الجمعة، 24 يوليو 2009

هل الكون مجرد وهم؟


هل الكون مجرد وهم؟

سيرة أفكار العالم الفيزيائي

ليونارد سسكيند


حسن عجمي


الفيزيائي ليونارد سسكيند أب من آباء نظرية الأوتار العلمية التي تفسر الكون على أنه أوتار وموسيقاها بالنسبة إلى نظرية الأوتار،يتكون الكون من أوتار ومع اختلاف ذبذبات الأوتار تختلف المواد والطاقات. تستلزم هذه النظرية أبعاداً عديدة بالإضافة إلى الأبعاد الأربعة المعروفة ألا وهي الطول والعرض والعمق والزمن. فعندما تهتز الأوتار في الأبعاد المختلفة تنشأ الطاقات المتنوعة. هكذا توحد نظرية الأوتار الطاقات المختلفة كالجاذبية والقوى النووية كما توحد المواد الطبيعية والجسيمات المختلفة من خلال اختزالها إلى مجرد أوتار. لذا أطلق العلماء على هذه النظرية أسم (نظرية كل شيء). نرصد هنا سيرة الأفكار الأساسية الخاصة بالفيزيائي سسكيند ومدى ارتباطها بلأفكار الفلسفية الممكنة.

الكون وهم

ساهم ليونارد سسكيند أيضاً في إنتاج نظرية علمية مثيرة مفادها أن الكون مجرد وهم. بالنسبة إلى هذه النظرية ، الكون صورة ثلاثية الأبعاد. والدليل على ذلك هو أن قياس الطاقة في أي منطقة متناسب مع مساحة سطح تلك المنطقة بدلاً من حجم تلك المنطقة. وبذلك تحدث العمليات الفيزيائية على سطح العالم وليس في داخله. فكل معلومة في الكون مخزنة بعيداً في تخوم الفضاء . هكذا يعتبر سسكيند أنه من الممكن وصف كل الأشياء على أنها مجموعات من المعلومات الموجودة على سطح العالم بدلاً من أن تكون منتشرة في الأمكنة كافة. لقد أصبحت هذه النظرية جزاً من الفيزياء ولم تعد تصورات إفتراضياً فقط.
Leonard Susskind: The Black Hole War. 2008. Little, Brown and Company.

تفسير نشوء الحياة والعالم

من جهة أخرى، شارك سسكيند في بناء نظرية الأكوان الممكنة فأوضح كيف أن بعض النظريات العلمية تشير إلى إمكانتية وجود أكوان ممكنة عديدة ومختلفة . فمثلاً كل من نظرية ميكانيكا الكم ونظرية الأوتار تصف الوجود على أنه منقسم إلى أكوان متنوعة. بالنسبة إلى ميكانيكا الكم من غير المحدد ما إذا كانت قطة شرودنغر حية أم ميتة. وهذا قد يعني أنه ثمة عالمان: عالم ممكن حيث قطة شرودنغر حية، وعالم ممكن آخر حيث القطة ذاتها ميتة. كما توجد بلايين من الحلول لمعادلات نظرية الأوتار ،وبذلك كل حل منها يصف عالماً ممكناً ما يؤدي إلى نتيجة أنه توجد أكوان عدة مختلفة. وعلى ضوء تعدد الآكوان يفسر ليونارد سسكيند لماذا يوجد عالم كعالمنا حيث تنمو الحياة وتزدهر. يقول سسكيند التالي : بما أنه توجد أكوان ممكنة مختلفة وعديدة إن لم تكن لامتناهية في العدد، فمن الطبيعي إذاً وجود عالم كعالمنا حيث توجد الحياة وتوجد كل القوانين والمواد الضرورية لنشوئها. هكذا يفسر سسكيند لماذا يوجد عالمنا بمواده وقوانينه بالذات والتي تسمح بوجود الحياة. بكلام آخر، وجودنا نتيجة حتمية لوجود الأكوان الممكنة العديدة والمختلف
ة.
Leonard Susskind: The Cosmic Landscape. 2006. Back Bay Books.

بالنسبة إلى سسكيند، تتآمر قوانين ومواد الطبيعة على خلق الحياة. يشرح ذلك قائلاً إن عالمنا هو الأفضل لنشوء الحياة واستمرارها. فمثلاً، أي اختلاف في قوانين الفيزياء يؤدي إلى نهاية الحياة أو عدم ظهورها أصلاً. وأ ي تغير في خصائص الجسيمات كالالكترونات سيؤدي إلى انهيار الكيمياء التي نعرفها ما يدفع إلى القضاء على الحياة كلياً. فالقوانين الطبيعية والجسيمات وميزاتها كما صفات الكون ككل كحجمه وسرعة تمدده كلها تضمن وجود الحياة وكأنها صنعت من أجل أن توجد الحياة وتبقى. مثل ذلك لو كانت الجاذبية أقوى بقليل مما هي عليه لتطور الكون ونما بسرعة هائلة ما لم يمنح الكون الوقت الكافي لنشوء الحياة. أما إذا كانت الجاذبية أضعف مما هي عليه فلن تتكون حينها المجرات ونجومها وكواكبها، وبذلك ما كانت الحياة لتوجد.كما أن قوانين الطبيعة هي الأفضل بحيث تسمح بنشوء الكربون والأوكسجين والمواد الضرورية الأخرى للحياة وتجعلها تطبخ في النجوم الأولى وتنتشر في الكون من خلال انفجار النجوم. هكذا خيطت قوانين الطبيعة من أجل وجودنا(المرجع السابق).

الثقوب السوداء

بالإضافة إلى ذلك أنتج ليونارد سسكيند نظرية فيزيائية جديدة حول ما يحدث للمادة حين تسقط في الثقب الأسود. وتتشكل الثقوب السوداء من جراء انهيار النجوم على نفسها بفضل جاذبيتها الهائلة. وأي شيء إذا دخل إلى ثقب أسود فسوف يتلاشى حتى أن الضوء لا يتمكن من الفرار من الثقوب السوداء. الآن، القضية التي يسعى سسكيند إلى حلها هي التالية: إذا كانت المادة والمعلومات تزول من الوجود متى دخلت الثقب الأسود ، فهذا يعا
رض مبدأً علمياً أساسيا ًهو أن المادة والطاقة لا زوال لهما. من جهة أخرى، جزء أساسي من تعريف الثقب الأسود هو أنه الذي يبتلع المواد والمعلومات ويفنيها. من هنا، كيف من الممكن الجمع بين هذين الموقفين المتعارضين ألا وهما أن المادة تزول في الثقوب السوداء ولاتزول في الوقت ذاته. يقدم سسكيند حله الخاص وهو التالي: من منظور الزمكان خارج الثقوب السوداء تزول المواد والمعلومات في الثقوب السوداء، لكن من منظور الزمكان داخل الثقوب السوداء لا تزول المواد والمعلومات في الثقوب السوداء. من هنا يقسم الفيزيائي سسكيند العالم إلى عالمين: عالم خارج الثقوب السوداء حيث تزول المعلومات في الثقب الأسود، وعالم داخل الثقوب السوداء ، حيث لا تزول المعلومات. وبذلك لانعارض مبدأ حفظ المعلومات من جراء اعتبار أن المعلومات لا تزول من منطلق العالم داخل الثقب الأسود، ونعبر في الوقت ذاته عن ماهية الثقوب السوداء المبتلعة للمعلومات والمفنية لها من منطلق العالم خارج الثقوب السودا. هكذا يحل سسكيند الإشكال العلمي السابق.
Leonard Susskind : The Black Hole War. 2008. Little, Brown and Company.


السوبر حداثة

كل هذا يقدم أسساً علمية صلبة للسوبرحداثة. فالسوبرحداثة مذهب فلسفي يدرس الأكوان الممكنة، ولقد أوضح لنا بعض العلماء كالفيزيائي سسكيند أنه لاتوجد فعلاً أكوان ممكنة عديدة ومختلفة، وبذلك تكتسب السوبر حداثة مشروعية دراستها للأكوان الممكنة. وبما أنه ثمة أكوان ممكنة مختلفة،إذن إذا نظرنا إليها مجتمعة ستبدو حقائقها غير محددة. من هذا المنطلق، تعتبر السوبر حداثة أن اللامحدد يحكم العالم، وتضيف أنه رغم لامحددية العالم من الممكن معرفته، لأن من خلال لامحدديته من الممكن تفسيه. من هنا، تؤكد السوبر حداثة أن الكون وكل مافيه من حقائق وأشياء وظواهر هي غير محددة بامتياز. على هذا الأساس، من الممكن أن يكون الكون مجرد وهم وأن تكون المواد والمعلومات غير محددة ما إذا كانت تزول في الثقب الأسود أم لا. فبما أنه من غير المحدد ماهو الكون، إذن من الممكن أن يكون الكون وهماً. وبما أنه من غير المحدد ما هي المادة والمعلومات إذن من الطبيعي أن يكون من غيرالمحدد ما إذا كانت تزول أم لا تزول في الثقوب السوداء، وبذلك من المتوقع أن تزول من منطلق العالم خارج الثقوب السوداء وأن لاتزول من منطلق العالم داخل تلك الثقوب. هكذا تتمكن السوبر حداثة من تفسير إمكانية أن يكون الكون وهماً و إمكانية أن تزول وأن لاتزول المواد والمعلومات في الثقب الأسود وبذلك تكتسب السوبر حداثة قدرتها التفسيرية فمقبوليتها.

الجمعة، 10 يوليو 2009

رحلة الى العوالم العلمية الممكنة


سيرة أفكار الفيزيائي لي سمولن

رحلة الى العوالم العلمية الممكنة

حسن عجمي

نقدم في هذا المقال سيرة أفكار الفيزيائي لي سمولن الذي طرح فرضيات مختلفة حول الجاذبية الكمية . فننتقل بين أفكاره العديدة ونرتحل في عوالمه العلمية الممكنة.
لقد شارك سمولن في صياغة نظرية الجاذبية الكمية التي تدرس الزمان والمكان،وتهدف إلى التوحيد بين نظرية ميكانيكا الكم والنظرية النسبية لأينشتاين. من هذا المنطلق يعتبر سمولن أن كلاً من المكان والزمان يتكون من كميات منفصلة. وبذلك طبق سمولن ميكانيكا الكم على الجاذبية بأعتبار أن الجاذبية مجرد انحناء الزمكان كما يقول أينشتاين. بالنسبة إلى ميكانيكا الكم،من غير المحدد أن سرعة لجسيم ومكانه في آن. بكلام آخر ،من غير المحدد ما إذا كانت قطة شرودنغر حية أم ميتة؛ فمن غير المحدد ما إذا كان الجسيم جسيما أم موجة. فالجسم كالإلكترون أو الفوتورن يتصرف على انه جسيم، وعلى أنه موجة بدلاً من جسيم في الوقت نفسه. من هنا يتدفق الضوء في كميات منفصلة وكأنه موجات وجسيمات في آن. على هذا الأساس، يقول سمولن إن الزمكان (جمع الزمان والمكان) يتكون من كميات منفصلة،وأن الزمان والمكان يتكونان من ذرات تماماً كما كل الأشياء الأخرى في الكون.

الكون كومبيوتر أم كائن حي

من جهة أخرى، يبني لي سمولن نموذجين علميين في وصف الكون وتفسيره. بالنسبة إلى النموذج الأول،الكون كومبيوتر ويتشكل من معلومات وتدفقها. هنا يعتبر سمولن أن العالم يتكون من أحداث وعمليات،وأن أحداث وعمليات عالمنا ليست سوى معلومات بينما العلاقات فيما بينها كالعلاقات السببية ليست سوى انتقال المعلومات من حدث إلى آخر . أما بالنسبة إلى النموذج الثاني فالكون كائن حي، ويذلك الكون محكوم من قبل المبادىء ذاتها التي تحكم عالم الأحياء كمبدأ الإنتقاء الطبيعي الدارويني. فكما أن الإنتقاء الطبيعي يختار الصفات الأفضل في الأحياء فيبقيها ويضمن بذلك إستمرارية الحياة،كذلك في عالمنا أكوان ممكنة أخرى. وبذلك نضمن استمرارية الوجود. ومن منطلق هذا النموذج،تولد أكوان جديدة في الثقوب السوداء،بذلك الكون الذي يمتلك ثقوبا سوداء أكثر ينجب أكوانا جديدة أكثر،وبذلك يختار الانتقاء الطبيعي الأكوان المتضمنة لأعداد أكثر من الثقوب السوداء في عالمنا كما يفسر نشوء الحياة؛ فالكربون المفيد لوجود الحياة يبني النجوم أيضا التي تنهار وتص
بح ثقوبا سوداء. هكذا حول سمولن الكون إلى كائن حي قادر على الإنجاب. َ
Lee Smolin: Three Roads To Quantum Gravity 2001.Basic Books

الأكوان الممكنة

كما يطرح سمولن فرضية أنه من الممكن للعالم أن ينتقل من حالة إلى أخرى،وكل حالة تشكل كونا ممكنا مختلفا في أبعاده الزمكانية، وفي حقائقه وقوانينه الطبيعية عن الحالات الاخرى للكون. بكلام آخر،بالنسبة إلى سمولن،من الممكن أن الأكوان الممكنة المختلفة موجودة. ولكنها ليست سوى الحالات المتنوعة التي تصيب عالمنا الواقعي. وبذلك يغدو الانفجار العظيم مجرد حدث حديث تعرض له عالمنا،سبقته انفجارات عظمى عدة أنتجت أكوانا ممكنة مختلفة كانت هي عالمنا. وعلى أساس هذا النموذج؛ تتغير القوانين الطبيعية مع انتقال عالمنا من كون ممكن إلى كون ممكن آخر. يعتمد سمولن على أساس علمية عدة في اقتراحه هذا، منها ميكانيكا الكم التي على وجود تواريخ عديدة ومختلفة لعالمنا من جراء أن مبدأ اللامحدد يحكم عالم مادون الذرة. ولا يكتفي سمولن بهذه الأفكار،بل يطرح أيضا فكرة أن العلم نظام ديمقراطي. حيث كل عالم له صوت واحد في انتخاب النظريات كما له الحرية الكاملة في انتاجها. ضمن هذا النظام الديمقراطي صاغ سمولن نظرياته الممكنة (المرجع السابق).

مشكلة الفيزياء

مشكلة كبرى بداية الثمانينات من القرن الماضي. فلم يتمكن الفيزيائيون من تطوير معرفتنا بقوانين الطبيعة. وسبب ذلك أن النظريات التي تم طرحها في الثلاثين سنة الأخيرة هي إما نظريات أظهرت كذبها،وإما أنه يستحيل اختبار ما إذا كانت صادقة أم كاذبة ومثل ذلك نظريات الأوتار بالنسبة إلى نظرية الأوتار،كل الكون يتكون من أوتار تمتلك ذبذبات مختلفة. ومع اختلاف تذبذبها تختلف الطاقات والجسيمات ويؤكد لي سمولن على أن هذه النظرية قد سيطرت على فكر العديد من الفيزيائيين رغم أننا لا نعرف ما إذا كانت صادقة فنظرية الأوتار لا تتنبأ بأي تنبوء جديد، وبذلك يستحيل معرفة إذا كانت صادقة أم كاذبة من خلال التجربة لعلمية. وبذلك تخبطت الفيزياء وسقطت في مشكلتها الحالية. بالنسبة إلى سمولن، المنهج العلمي هو الذي يتضمن اختبار النظريات العلمية على ضوء تنبؤاتها؛ فإذا تنبأت النظريات بما هو صادق تغدو تلك النظريات صادقة،وإذا تنبأت النظريات بتنبؤات كاذبة تصبح تلك النظريات كاذبة. من هنا،وبما أن نظرية الأوتار لا تتنبأ بما هو جديد،إذن يستحيل اختبارها وبذلك لا ترتقي إلى مستوى العلم الحقيقي.كما يوضح سمولن أن نظرية الأوتار غير كاملة ولا يوجد دليل على صدقها،ورغم
ذلك مازال العديد من الفيزيائيين يعملون على أساسها ويؤمنون بها.
Lee Smolin: The Throuble With Physics.2006 Houghton Mifflin Company.

اللامحدد

على ضوء ما تقدم نستنتج أنه من غير المحدد ما هو المنهج العلمي تماماً كما تصر السوبر حداثة. فرغم عدم اختبار نظرية الأوتار ما زال العديد من العلماء يقبلون بها،وهذا يشير إلى أنهم يعتبرون أن المنهج العلمي لا يستلزم بالضرورة اختبار النظريات العلمية من أجل قبولها. لكن من جهة أخرى، نجد عدداً من من الفيزيائيين، ومنهم لي سمولن يشككون في نظرية الأوتار لعدم إمكانية اختبارها،وبذلك يعتبرون أن المنهج العلمي يستلزم اختبار النظريات. من هنا من غير المحدد ماهو المنهج العلمي، ولذا يختلف العلماء حول ما إذا كان المنهج العلمي يستلزم أم لا يستلزم الاختبار،وبذلك يختلفون حول قبول أو عدم قبول نظرية الأوتار. هكذا تنجح السوبر حداثة في تفسير اختلاف وجهات نظر الفيزيائيين ما يدعم مقبولية السوبر حداثة. كما تتمكن السوبر حداثة من تفسير لماذا ينجح العلماء في تفسير الكون ووصفه بأوصاف عديدة رغم اختلاف تلك الأوصاف والتفاسير. فبما أن الكون غير محدد ما هو كما تقول السوبر حداثة،إذن من الطبيعي أن ينجح العلماء في وصف الكون وتفسيره بأوصاف وتفاسير عديدة ومختلفة. ولذا نجح لي سمولن، مثلاً في وصف الكون على أنه حاسوب وفي وصفه على أنه كائن حي في آن. فإذا كان الكون حاسوباً،إذن هو ليس كائناً حياً،وإذا كان كائنا حياً إذن هو ليس حاسوباً،لكن سمولن ينجح في وصف الكون على أنه حاسوب وعلى أنه كائن حي،وسبب ذلك أنه من غير المحدد ما الكون.