كنموذج على تطبيق السوبر حداثة فهو التالي: توصل الغرب إلى جعل الديمقراطية ـ الليبرالية نظاماً ناجحاً وسعى فكره الفلسفي إلى تحديد ما هي. ولقد عرّف جزءاً من الديمقراطية على أنها الحفاظ على الأقليات العرقية والدينية واحترام حقوقها ومعاملتها بمساواة وعدل وإشراكها في المجتمع والدولة* لا أحد يستطيع أن يرفض نظاماً أخلاقياً وإنسانياً كهذا، لكن السوبر حداثة ترى ان الذي يُميّز الديمقراطية هو أنها تخلق التعددية بدلاً من أن تحافظ عليها فقط. بمعنى آخر، لا بد للديمقراطية ـ الليبرالية أن تهدف إلى بناء مجتمع متعدد الأعراق والمذاهب والأفكار وبذلك تزول الأكثرية وديكتاتوريتها* وحينها فقط تصبح المشاركة الاجتماعية والسياسية مشاركة ديمقراطية وحرّة فعلاً* أما أن نحافظ على التعددية أو على الأقليات الموجودة في المجتمع فقط لا غير فهذا قد يؤدي إلى بناء مجتمع ونظام طائفي كالمجتمع والنظام اللبنانيين. من جهة أخرى، بينما تقول الحداثة بوجود نظام فكري وقيمي صادق وحق وهذا النظام واحد لا يختلف وبذلك ترفض الأنظمة والقيم الأخرى، وبينما تقول ما بعد الحداثة بعدم تفضيل نظام فكري وسلوكي على نظام آخر وبذلك تستنتج بأن لنا الحق في اختيار أي نظام من دون سواه، تعبّر السوبر حداثة عن فكرة أننا لا بد أن نُوحِّد إنجازات الحضارة الإنسانية في نظام اجتماعي متكامل* هذا النظام هو الذي يجمع بين قيم الديمقراطية ـ الليبرالية كقيمة الحرية وقيم الاشتراكية كمنحى لإعادة توزيع الثروة* ومن بين الأفكار الممكنة التي تطرحها السوبر حداثة فكرة إعادة توزيع الثروة على أساس رفع دَخل الفرد، فعندما يرتفع دَخل كل فرد إلى أقصى حد ممكن حينها يتكوّن المجتمع من أفراد أحرار في تصرفهم وفكرهم* وفضيلة إعادة توزيع الثروة من خلال رفع الدخل تكمن في انها تحافظ على الحريات والملكية الخاصة، فرفع دخل الأفراد لا يؤدي إلى خرق حرية الآخرين وحقهم في ما يملكون

سمير شمس






الاثنين، 12 يناير 2009

هل النظريات العلمية صادقة؟!



السوبر حداثة واللامحدد والمعرفة:
هل النظريات العلمية صادقة؟!


حسن عجمي



نقدم في هذا المقال فرضية السوبر حداثة وكيف تفسر نجاح النظريات العلمية، ومن ثم نحدد بعض فضائلها المعرفية. فالخلاف حول ما اذا كانت النظريات العلمية صادقة حقا أم هي مجرد أدوات للتفسير هو خلاف أساسي في الفلسفة والعلوم. أما السوبر حداثة فتحاول تقديم ما هو جديد في هذا المجال بحيث تؤكد على انه من غير المحدد أية نظرية علمية هي النظرية الصادقة.
نستطيع شرح السوبر حداثة على النحو التالي: تدرس السوبر حداثة الأكوان الممكنة التي قد تختلف عن عالمنا الواقعي. لكن الأكوان الممكنة عديدة ومختلفة عن بعضها بعضا. بذلك من المتوقع أن تستعين السوبر حداثة بمفاهيم ما بعد الحداثة كمفهوم اللامحدد من أجل الوصول الى هدف الحداثة الأساسي ألا وهو المعرفة. فيما أن الأكوان الممكنة عديدة ومختلفة، إذا نظرنا اليها مجتمعة سنرى حقائقها وظواهرها غير محددة. لكن من وجهة نظر السوبر حداثة رغم ان حقائق وظواهر من خلال لا محدديتها. على هذا الأساس تختلف السوبر حداثة من ما بعد الحداثة التي تنفي إمكانية الحصول على المعرفة. كما تختلف السوبر حداثة عن الحداثة لأن الحداثة تقول بأن العالم محدد ولدينا معرفة بالعالم الواقعي بينما السوبر حداثة تؤكد على ان العالم غير محدد وأن معرفتنا معرفة بالعوالم الممكنة.
للسوبر حداثة تطبيقات مختلفة منها ما يعنى بفلسفة العلوم. بالنسبة الى المذهب الواقعي في العلوم، النظريات العلمية ناجحة في تفسير ظواهر الكون والتنبؤ بها لأنها صادقة بينما المذهب اللاواقعي في العلوم يقول ان النظريات العلمية ليست صادقة ولا كاذبة بل مقبولة فقط بما أنها مجرد وسائل لتفسير ظواهر الكون والتنبؤ بها (انظر: Edited by Boyd, Gasper, and Trout: The Philosophy of Science. 1991. The MIT Pres. ينتقل هذا الخلاف الى العلماء. يقول العالم الرياضي بنروز ان النظرية العلمية الناجحة حقا لا بد أن تكون صادقة وبذلك لا بد من البحث عن النظرية الصادقة التي من المتوقع أن يهتدي العلم إليها. أما العالم الرياضي هو كنغ فيعتبر أن النظريات أدوات لتفسير الكون وبذلك من الممكن قبول النظريات العلمية المختلفة رغم التعارض فيما بينها كنظريتي النسبية التي تقول بالحتمية وميكانيكا الكم التي تقول باللاحتمية ( انظر: Stephen Hawking and Roger Penrose: The Nature of Space And Time. 1996. Princeton University Press. على هذا الأساس يتفق بنروز مع المذهب الواقعي بينما يقبل هوكنغ بالمذهب اللاواقعي.
المذهب الواقعي في العلوم مذهب حداثوي لانه يقر بصدق النظريات العلمية وبذلك يؤكد على حصولنا على المعرفة كما يفعل المذهب الحداثوي تماما. أما المذهب اللاواقعي بمذهب ما بعد حداثوي لأنه يرفض اعتبار النظريات العلمية صادقة بل ينظر اليها على أنها مقبولة فقط كونها ناجحة، وعدم الإقرار بصدق النظريات اتجاه ما بعد حداثوي. أما السوبر حداثة فتبتعد عن الاتجاهين الواقعي واللاواقعي بقولها انه من غير المحدد أية نظرية علمية هي النظرية الصادقة. وبما أنه من غير المحدد أية نظرية علمية هي الصادقة، إذ من المتوقع وجود نظريات علمية كلها ناجحة في تفسير الكون رغم انها مختلفة وتناقض بعضها بعضا كنظريتي النسبية لأينشتاين ونظرية ميكانيكا الكم. بالنسبة الى نظرية النسبية، الكون حتمي بينما بالنسبة الى ميكانيكا الكم الكون غير حتمي. فيما أنه من غير المحدد ما اذا كانت نظرية النسبية ونظرية ميكانيكا ناجحتين في تفسير الكون رغم انهما يناقضان بعضهما بعضا. هكذا تتمكن السوبر حداثة من تفسير ظاهرة أنه توجد نظريات علمية ناجحة رغم أنها تناقض بعضها بعضا.
بالإضافة الى ذلك، توجد فضيلتان أساسيان للسوبر حداثة. أولا، السوبر حداثة تجعل البحث المعرفة مستمرا ولا توقفه. واستمرار البحث فضيلة. فيما ان السوبر حداثة تدرس الاكوان الممكنة، وهذه الأكوان الممكنة عديدة ان لم تكن لا متناهية، إذن على الباحث ان يستمر في بناء النظريات المختلفة الصادقة في أكوان مختلفة. وبذلك لا يتوقف بحثه المعرفي. وهذا ما تم في تاريخ المعارف والعلوم. فمثلا، نجد أن اينشتاين قد أنشأ نظريته النسبية ومن ثم شارك في بناء ميكانيكا الكم التي تناقض نظريته الأولى وأخيرا سعى في آخر حياته الى توحيد النظريتين السابقتين في نظرية واحدة وجديدة ولم ينجح (انظر: Encyclopedia Americana. Volume 10. 1980 Americana Corporation. Pp 94-97. ثانيا، تزيد السوبر حداثة المعارف الى حدها الأقصى، وزيادة المعارف الى أقصاها. فبدلا من أن نسجن في دراسة الواقع ننطلق نحو دراسة الممكنات كافة التي تبدو لا متناهية وبذلك نستمر في زيادة معلوماتنا عما هو ممكن أن يكون صادقا.
أخيرا، النظريات الممكنة التي تحاول السوبر حداثة إنشاءها لا بد أن تكون محكومة بالمنطق ومبادئ التفكير السليم وان تكون قادرة على تفسير الحقائق والظواهر الممكنة. فليس كل شيء ممكنا بل المنطقي والعقلاني والعلمي هو الممكن، أي هو الصادق في الأكوان الممكنة. والصفة الأساسي للسوبر حداثة أنها تقبل بتعدد ما هو منطقي وعقلاني وعلمي كونها تدرس الممكنات المنطقية والعقلانية والعلمية.










السبت، 10 يناير 2009

السوبر حداثة..وشهـوة الافكـار الممكنـة!






السوبر حداثة وشهـوة الافكـار الممكنـة!

لاشك ان المعرفة لانهائية وغير محدودة، وان المعرفي هو خاصية التواصل في ادراك كل الممكنات واللا محددات التي تسعى الى اثبات قدرة الانسان/ صانع المعارف على التعاطي مع الممكن الجامع للتضاد والتآلف، على اساس انه الروح الكينوني للجسد والهيولى، والباعث الازلي على اجتراح الافكار والقيم والمفاهيم في ضوء وجودها الفيزيقي الثابت في التجربة وفي ضوء ما تصنعه احتمالات الوجود من توليدات هي جزء من سيولة المعرفة والافكار الدائمة الجريان..

هذا التوصيف البانورامي لسيولة الافكار الممكنة وحريتها في ان تتجاوز الحتمية واللاحتمية اللتين اشاعتهما طروحات الحداثة وما بعدها،، هو الاساس (النظري) المعرفي والفكري الذي حاول ان يؤسس عليه الباحث والمفكر حسن عجمي قراءته لمذهب ( السوبر حداثة) او فن التفكير الممكن!! في كتابه الجديد (السوبر حداثة/ علم الافكار الممكنة)، اذ ينحوعبر هذا المذهب الى استخدام كل المناهج والافكار الممكنة باتجاه نوع من المعرفة المفتوحة الكليانية والفردية، معرفة الذات والموضوع والعلم والصورة والعالم والافكار، من منطلق اباحة الفكر امام الممكن، واباحة العقل امام اللامحدد، واستخدام برغماتية الوعي الى اقصاها بعيدا عن اية حدود قد يضعها العقل الوضعي او المنطقي، وتجاوزا لثنائية المقدس والمدنس والمقبول واللامقبول والمحدد واللامحدد، لان هذه الثنائيات كما يراها عجمي هي جزء من الموروث الاشكالي للعقل الغربي المتمثل في مذاهب كانت وهيغل وميكانيكا الكم ،ولذا فان الاندفاع نحو طرق تفكير جديدة ومغايرة هو تاكيد على لا نهائية المعرفة اولا ومحاولة استباقية في تجاوز مأزق الاشكاليات القديمة في المناهج التقليدية التي تعرضت للزوال ثانيا، حتى تبدو (السوبر حداثة) وكأنها اللامنهج او المنهج اللامحدد باطر وكيفيات محددة! وهذا ما يجعل هذا المذهب الجديد امام كل الافكار الممكنة والمناهج الممكنة بدءا من مناهج وافكار عصر التنوير وعقلانية الحداثة وانتهاء بـ(ما بعد الحداثة) ولاعقلانيتها الفاضحة في نماذجها التفكيكية وما بعد الكولينيالية ونقدها لكل المركزيات في النظم السياسية والتاريخية والجنسانية والدينية دون الحاجة الى برهان او شروحات ثانوية!! والتي تحولت الى آليات تكرس تفكيك علاقة العقل بالواقع وتقويض المقدس في الذات والايقونة والميتافيزيقيا..
ولكن مذهب (السوبر حداثة) كما يراه حسن عجمي اراد ان يضع الكل في سلة واحدة ويقترح ازاءه ( سوبر انساني) و (سوبر معرفي) ربما هما الوحيدان اللذان يملكان حيازة الاختيار والتوافق والتعالي دون استحضار فعل المسؤولية و الارادة كما يفهمها الوجوديون، او التعاطي مع الضرورات الاخلاقية في اطارها العرفاني الاسلامي أو المسيحي البروتستناني كما فهمها المحافظون الجدد ومنهم فرانسس فوكوياما، لانها ستكون عندئذ اختيارا (فكرويا ) للكائن المتعالي الذي لايعود الى الوراء و لايحدّه المحرم والمقدس، وهو ذاته الذي كان يخشى منه فوكوياما حين انتقد الثورة الجينية الجديدة وقال انها يمكن تصنع انسانا غير طبيعي، له جوهر ولكن له قطع غيارغير جوهرية!!!!
ان طروحات السوبر حداثة تدعو مريديها الذهاب بعيدا في الثورة والتمرد والسعي الى اللامحدد في النص والمعرفة من منطلق ان كل شيء ممكن!!! وان الجسد المعرفي والجسد الانساني مباحان الان لنزعات هذه الثورة الممكنة في شياطينها وملائكتها حتى وان كانت ثورة على (سستم) الصبغيات المورثة التي يمكن ان تفكك المنظومة المفاهيمية والاعتقادية والجنسانية لسر الخلق وجوهره وتضع الكائن والفكر والجسد واللغة امام نزعة تدميرية لـ(الانفموميديا) الرغبوية المتعالية و الغرائزية...
ومن هنا فان حسن عجمي يحمل خطابا تبشيريا بنهاية العقل المحكوم بعناصره البيولوجية والتاريخية مثلما يدعو الى نهاية النص والعلوم والوقائع والفلسفات والمعتقدات واللغة غير الشيئية والفنون والاداب التي ليس لها قدرة حمل جينات العقل التوليدي وربما هو اعلان عن موت منظورات الحداثة بافقها المعروف، ولا عقلانية (ما بعد الحداثة) بمفهومها في النقد والتفكيك، لاجتهاده في ان هذه النهايات، التي تقترن بازمة الانسان الاخلاقي المعاصر،تمثل المجال لاعلان وطرح فلسفة اللامحدد التي يضعها جوهرا في تسويق (علم الافكار الممكنة) باعتبار ان العقل محدود في انتاجه العلاماتي واللغوي، وان الممكن هو تفجير للاحتمال في صناعة عالم جديد تتفكك فيه الدول التقليدية الضعيفة باتجاه اعادة انتاج الامبراطوريات باعتبارها الاقوى وهي الاكثر تعبيرا عن خصائص المكونات العسكرية والوجودية، وتتفكك فيه اللغات والمعارف والاثنيات والانواع والمعاني باتجاه نوع (ما بعدي) يبرهن على عدم وجود الثابت والمحدد، باعتبار ان المحدد قد اقترن بكل الظواهر الزائلة بدءا من انهيار فكرة الانتاج والتلقي التقليدية القائمة على اساس المعرفة المحددة وانتهاء بزوال الاتحاد السوفيتي وتفكك المنظومة الايديولوجية للشيوعية..
وهذا الطرح ينفي كل تأسيس للمعارف والفلسفات والعلوم التي جاءت مع حركة الانسان وثوراته النوعية وكشوفاته الهائلة وتأسيساته للقيم والمفاهيم، ورغم ان التغايرات المعاصرة قد وضعت الانسان امام احتمالات فائقة وفاضحة في اعادة انتاج كينونته الوجودية، الاّ ان الحديث عن تفكيك كلياني ولا محدد يضع الانسان امام احتمالات تدميرية، يكون اشبه بفرض سلطة الرأسمال وقوى المهيمن العسكري والطوبوغرافيا الغربية على الجميع، لان هذه السلطة هي الوحيدة التي تملك اللامحدد والممكن، والمطابخ المعلوماتية والروبوتية لانتاج الفكر الفائق والانسان الفائق الذي يهمن بشروطه وممكناته، وربما يصبح التفكيك الشرطي جزءا من قوانينه، باعتبار ان هذه السوبر حداثة هي جوهرها انتاج سلطة عليا، لاتعاني من صراع المنظومات، ولاتعاني من الثنائيات الازلية التي جوهرها اخلاقي، اي ان هذه السوبرانية ستنتج لنا بطلا لا اخلاقيا، وعلما يتسع لاقوياء هم اصحاب نظريات مابعد الامبريالية!!!!
انا اؤمن بلا نهائية المعرفة واؤمن بحقيقة الحرية كوعي وارادة واجراء، واؤمن بضرورة تجاوز الكثير من موروثات العقلانية التقليدية، والافكار التي انتجت لنا نظما ثقافية اعتقادية واخلاقية، ولكن هذا الايمان لايعني وضع الانسان في منطقة اللامحدد الكامل الذي يعيده الى منطقة الشك والتناقض ووضعه امام شروط رحلة سحرية البحث عن بطولة تتجاوز المكان والمعرفة والنص.
لقد وضع حسن عجمي مخياله المعرفي الحاذق في سياق اشكالوي انطلق منه لتأسيس مجال مفاهيمي يستوعب الاطر النظرية للعلوم الصرفة والعلوم التجريبية والانسانيات واللسانيات ومفاهيم الصراع السياسي، ولعل جوهر مجاله يقوم على الاحتفاء بقوة العقل الفرد وليس العقل الجمع باعتبار ان الجمع منتج للمحدد والثابت وسلطة الاكثرية القامعة، اذ انه يعمد الى ضرورة تفكيك قوة العقل الجمعي الى وحدات تضمن فيها الاقليات حقوقها وحريتها، لايمانه ان الديمقراطيات لايمكن ان تنتجها السلطات الشمولية والجماعية!!، وهذا الفهم يؤكده في التعاطي مع اللغة والنصوص ذاتها باعتبار ان اللغة والنصوص المحددة هي منتجة معارف كاذبة، وانه يسعى الى التعاطي مع اللغة التي تستبدل مفهوم (الاشياء) بمفهوم (الاحداث) على اساس ان ( معلوماتنا الاولية تقول ان الاحداث موجودة في العالم و لاتقول ان الاشياء موجودة في العالم) كما يقول عجمي..
ان طروحات حسن عجمي تثير الكثير من العصف الذهني وتدعونا لاسئلة مريبة حول افكارنا ومناهجنا وقدرة الانسان التفسيرية والحجج المعرفية التي يمكن بها التوافر على شروط القراءة، مثلما يجتهد في وضع الممكن الفكري والنظري في المعرفة والعلوم امام الانسان في عصر (السوبر حداثة) كما يقول، من منطلق ان العالم المعاصر بحروبه وهزائمه واشكالاته يحتاج الى ثورة عاتية وصدمة تفوق قدرات عقله المنطقية والبنيوية، تؤمّن له شروط البقاء في هذا العصر السوبراني، حافظا لنوعه من الزوال في صراعه مع (الروبوت) وتمنحة القدرة على الاحساس بلا نهائية معارفه وكشوفاته، ولكن الخروج دون ثياب العائلة الى العري الكوني سيفقد الانسان اطمئناناته القديمة واخلاقه التي فقدها في الطريق الى حروبه العصابية!!! نحن احوج الان الى بطل اخلاقي والى معارف تؤمن لنا الاحتفاظ بجلودنا العتيقة دون قطع غيار حتى ولو كانت ممكنة!.


علي حسن الفواز
جريدة الاتحاد


الجمعة، 9 يناير 2009

حسن عجمي واهم حدث في عام 2008






انتخاب اوباما رئيسا للولايات المتحدة



حسن عجمي

المشاريع الثقافية في العالم العربي ليست سوى مشاريع لتحقيق مصالح سياسية و اقتصادية رخيصة، و لذا هي ليست في خدمة ما يُسمَى المثقف العربي. و الحقيقة هي أنه لا يوجد مثقفون عرب بل مجرد أتباع لهذا الطاغية أو ذاك الدولار. فلو أنه توجد حقا ً مشاريع ثقافية ولو أنه يوجد حقا ً مثقفون عرب لوجدنا على الأقل الأعمال الكاملة للغزالي أو لإبن سينا بدلا ً من أن تكون أعمالهم مشتتة في كتب متفرقة وغير مُحقَّقة بدقة ولوجدنا الكتب العلمية و الفلسفية في مكتباتنا. وعلى أساس غياب المشاريع الثقافية الحقة وموت المثقف العربي نستطيع القول إننا لم نتمكن من مدّ أي جسر تواصلي بين الحضارات. بل على النقيض من ذلك مشاريعنا الثقافية أصبحت أسلحة إرهابية نقتل بها بعضنا البعض ما يتضمن أننا خارج الحضارة أصلا. نحن سوبر متخلفون لأننا نرفض العلم والمنطق ونستخدم العلم من أجل التجهيل. فمعظم مدارسنا و جامعاتنا ووسائل إعلامنا تنشر الجهل والتعصب المذهبي و الطائفي و كراهية الآخر. من هنا ماتت الثقافة العربية وزالت على صعيد الشرق الأوسط و العالم. يستحيل أن تؤدي مشاريعنا الثقافية الكاذبة إلى تنمية المجتمع لأنها مخادعة و تهدف إلى تطوير التخلف. فمعظم نصوصنا وخطاباتنا لا تعتمد على أي علم من العلوم كما تعارض المنطق كوقوعها في التناقض. كما أننا خسرنا المجتمع ، بل نحن مجرد قبائل طائفية ومذهبية متصارعة. لقد فقدنا إنسانيتنا من جراء رفضنا للمنطق والعلوم، و إذا لم نشارك الحضارة في إنتاج العلم وصياغة أفكار جديدة سنبقى عبيدا ً لأسياد العلم و المنطق. أما أهم حدث ثقافي عربي في سنة 2008 فهو انتخاب أوباما رئيسا ً للولايات المتحدة الأميركية. فنحن مجرد مستعمرات غربية.


الأربعاء، 7 يناير 2009

حسن عجمي يدرس التخلف من معادلة التقدم










حسن عجمي يدرس التخلف من معادلة التقدم الحضارة بيد الجاهل سلاح قاتل


تفضل الباحث الكريم حسن عجمي فأهدانا آخر نتاج من نتاجاته الذي كان بعنوان " سوبر تخلف " فله الشكر الجزيل. ومن يقلب صفحات هذا الكتاب سيجد أن الباحث كان متميزاً ذلك أنه استخدم اسلوباً جديداً، فهو حقق النجاح وصفة الجدة بالاسلوب الذي نستطيع ان نصفه بأنه اسلوب الرياضيات. لقد مزج الباحث بين اسلوبين أدبي ورياضي وكانت النتيجة جمال وبراعة في الاسلوب والبحث. وسوف نستعرض أحد فصول كتابه ليري ذلك القاريء.إن الباحث درس مصطلح التخلف من خلال معادلة التكنولوجيا والعلم وبذلك مع نقص العلوم وزيادة التكنولوجيا يزداد التخلف. وهذا ما اصابنا. فنحن لا نملك القدرة من ناحية ورغبة الآخر من ناحية أخري، أن ننتج علوماً لكن التكنولوجيا متاحة لنا لأننا نملك المال القادر علي شراء واستخدام التكنولوجيا. فنحن نستخدم الانترنيت والتلفزيونات الفضائية.أعتقد الباحث حسن عجمي بأن تخلفنا ازداد مع استخدامنا للتكنولوجيا من دون انتاجنا لأي نوع من العلوم. فالتكنولوجيا في يد الجاهل سلاح قاتل. ولهذا نجد ان صحفنا وفضائيتنا التلفزيونية وصفحات الانترنيت الخاصة بنا تدعو إلى الإرهاب وتطوّر التخلف.هكذا المعادلة السابقة تفسّر لماذا ازداد تخلفنا رغم حيازتنا للتكنولوجيا. مثال آخر لتكنولوجيا الحرب ورغم ذلك لم نحصل إلاّ على الهزائم التي تجسد تخلفنا. فمع إمتلاك التكنولوجيا من دون انتاج العلوم نسقط في هزائمنــا المتكررة.والإشكالية الأخرى التي تفصح عن القول بما ان التخلف = التكنولوجية/العلم.إذن مع زيادة التكنولوجيا وزيادة العلم معاً يبقي التخلف محافظاً على قيمته ووجوده السابق المعتاد. وعلى الرغم من التقدم الكبير الذي صنعه الغرب خاصةً في ميداني العلم والتكنولوجيا معاً لا يزال الغرب متخلفاً، لكنه لم يزدد في تخلفه هكذا تفسّر معادلة السوبر تخلف. لماذا لايزال الغرب متخلفاً رغم تطوره في ميداني التكنولوجيا والعلم.وحين يقرأ القاريء ذلك تنهض في ذهنه جملة من الاسئلة ويبدأ يسأل نفسه كيف نقنع بان الغرب لا يزال متخلفاً. نعم الغرب متخلف لكن تخلفه غير تخلفنا. وقد بسط الباحث هذه المسألة فقال: الغرب استعمر وما يزال يستعمر العالم ويضطهده ويسرقه ويستعبده ويقتله. هكذا هو الغرب إرهابي ايضاً.ونعود إلى إشكالية التخلف من خلال معادلة التخلف = التكنولوجيا/العلم إذن يمكن القول إنه مع نقص التكنولوجيا بشكل كبير وازدياد العلم بشكل كبير سوف ينقص التخلف وبذلك يحدث التطور الحقيقي. وهكذا تكون المعادلة مترابطة ومتوازنة، ذلك أن التطور يحدث مع ازدياد العلم ونقصان التكنولوجيا.وضرب الباحث مثلاً افتراضياً خيالياً، إذ تصور أن تنقص تكنولوجيتنا فتغلق مصانع الأسلحة رغم ازدياد معدل العلم وابحاثه. هذا المجتمع كفيل بان يخدم البشر بدلاً من خدمة التجارة والقتل. هذا هو المجتمع الأفضل المتطور حيث تنقص التكنولوجيا وبذلك ينقص احتمال استغلالها سلباً ويزداد العلم بدلاً من استغلاله لاضطهاده الآخرين.وبالاسلوب نفسه، اثبت لنا الباحث أن التخلف لا يختلف عن العنف فقال: العنف = التكنولوجيا/العلم لكننا وجدنا أن التخلف = التكنولوجيا/العلم وبذلك لا يختلف العنف عن التخلف والعكس صحيح. فالشعب المتخلف شعب يمارس العنف والإرهاب العكس طبعاً صحيح. ويشتغل الباحث على معادلة العلم والعنف وبطريقة رياضية اثبت إنه كلما زاد العلم نقص العنف. وفي ضوء هذه الصورة قال الباحث " لذا نجد العلماء على مر التاريخ يدعون إلي تجنب العنف والابتعاد عنه. ننتقل إلي معادلة أخري وهي: وبما ان العنف = التكنولوجيا/العلم إذن كلما زادت التكنولوجيا ونقص العلم زاد العنف. وعقد الباحث موازنة بين السياسيين والعلماء فقال: ولذا نجد طبقة السياسيين في الغرب والشرق كونها ليست طبقة علماء، تسعى إلى أقصى درجة من تحقيق العنف. ولذا نجد أن الشعوب أو الجماعات التي تملك التكنولوجيا وقليلاً من العلم تغدو عنيفة وإرهابية. وهكذا تتمكن هذه النظرية في العنف من تفسير الحقائق السابقة.وفي ضوء معادلة العنف = التكنولوجيا/العلم عبّد لنا طريقاً إلى السلام. وإذا رغبنا في ذلك نقول: لكي نصل إلي السلام لا بد من: أما تطور علمي من دون تكنولوجيا متطورة وأما تطور علمي وتكنولوجي متوازٍ بحيث إن مالك العلم يغدو مالك التكنولوجيا، أي العالِم (بكسر اللام) يصبح المتحكم بالتكنلوجيا، لأن الغرب مثلاً ينقسم إلى صاحب علم أي عالم وصاحب تكنولوجيا أي سياسي متحكم بها، ويجرنا الغرب إلي الحروب. ولأن الشرق قليل العلم لكنه صاحب تكنولوجيا مستوردة، لذا يجرنا الشرق إلي العنف. وهكذا نتمكن من تفسير الإرهاب الشرقي والغربي في آن معاً.

طالب مهدي الخفاجي