السبت، 28 مارس 2009

تفكيك المستحيل و الممكن


ميشيو كاكو في " فيزياء المستحيل ":

تفكيك المستحيل و الممكن


حسن عجمى
يعتبر الفيزيائي ميشيو كاكو أن المستحيل مفهوم نسبي . وحجته الأساسية على ذلك أن الأشياء التي كانت تبدو مستحيلة أصبحت حقائق علمية . فمثلا ً ، أكد الفيزيائي كالفـن في العصر الفكتوري أن الآلات الأثـقل من الهواء كالطائرات من المستحيل أن تطير. لكن طبعاً هذا المستحيل تحوّل إلى إمكانية فواقع . كما أن كيمياء القرن التاسع عشر أكدت على استحالة تحويل الرصاص إلى ذهب . لكن اليوم من الممكن تحويل الرصاص إلى ذهب بفضل الآلات المحطِّمة للذرة . هكذا المستحيل يغدو ممكنا ً . على هذا الأساس يستنتج كاكو أن العلماء يصححون معنى المستحيل بشكل دائم على ضوء اكتشافاتهم ونظرياتهم . من هنا المستحيل نسبي ويختلف من نظرية علمية إلى أخرى . وبذلك يبدو أنه لا فارق جوهري بين المستحيل و الممكن . يضيف ميشيو كاكو قائلا ً إن دراسة المستحيل فتحت ميادين علمية غنية وغير متوقعة . فمثلا ً ، محاولات العلماء الفاشلة في بناء آلة حركية دائمة و أبدية أدت بالفيزيائيين إلى اعتبار انه من المستحيل وجود تلك الآلة وصناعتها وبذلك دفعتهم إلى صياغة مبدأ حفظ الطاقة كمبدأ علمي أساسي ( Michio Kaku : Physics of The Impossible . 2008 . Doubleday ).
من جهة أخرى ، يقسِّم كاكو المستحيلات إلى ثلاثة أقسام هي : أولا ً ، المستحيلات المستحيلة اليوم و التي لا تعارض قوانين الفيزياء المعروفة. وبذلك هذه المستحيلات قد تغدو ممكنات و وقائع في هذا القرن أو القرن الذي يليه . مثل ذلك الانتقال عن بُعد. هذه التقنية التي كانت مستحيلة أصبحت اليوم ممكنة على الأقل في نطاق نقل الذرات عن بُعد . ثانيا ً ، ثمة مستحيلات إذا أمست ممكنات فستتحقق بعد آلاف او ملايين من السنين في المستقبل . مثل ذلك آلة الزمن التي من المفترض أن نسافر بها إلى الماضي أو إلى المستقبل . ثالثا ً، ثمة مستحيلات تناقض قوانين الفيزياء المعروفة ، لكن عددها قليل . و إذا ما اتضح أنها ممكنات سيمثل هذا تحوّلا ً أساسيا ً في فهمنا للفيزياء . مثل على هذه المستحيلات هو آلة الحركة الأبدية . بالنسبة إلى كاكو هذا التقسيم للمستحيلات ضروري لأن الذي نعتبره مستحيلا ً هو بالفعل مستحيل بالنسبة إلى حضارتنا البدائية ليس إلا. فالتقنيات المستحيلة بالنسبة إلى حضارتنا الحالية ليست بالضرورة مستحيلة بالنسبة إلى حضارات أكثر تطورا ً من حضارتنا. فمثلا ً السفر عبر النجوم مستحيل علينا بسبب البُعد الشاسع بين النجوم . لكن هذا السفر المستحيل بين النجوم ممكن بالنسبة إلى حضارة أخرى متطورة عنا بقرون أو آلاف أو ملايين من السنين ( المرجع السابق ).
يناقش كاكو المستحيلات التي قد تمسي ممكنات كتقنية الانتقال عن بُعد وهي القدرة على النقل الفوري لفرد أو لشيء من مكان إلى آخر من دون المرور بالمسافة الفاصلة بين المكانين المعنيين.
لهذه الإمكانية أساس علمي صلب يعتمد على ميكانيكا الكم ّ. بالنسبة إلى ميكانيكا الكم ّ، الجسيمات تختفي فجأة وتظهر فجأة في مكان آخر . فمثلا ً الإلكترونات تتصرف كالموجات ولها القدرة على أن تقفز كميا ً Quantum Leap بين مكانين من دون قطع المسافة بينهما . في نموذج ميكانيكا الكم من غير المحدَّد سرعة الجسيم ومكانه في الوقت ذاته ، و الجسيمات تتصرف كأنها جسيمات وموجات في آن ، كما أن الجسيم كالإلكترون من الممكن أن يوجد في أمكنة عديدة مختلفة في الوقت نفسه . على هذه الأسس تصبح تقنية الانتقال عن بُعد ممكنة ؛ فبما أنه من الممكن للإلكترون أن ينتقل عن بُعد ، إذن من الممكن لأي شيء آخر أن يقوم بذلك ايضاً علما ً بأن الأشياء مكوّنة من إلكترونات . وهذه التقنية تعتمد بشكل أساسي على التشابك الكمي Quantum entanglement حيث يؤثر جسيمان على بعضهما البعض رغم البُعد المكاني الهائل بينهما . فالمعلومات في جسيم معين تنتقل فوريا ً إلى جسيم آخر ما يجعل الانتقال عن بُعد ممكنا ً. وبالفعل تمكن العلماء من تحقيق الانتقال عن بُعد فنقلوا عن بُعد كل المعلومات في الجسيم كما تمكنوا لاحقا ً من نقل الفوتونات وبعض الذرات عن بُعد ( المرجع نفسه ).
من المنطلق ذاته الذي ينتقد فيه ميشيو كاكو ثنائية المستحيل و الممكن ، تنتقد الفلسفة المعاصرة ثنائية القول التحليلي و القول التركيبي. يعتبر التقليد الفلسفي أنه ثمة فرق شاسع بين القول التحليلي الصادق من جراء معاني ألفاظه و القول التركيبي الصادق على ضوء ما يوجد في الواقع . مثل على القول التحليلي هو " القطط حيوانات " ؛ فعبارة " القطط حيوانات " عبارة صادقة من جراء معنى مفهومي " القطط " و " الحيوانات " . أما القول " ثمة شجرة في الدار " فهو قول تركيبي لأنه قول صادق فقط في حال وجود شجرة في الدار ؛ أي أنه قول صادق بفضل الواقع و ليس من جراء معاني ألفاظه . هذا التقسيم بين الأقوال التحليلية و التركيبية أرساه كانط بدقة . لكن الفيلسوف بتنم و الفيلسوف كوين ينتقدان هذا التمييز . من الممكن تقديم حجتهما الأساسية على صدق موقفهما على النحو التالي : إذا وجد تمييز بين القول التحليلي و التركيبي ، إذن القول " القطط حيوانات " هو قول تحليلي وبذلك هو قول صادق في كل عالم ممكن ، أي من المستحيل أن يكون كاذبا ً .
لكن من الممكن أن يكون كاذبا ً . لذا لا يوجد فرق حق بين الأقوال التحليلية و التركيبية . ومن الممكن أن يكون القول " القطط حيوانات " قولا ً كاذبا ً بسبب إمكانية أن تكون القطط مجرد آلات . فمن الممكن أن تكون القطط مجرد آلات في عالم ممكن رغم أنها تشبه قططنا الواقعية في شكلها الخارجي وفي تصرفاتها (.Quine : From A Logical Point of View. 1980 Harvard University Press ).
لكن نقد التمييز بين القول التحليلي والقول التركيبي هو ذاته نقد التمييز بين المستحيل و الممكن . هذا لأن بالنسبة إلى الفلسفة التقليدية القول التحليلي هو الصادق في كل عالم ممكن وبذلك هو الذي من المستحيل أن يكون كاذبا ً ، بينما القول التركيبي هو الذي من الممكن أن يكون كاذبا ً .
كل هذا يرينا أنه لا يوجد فرق جذري بين المستحيل و الممكن . هكذا يتم تفكيك المستحيل و الممكن ؛ فثنائية المستحيل و الممكن ثنائية كاذبة . لكن لماذا لا يوجد فرق حاسم بين المستحيل و الممكن ؟ تجيب السوبر حداثة على النحو التالي : من غير المحدَّد ما هو المستحيل وما هو الممكن ، لذا من الطبيعي أن لا يوجد فرق جذري بين المستحيل و الممكن. هكذا تكتسب السوبر حداثة قدرتها التفسيرية ؛ فهي هنا تفسِّر لماذا تزول ثنائية المستحيل و الممكن . فبالنسبة إلى السوبر حداثة ، من غير المحدَّد ما هو الكون ، لكن رغم ذلك من الممكن معرفته لأن من خلال لامحددية الكون من الممكن تفسيره .
وبما أنه من غير المحدَّد ما هو الكون ، إذن من الطبيعي أن يكون من غير المحدَّد ما هو المستحيل و الممكن ، ولذا المستحيل قد يغدو ممكنا ً ولذا أيضا ً تختلف النظريات العلمية و الفلسفية حول ما هو مستحيل وما هو ممكن . المستحيل ممكن صامت.





الرابط : http://egyptianoasis.nileweb.com/content/view/75/2/


الاثنين، 23 مارس 2009

نظريات المعرفة وصراعها


الفلاسفة غيتر ووليمسون وكوين:

نظريات المعرفة وصراعها



حسن عجمي

تتنوع نظريات المعرفة وتختلف، وما زال الصراع قائماً بين الفلاسفة حول ما هي المعرفة. نعرض هنا بعض النظريات الأساسية في المعرفة ومعالم نجاحها وفشلها.
يبدأ تاريخ فلسفة المعرفة بتحليل افلاطون للمعرفة وهو التالي: المعرفة هي اعتقاد صادق مبرهن عليه. هذا يعني مثلاً اننا نعرف ان الأرض تدور حول الشمس. اذاً، وفقط اذاً، كانت الأرض تدور حول الشمس، ونحن نعتقد ذلك ولدينا برهان أو براهين على صدق اعتقادنا هذا لكن الفلسفة المعاصرة اظهرت فشل هذا التحليل التقليدي للمعرفة، واشتهر الفيلسوف غيتر بنقده له. من الممكن تقديم نقده على النحو التالي: لنتصور اننا ننظر الى ساعة الجامعة فنرى انها تشير الى ان الوقت هو الواحدة ظهراً، كما لدينا برهان على صدق اعتقادنا بأن الوقت هو الواحدة ظهراً لاننا كنا نعتمد على تلك الساعة في معرفة الوقت وكانت تلك الساعة تشير دائماً الى الوقت الصحيح لكن الحقيقة هي ان تلك الساعة معطلة، وقد تعطلت البارحة حين كانت تشير الى الواحدة ظهراً وانها مجرد صدفة اننا اليوم نظرنا الى تلك الساعة حين كان الوقت حقاً الواحدة ظهراً. بما ان تلك الساعة معطلة، اذن نحن لا نعرف انها الواحدة ظهراً؛ فمجرد الصدفة جعلتنا ننظر الى تلك الساعة حين الوقت كان حقاً الواحدة ظهراً وبالصدفة فقط توقفت البارحة تلك الساعة مشيرة الى الواحدة ظهراً. على هذا الاساس لدينا اعتقاد صادق مبرهن عليه لكن ليس لدينا معرفة؛ فالوقت هو الواحدة ظهراً ونعتقد ولدينا برهان عليه لكننا لا نعرف انها الواحدة ظهراً لأننا اعتمدنا في ذلك على ساعة معطلة . هكذا يظهر غيتر خطأ تحليل المعرفة على انها مجرد اعتقاد صادق مبرهن عليه (John:Pollock: Contemporary Theories of Knowledge 1986. Rowman &Littlefield Publishers).
كما تحتشد نظريات أخرى في المعرفة عبر التاريخ منها نظرية الانسجام التي تقول إن معتقدنا يشكل معرفة متى انسجم مع معتقداتنا الأخرى كافة. هكذا يكون النظام الفكري الذي يكون معرفة هو النظام الحاوي على معتقدات منسجمة في ما بينها. لكن المشكلة الأساسية لهذا المذهب كامنة في أن من الممكن ان تنسجم معتقداتنا في ما بينها من دون أن تنجح في التعبير عن الواقع، وبذلك لا تشكل معتقداتنا حينها معرفة حقة. ومشكلة أخرى تواجه هذا الموقف هي أن من الممكن وجود أنظمة فكرية مختلفة ومتعارضة في ما بينها رغم ان كل نظام منها منسجم ذاتياً. مثل ذلك ان نظرية النسبية لأينشتاين منسجمة أفكارها فيما بينها لكنها تعارض وتناقض نظرية ميكانيا الكم المنسجمة الأفكار ايضاً. وبذلك يستجيل على ضوء الانسجام الفكري فقط ان نتمكن من الحكم على أية نظرية او نظام فكري هو الذي يشكل معرفة حقاً دون نظام فكري آخر. ومن النظريات الأخرى التى طرحها الفلاسفة نظرية الأسس في المعرفة التي تقول إنه يوجد بعض المعتقدات الأساسية التي لا تحتاج الى برهنة لأنها بديهية، وعلى ضوء تلك المعتقدات تتم البرهنة على المعتدات الأخرى ويتم تشكيل المعرفة. لكن المشكلة الأساسية التي تواجه هذا المذهب قائمة في أن لا يوجد معيار على اساسه ننجح في اختيار ما هو بديهي وأساسي من المعتدات؛ فما هو بديهي بالنسبة لذا الفرد قد لا يكون كذلك بالنسبة الى فرد آخر (المرجع السابق).
من مذاهب المعرفة أيضاً مذهب يدعي ان الاتفاق على قبول معتقد ما يجعله معرفة وعلى اساسه تتم البرهنة على المعتقدات الأخرى واكتسابنا للمعرفة. ومشكلة هذا المذهب انه لا يوجد ضامن يضمن ان مجرد اتفاقنا على معتقد معين يجعل هذا المعتقد معرفة حقة؛ فقد تتفق على ما هو كاذب بشكل دائم ومستمر. ولقد تطورت فلسفة المعرفة فنشأت النظرية السببية في المعرفة ومفادها التالي: معتقداتنا تشكل معرفة متى كانت مسببة من قبل الوقائع في العالم. وهذا يعني اننا نعرف ان الارض تدور حول الشمس اذاً وفقط اذاً كنا نعتقد بذلك، وفعلاً الارض تدور حول الشمس، ودورانها هذا هو سبب اعتقادنا بأنها تدور حول الشمس.
هكذا نضمن ارتباط ما نعتقد بما هو في الواقع فنضمن المعرفة كما يزعم أصحاب هذه النظرية. لكن مشكلة هذه النظرية هي انه لا يوجد ما يضمن ان العلاقات السببية تستلزم تحقيق المعرفة، فقد تكون العلاقة السببية بيننا وبين العالم مسببة لمعتقدات كاذبة عن العالم ولذا اكتسبت الانسانية معتقدات خاطئة كثيرةعبر تاريخها وقد نكون مجرد متوهمين بأن ثمة عالماً مرتبطاً بنا سببياً. بالاضافة الى ذلك، ثمة مذهب في المعرفة ينفي حصولها أصلاً وهو المذهب الشكي الذي يؤكد على التالي: من الممكن أن نكون في مجرد حلم فكل ما نرى ونسمع ونعتقد ليس سوى احداث في حلم أو كابوس لعين، وبذلك يستحيل علينا ان نتأكد من حصولنا على اية معرفة. فحكل دليل أو متعقد قد يكون مجرد حلم اخترعناه في نومنا السرمدي او اغوانا به الشيطان. ومشكلة المذهب الشكي في انه يوقف البحث عن المعارف على نقيض مما نسعى اليه، ومشكلته ايضاً انه يطالبنا بمعرفة يقينية لكننا لا نحتاج اليها بل قد نكتفي بمعرفة على الأرجح ان تكون صادقة أو من الممكن أن تكون صادقة (المرجع السابق).
أما الفيلسوف وليمسون فيقلب المعادلة الفلسفية التقليدية ويعتبر ان المعرفة مفهوم أولي لا يحتاج الى تحليل بل من خلاله لا بد من تحليل المفاهيم الأخرى. مثل ذلك ان المعرفة هي التي تبرهن على المعتقدات بدلاً من ان تكون التي لا بد ان يبرهن عليها. ودليله على ذلك اننا اذا طولبنا بالبرهنة على صدق كل اعتقاد لدينا فسوف تتسلسل عملية البرهنة الى ما لا نهاية. من هنا لا بد ان تتوقف عملية البرهنة عند المعرفة، وبذلك نحل مشكلة التسلسل اللانهائي لعملية البرهنة. من هنا يستنتج وليمسون صدق موقفه؛ فبما ان سلسلة البرهنة لا بد أن تتوقف، ولنا الحق في ايقافها عند ما نعلم، اذن المعرفة تسبق عملية البرهنة ولا تحتاج الى برهنة بل من خلالها تتم البرهنة على المعتقدات الأخرى، كما يطبق وليمسون فلسفته على النطق ومتي ينبغي ان ننطق بعبارة أو أخرى. بالنسبة اليه، لا بد ان ننطق بعبارة ما فقط إذا كنا نعرف ان تلك العبارة صادقة. هكذا يتم تحليل ضرورة وإمكانية النطق بالعبارات من خلال المعرفة التي تغدو هي الاساس في تحليل المفاهيم. فالمعرفة هنا تعبر عن ممارساتنا لعمليات النطق. من المنطلق ذاته، لا بد ان نعتقد بمعتقد ما فقظ اذا كنا نعرف انه معتقد صادقأو ان بعض ما نعرف يبرهن على صدق ذاك المعتقد. هكذا يتم تحليل الاعتقاد من خلال المعرفة كما يتم تحليل البرهنة بالضبط؛ فمجموع ادلتنا على صدق معتقد معين هو مجرد مجموع معارفنا. من هنا يعرف وليمسون مفاهيم النطق والاعتقاد والبرهنة من خلال المعرفة على نقيض مما كان يفعل الفلاسفة قبله (Timothy Wiliamson: Knowledge and its Limits.2000.Oxford University Press).
لكن المشكلة الأساسية التي قد تواجه هذا الاتجاه الفلسفي هي انه يسلم بأن لدينا معرفة وعلى ضوء ذلك يحلل المفاهيم الأخرى من خلال المعرفة، بينما المطلوب هو البرهنة على اننا نملك معرفة، وبذلك يقع موقف وليمسون في المصادرة على المطلوب الا وهو التسليم مسبقاً بما هو مطلوب ان نبرهن عليه.لكن هل لدينا معرفة ام لا؟ تتنوع الاجابات الفلسفية المعارضة للموقف الشكي ومنها نظرية الفيلسوف كوين المعتمدة على النظرية الداروينية. بالنسبة الى كوين، نملك معرفة لأننا ان كنا لا نملك معرفة لن نتمكن من البقاء احياء. مثل ذلك اذا لم نكن نعرف ما يفيدنا وما يضرنا ما كنا وما كانت البشرية لتنجح في الاستمرار على قيد الحياة في ظروف الصراع الدامي بين الكائنات الحية فيما بينها من جهة وبينها وبين الطبيعة من حولها من جهة اخرى. (Quine: Ontological Relativity&Other essays.1969 Columbia University press).
لكن من الممكن تفسير بقاء الجنس البشري واستمراريته من خلال حصوله على المعتقدات المفيدة في البقاء بدلا من خلال الاصرار على ان الانسان يملك معرفة. مثل ذلك ان الانسان ينجح في الاستمرار على قيد الحياة لأن لديه معتقدات مفيدة في تجنب الضرر والاقبال على المفيد لبقائه. من هنا قد لا نحتاج الى ادعاء ان الانسان لديه معرفة بالعالم لكي نفسر استمراريته في الحياة. كل هذا يرينا ان لدينا نظريتين متعارضتين: نظرية تقول اننا احياء لأن لدينا معرفة، ونظرية اخرى تقول اننا احياء لأننا نملك معتقدات مفيدة. وبذلك تنجح كل من النظريتين في تفسير استمرارية الجنس البشري، وبذلك تكون لكل نظرية منهما قدرة تفسيرية متساوية مع النظرية الأخرى ما يجعلنا غير قادرين على الحكم على اية نظرية منهما هي النظرية الأصدق.
من هنا من غير المحدد اذن اية نظرية منهما هي النظرية الصادقة ما يعني انه من غير المحدد ما اذا كنا نملك معرفة ان لا كما تدعي السبر حداثة بالضبظ, وبما انه من غير المحدد ما اذا كنا نملك معرفة ام لا كما تدعي السوبر حداثة بالضبط. وبما انه من غير المحدد ما اذا كنا نملك معرفة ام لا، فمن الطبيعي اذن ان يستمر الصراع حول ما اذا كانت لدينا معرفة ام لا. هكذا تنجح السوبر حداثة في تفسير استمرارية الصراع الفلسفي حول امكانية الحصول على المعرفة او عدم امكانية ذلك.رأينا ايضا تعرض نظريات المعرفة المختلفة الى مشاكل عدة، وتفسير ذلك يكمن في ان من غير المحدد ما هي المعرفة تماماً كما تقول السوبر حداثة. فيما ان من غير المحدد ما هي المعرفة، من الطبيعي اذن ان نفشل في تقديم تحليل وتعريف صادق للمعرفة. هكذا لا محددية المعرفة تكتسب قدرتها التفسيرية فمقبوليتها. من جهة اخرى، نجد ان النظريات العلمية تعارض بعضها البعض، فمثلا تعتبر نظرية النسبية لأينشتاين ان الكون حتمي بينما تعتبر نظرية ميكانيكا الكم ان الكون غير حتمي. لكن العلم يشكل معرفة كما نفترض.
من هنا تقدم العلوم معارف متعارضة في ما بينها، ولذا من غير المحدد ما هي المعرفة. مثل ذلك انه من غير المحدد ما اذا كانت نظرية النسبية لأينشتاين هي التي تكون معرفة ام ان نظرية ميكانيكا الكم هي التي تشكل معرفة. بالاضافة الى ذلك، تقول ميكانيكا الكم ان من غير المحدد ما اذا كانت قطة شرودنغر حية ام ميتة. ولهذا المبدأ تفاسير عدة ومختلفة منها انه يوجد عالمان: عالم حيث قطة شرودنغر حية وعالم آخر حيث القطة نفسها ميتة. وتفسير آخر هو ان الوعي يشكل الكون، فقط اذا نظرنا الى قطة شرودنغر سوف ندرك انها اما حية واما ميتة وحينها فقط تكون تلك القطة اما حية واما ميتة. هكذا من غير المحدد مضمون مبدأ ميكانيكا الكم، فهل هو التفسير الاول ام الثاني؟ من هنا عندما نعرف ان من غير المحدد ما اذا كانت قطة شرودنغر حية ام ميتة، فنحن لا نعرف مضمون معرفتنا هذه، وبذلك من غير المحدد ما هي المعرفة. بكلام آخر، من غير المحدد ما نعرف، ولذا لدينا نظريات علمية متعارضة ولذا ايضا مضامين معرفتنا مضامين غير محددة المعاني والدلالات.






الجمعة، 20 مارس 2009

النظرية الأكثر صحة هي النظرية الأكثر جمالاً


النظرية الأكثر صحة هي النظرية الأكثر جمالاً


حسن عجمي

نعرض في هذا المقال صراع بعض النظريات العلمية وبحث الفلاسفة والعلماء عن معنى الحقيقة وارتباطها بالجمال. والأسئلة الأساسية التي نحاول الإجابة عليها هي: هل الجمال معيار العلم؟ لماذا تتصف الحقيقة بالجمال؟ وما هو الجمال/ لكن شعوباً كشعوبنا التي ترفض العلم والعقل والمنطق ترفض أيضاً الجمال وتبقى في قبح يقينياتها الكاذبة.
تختلف النظريات العلمية وتتصارع. نرصد هنا نظريتين علميتين متنافستين هما نظرية التضخم والنظرية الدورية. لقد عبر الفيزيائي الن غوث عن نظرية التضخم بقوله إن الكون البدائي قد تضخم بشكل هائل في مدة زمنية قصيرة جداً ما جعل الكون منسجماً ومسطحاً. هكذا تفسر نظرية التضخم لماذا الكون منسجم ومسطح. أما الفيزيائيان بول ستينهردت ونيل طورق فيعبران عن النظرية الدورية على النحو التالي: ثمة غشاءان يصطدم أحدهما بالآخر بشكل مستمر وفي فترات زمنية متباعدة. وكل اصطدام بينهما هو انفجار عظيم ينشأ الكون من خلاله، وبذلك يتكون الوجود من دورات متكررة من انفجارات عظمى عديدة تؤدي الى لا نهاية. هكذا الكون أزلي فلا بداية ولا نهاية للوجود. الآن، بما أن الغشاءين يتصادمات لينشأ العالم الذي نعرفه، فمن الطبيعي أن يكون الكون مسطحاً ومنسجماً. هكذا تفسر النظرية الدورية لماذا الكون مسطح ومنسجم وتنجح في ذلك تماماً كما تنجح نظرية التضخم(DOUBLEDAY PAUL STEINHARDT AND NEIL TUROK: ENDLESS UNIVERSE. 2007). لكن بما أن النظريتين نظرية التضخم والنظرية الدورية ناجحتان، فما هو المعيار الذي يمكننا من الحكم على أي واحدة منهما هي النظرية الصادقة؟ الأدلة العلمية تشير الى صدقهما معاً، لكنهما تناقضان إحداهما الأخرى، وبذلك لا بد من اختيار نظرية واحدة منهما. من هنا، هل النظرية الأجمل من بينهما هي النظرية الأصدق؟ أي هل الجمال هو الذي يدلنا على الحقيقة؟ فبعد أن تضاربت الأدلة العلمية يغدو البحث عن الجمال كمعيار للعلم والحقيقة بحثاً موضوعياً.بالإضافة الى ذلك، تتنوع نظريات الحقيقة والواقع وتختلف. فمثلاً يقول نيتشه: "لا توجد حقائق، بل فقط تفاسير". ويضيف: "الحقائق أوهام نسينا اأنها أوهام". ويختصر نيتشه فلسفة ما بعد الحداثة في قوله إن "الحقيقة نوع من الخطأ من دونه لا تحيا بعض الأجناس الحيوانية الحية". هكذا يكون نيتشه أبو ما بعد الحداثة. فبالنسبة الى ما بعد الحداثة، لا يوجد خيط فاصل بين الحقيقي وغير الحقيقي، بل كل شيء نسبي. يعتبر هذا النموذج الفكري أننا
مسجونون في منطق أو آخر ويستحيل علينا الخروج من جلودنا وأفكارنا كي نرى العالم كما هو. على هذا الأساس يقول الفيلسوف البراغماتي وليم جيمسك "من الصعب جداً أن نجد الواقع مستقلاً عن التفكير الإنساني". وهذا ما يؤكد عليه الفيلسوف البراغماتي المعاصر رورتي حين يدافع عن المبدأ التالي: "لا توجد طريقة على ضوئها يوجد الكون من دون وصف معين للكون". وهذا يعني أن الواقع يعتمد في وجوده وتشكله على ما نفكر فيه؛ فالكون والوجود غير منفصلين عن العقل وفكره. لقد امتد هذا الموقف الى العلوم حيث يؤكد الفيزيائي ويلر أن الوعي يشكل الواقع على أساس ما تقوله ميكانيكا الكم. بالنسبة الى ميكانيكا الكم هذه، من غير المحدد ما إذا كان الجسيم جسيماً أم موجة. لكن متى نظرنا اليه وأدركناه يغدو إما جسيماً وإما موجة. هكذا الوعي يبني الكون ما يجعل الوجود معتمداً على الفكر وبذلك باختلاف الفكر يختلف الواقع فتزول بذلك الحقيقة المطلقة، كما يزول اليقين. هذا ما عبر عنه رورتي قائلاً: إن من المستحيل الخروج من معتقداتنا ولغتنا كي نحكم على ما هو الصادق في الواقع باستقلال عما نعتقد وكيف نتكلم. وقد عبر عن ذلك الفيلسوف دريدا قائلاً إنه لا يوجد شيء خارج النص. أما فلسفة الحداثة فتعتبر أن الواقع مستقل عن العقل والتفكير وأن من الممكن معرفة العالم كما هو؛ فالحقيقة غير نسبية (SIMON BLACKBURN: TRUTH.2006.PENGUIN BOOKS).
لكن من الممكن دوماً الخروج عما هو سائد واعتبار أن الحقيقة هي الجمال. وهذا ما عبر عنه الشاعر كيتز KEATS حين قال: "الجمال هو الحقيقة، والحقيقة هي الجمال، هذا كل ما تعرف وكل ما تحتاج أن تعرف". من هذا المنطلق يؤكد العديد من العلماء على أن الجمال معيار العلم؛ فالنظرية العلمية المقبولة هي التي تتصف بالجمال. ومفهوم الجمال يتضمن مفاهيم عدة منها الانسجام بين أجزاء العمل العلمي أو الفني ومنها بساطة التعبير العلمي والفني رغم عمقه. هكذا تتفق العلوم مع الفنون؛ فكل من العلم والفن يسعى الى الجمال كما أكد الفيزيائي شندرسكار الذي حاز على جائزة نوبل لدراسته حول نشوء النجوم وتطورها. ويعبر الفيزيائي هيزنبرغ عن الموقف نفسه قائلاً إذا هدتنا الطبيعة الى نظريات علمية ورياضية بسيطة ومتجانسة وجميلة لا نستطيع سوى أن نعتبر أنها صادقة. أما عالم الرياضيات هاردي HARDY فيقول إن عالم الرياضيات صانع أنساق فكرية وإن الجدية والجمال هما المعياران للحكم عن تلك الأنساق. كما أن الفيزيائي
وينبرغ WEINBERG يؤكد على أهمية الجمال في النظريات الفيزيائية. بالنسبة الى وينبرغ، الجمال يساعد الفيزيائيين في بناء نظرياتهم العلمية كما في الحكم على صدقها؛ فالنظرية الأجمل هي النظرية الأصدق. والفيزيائي لي سمولن لا يختلف عن زملائه حين يقول إن الفيزيائيين كالفنانين يبنون بناءات إذا نجحت تعبر عن الواقع لكنها مجرد نتاج الخيال الإنساني، كما أن الجمال يحكم العمل الفني كذلك يحكم الجمال العلم ونظرياته. وما زال العلماء يبحثون عن النظرية الصادقة في الكون. لكن هذا ما يقوله الفيزيائي ويلر WHEELER عنها: عندما نجدها ستكون بسيطة وجذابة وجميلة للغاية (MODERN SCIENCE WRITING.2008.OXFORS UNIVERSITY PRESS RICHARD DAWKINS).

هكذا يكون الجمال معيار العلم وأساسه تماماً كما أن الجمال معيار الفنون والآداب وأساسها. من هنا لا فرق جذرياً بين العلوم والفنون والآداب، ومن هنا أيضاً تشكل العلوم والفنون والآداب حقلاً إبداعياً واحداً لا يتجزأ. الشعوب المتطورة في العلم متطورة في الأدب والفن والعكس صحيح، والشعوب المتخلفة في العلم متخلفة في الأدب والفن والعكس صحيح أيضاً. لكن لماذا لا يوجد فرق جذري بين العلوم والفنون والآداب؟ تجيب السوبر حداثة قائلة إن من غير المحدد ما هو العلم والفن والأدب ولذا من الطبيعي أن لا يوجد فرق جذري بينها. هكذا تكتسب السوبر حداثة قدرتها التفسيرية.
بالنسبة الى العلماء، الجمال متحالف مع الحقيقة ومتحد معها في الواقع الذي ينتظر اكتشافه. فمثلاً، الفيزيائي غراهام فرميلو GRAHAM FARMELO يصر على أن المعادلات العلمية جميلة تماما كالعمل الفني. وعندما سئل الفيزيائي بول ديريك PAUL DIRAC أن يلخص فلسفته كتب على اللوح: "القوانين الفيزيائية لا بد أن تملك جمالاً رياضياً (SIAN EDE: ART&SCIENCE). هكذا تتحد الفلسفة والعلم والفنون في حقل واحد هو حقل الإنسانية؛ فالأعمال الفلسفية والعلمية والأدبية والفنية مصدرها الآليات العقلية ذاتها. من جهة أخرى، العلم فن بالفعل بينما الفن علم بالقوة. فمثلاً بعض العلماء يعتبرون أن الصور العلمية لعالم المجرات والنجوم عالم ما دون الذرة هي نوع جديد من الفن الجمالي المجرد.لكن إذا كان الجمال هو الحقيقة والحقيقة هي الجمال بمعنى أن هويتهما واحدة، فما هو الجمال؟ تنقسم فلسفة الجمال الى مذهبين أساسيين هما المذهب الواقعي والمذهب اللاواقعي. بالنسبة الى المذهب الواقعي، الجمال يتكون من صفات موضوعية
كالانسجام والبساطة القائمة في ذات الأشياء أو الأعمال. أما بالنسبة الى المذهب اللاواقعي، فالجمال يتشكل من صفات ذاتية غير موضوعية وكامنة في ذات المتلقي. فيحلل المذهب اللاواقعي الجمال من خلال تأثيره على الإنسان وشعوره كأن يكون الجمال هو الذي يثير الدهشة والاعجاب. لكن من الممكن الخروج عن التقليد الفلسفي واعتماد السوبر حداثة التي تعتبر أن من غير المحدد ما هو الجمال. ولهذا الموقف قدرته التفسيرية. فمثلاً، بما أن من غير المحدد ما هو الجمال، إذن من الطبيعي أن يمتلك الجمال صفات موضوعية متعلقة بالأشياء والأعمال وصفات ذاتية متعلقة بالإنسان ونظرته وشعوره، كما من الطبيعي أن تختلف نظرياتنا في الجمال وتقييمنا لما هو جميل. وبما أنه من غير المحدد ما هو الجمال، فمن المتوقع أن يتجسد الجمال في الأعمال الفنية والعلمية معاً وأن يكون أساساً للعلم كما هو أساس الفن والأدب والشعر. هكذا تفسر السوبر حداثة الحقائق السابقة. فالجمال غير محدد كما الحقيقة غير محددة. ولذا تنجح النظريات العلمية المختلفة في تفسير الحقائق رغم تعارضها تماماً كما تنجح في الأعمال الأدبية والفنية رغم تعارضها واختلافها.
أخيراً، كان للاعتبار الجمالي دور في رفض اينشتاين للنظريات العلمية السائدة وإبداعه لنظريته العلمية الخاصة. فبما أن تلك النظريات مفتقرة الى الجمال، وبما أن الفيزياء لا بد أن تعبر عن جمالية الطبيعية، لا بد من رفض تلك النظريات السائدة واستبدالها بنظرية علمية جميلة. هكذا فكر اينشتاين وأكد على جمالية نظريته حين قال: كل من يفهم النظرية النسبية لن ينجو من جمالها الساحر، على هذا الأساس، أصبح الجمال عصب العلم وقلبه النابض، ما دعا الفيزيائي ميشيو كاكو الى أن يرى معادلات الفيزياء كأنها قصائد الطبيعة؛ فبالنسبة الى كاكو المعدلات الفيزيائية الأجمل هي التي تعبر حقاً عن الطبيعة. وهذا ما أكده أيضاً الفيزيائي ريتشارد فاينمن RICHARS FEYNMAN حين قال إننا نتمكن من معرفة الحقيقة من خلال جمالها وبساطتها (MICHIO KAKU HYPERSPACE.1994.OXFORS UNIVERSITY PRESS). لكن ما الذي يجعل الحقيقة تتصف بالجمال؟ تجيب السوبر حداثة، على النحو التالي: بما أن الحقيقة غير محددة، إذن للحقيقة مستويات عديدة ومختلفة من المعاني والدلالات والمقاصد، وبذلك تدهشنا دوماً وتثير اعجابنا. هكذا تفسر السوبر حداثة لماذا الحقيقة تتصف بالجمال. ولأن الحقيقة غير محددة تماماً كالجمال يصوغهما الإنسان على ضوء لا يقينه فتتنوع النظريات وتختلف. الإنسان صانع الحقيقة والجمال ومصنوعهما.







الاثنين، 16 مارس 2009

السوبر تخلف كتاب لحسن عجمي: صدمة المدنية إزاء السائد في سرديات لما بعد الحداثة


(السوبر تخلف كتاب لحسن عجمي)...

صدمة المدنية إزاء السائد في سرديات لما بعد الحداثة
جهل علمي واستهلاك شره يتفاقم



لاشك ان العنوان يمثل عتبه مفضية الى النص ، وهذا العنوان يقوم على احداث الترويع والصدمة ، لانه يمنح التخلف سمه هي كونه ((سوبر)) لاحداث المفارقة واعطاء التوصيف الاثر المفاجئ للمتلقي.وقد اشار الباحث حسن عجمي الى هذا: استخدم مفهوم 'السوبر' كي اميز هذا المشروع عن المشاريع الاخرى. فالسوبر اصولية تختلف عن الاصولية. والسوبر حداثة تختلف عن الحداثة وما بعد الحداثة، والسوبر مستقبلية تختلف عن المستقبلية. السوبر حداثة تدرس الاكوان الممكنة. واذا نظرنا الى الاكوان الممكنة مجتمعة ولكونها مختلفة عن بعضها ستغدو حقائقها غير محددة. لذا تعتمد السوبر حداثة علي اللا محدد من اجل الوصول الى المعرفة. فبينما الحداثة تقول ان الكون محدد ولذا من الممكن معرفته، تعتبر ما بعد الحداثة ان الكون غير محدد ولذا من غير الممكن معرفته. اما السوبر حداثة فتؤكد على انه على الرغم من لا محدديه الكون من الممكن معرفته لأن من خلال لا محدديته نتمكن من تفسيره. هكذا تختلف السوبر حداثة عن الحداثة وما بعد الحداثة. اما السوبر مستقبلية فتعتبر أن الماهيات محددة في المستقبل فقط، ولذا تقدم التفاسير وتحلل المفاهيم من خلال المستقبل. هذا يعني ان السوبر مستقبلية تدرس الحاضر والماضي من خلال المستقبل على عكس ما تقوم به المستقبلية التي تحاول التنبؤ بالمستقبل من خلال ما يجري في الحاضر وما جرى في الماضي. بالنسبة إلى السوبر مستقبلية التاريخ يبدأ من المستقبل.(1)لقد كان الباحث خلال تلك المفاهيم والتوصيفات في كتاب ((سوبر تخلف)) -موضوع هذه القراءة- صادم في اماكن الا انه في اماكن اخرى انهارت ادواته دون بلوغ المراد ، والسبب هي ذات المفاهيم التي اراد توظيفها في مكان كانت صالحة له الا انها لم تكن كذلك في مكان اخر.هذا ماسوف نكشفه من خلال عرضنا لموضوعات برع الكاتب في احداث الصدمة والترويع فيها الى حد اثار الشجون احيانا ، فهو يبدا تدوينه بـ (السوبر تخلف) فيقول : " الشعب المتخلف هو الشعب الذي لاينتج ماهو مفيد للبشرية وللعالم ، اما الشعب السوبر متخلف فهو الشعب الذي يطور التخلف ، وذلك من خلال تقديم الجهل على انه علم /ص9(2)ويضع هذا القول في معادلة او هكذا تبدو (التخلف = التكنولوجيا /العلم) اذ يؤكد انه مع نقص العلوم وزيادة التكنولوجيا يزداد التخلف.انه يريد القول ان الاستهلاك التقني مقابل الجهل بالفكر العلمي الذي انتج تلك التقنية ، دليل تخلف ، الا انه يضع معالجة مفادها : مع نقص التكنولوجيا بشكل هائل وازدياد العلم بشكل كبير سوف ينقص التخلف وبذلك يحدث التطور /ص11.الا انه يتحول من سياق المقارنة بين العلم والفلسفة والدين الى الصراع والقمع والمجتمع والارهاب والعدالة والفقر والانسان والحياة أي يتحول من ساق المعرفه الى الاجتماع والقيم ويرحل معه تلك الاحكام التي تمركز فيها على اتخاذ العلم بوصفه سفينة نجاه !فيقول في في مضمار الصراع = المحدد / اللامحدد ، ومفاد هذه الصورة ان جمود الهوية يجعل الصراع حاضرا واما ان ياخذ الصراع طابعا ثقافيا وحضاريا بحيث يبدو الصراع وكانه صراع بين الاديان والحضارات والدول والطبقات والقوميات /ص15 ويعلل هذا بالقول ان الصراع يعتمد علينا لاننا نحن من نحدد هوياتنا على اساس حضارتنا او قوميتنا او ديننا / ص16 ويجعل من اللاهوية أي اللامحدد بابا للانفتاح / اللامحدد هو طريقنا الى السلام ، اما المحدد فطريقنا الي الحرب والجحيم /ص16 وعلى هذه القاعدة تبزغ قاعدة منطقية صورية اخرى القمعوكانه يؤكد في ظل المحدد / او الهوية يزداد القمع لان القمع لديه يزداد في ظل توسع الدوله وزيادة تماسك المجتمع حيث يزداد القمع بزيادة القوة.فهو يقف عند (العلم) بقوه العلم = الفلسفة / الدين وهذا الرابطة بالعلم الذي بازديادة يقل التخلف بمعادلة اخرى هي ان مع زيادة الدين ونقصان الفلسفة سوف ينقص العلم والعكس صحيح أي ان العلم يزداد ويتطور مع زيادة الفلسفة ونقصان الدين.وهو هنا لا يقدم لنا ملامح الفلسفة ولامقياسه الذي يعتمد وكانه يريد القول بازدياد الاعتماد على العقل يتطور العلم. أي من حيث ادوات المعرفه في وقت يقف عند ظاهرة العنف = التكنولوجيا / العلم ، ويصدر حكما مفاده انه كلما زاد العلم نقص العنف ، ويعلل هذا بالقول لانجد العلماء وعلى مر التاريخ يدعون الى العنف /13.بالمقابل يؤكد ان طبقة السياسيين في الغرب والشرق كونها ليست طبقة علماء تسعى الى اقصى درجة من تحقيق العنف ، دون تبرير يعزز هذا الحكم باخر يقول فيه : نجد ان الشعوب او الجماعات التي تملك التكنولوجيا وقليلا من العلم تغدو عنيفة وارهابية. لهذا يخلص الى نتيجة : اما تطور علمي من دون تكنولوجيا وقليلا من العلم تغدو عنيفة وارهابية.لهذا ايضا يسعى الى نتيجة اخرى عن مقدمة صورية : " لابد من اما تطور علمي من دون تكنولوجيا متطورة واما تطور علمي وتكنولوجيا متواز بحيث مالك العلم يغدو مالك التكنولوجيا /13-14.اما في مقوله " الاستعمار والطغيان " فانه يرجع الاستعمار والطغيان بوصفهما ظاهرتين تعودان معا الى تخلف المجتمع وغياب العداله وهو تعليل تنويري يربط الفعل السياسي بعامل التنوير الفردي، من خلال اتخاذه التخلف السبب المباشر. رغم ان هناك اسباب كثيرة ، الا انه يغض النظر وهو هنا يردد مقوله الكواكبي وطابعها التنويري.اما مقوله الارهاب فهي ذات صلة بما سبق من المقولات وان عرضها بشكل منفصل الا انها صوريا مرتبطة بما سبق ، حيث ما تزال مقوله التخلف وغياب العدالة سببا في صياغة مقولة الارهاب = استحالة الحرب اللا تقليدية / العدالة.هنا مع قلة العدالة بفعل العدوان وقلة الامكانيات للمواجهة العسكرية يظهر الارهاب بوصفة ممارسة وليدة تلك الظروف التي يبرزها في العدوان الغربي الاسرائيلي يزداد الارهاب.فالعداله بوصفها احدى الاسباب التي هي بنظره تتمثل في ارتفاع درجة الحرية وحقوق الفرد المختلفة ونقصان الفرد ولاعدالة من دون انسانية الانسان فغناه وحريته وحقوقة. وهكذا يمضي تحليلة الظواهر الأجتماعية. وقد أخذ يعلل كيف تزداد الدولة بزيادة تماسك المجتمع من خلال ازدياد المحدد / أي الهوية.ألا أنه يضنع مقابل هذا اللامحدد اللاهوية بقوله : حين ينقسم المجتمع الي جماعات والدولة الى مؤسسات مختلفة كالمؤسسة التشريعية والتنفيذية والقضائية ينقص القمع وتتحقق درجة من الديمقراطية ولا تدري كيف توصل الى هذه الصياغة : هل الدولة الديمقراطية غير المتماسكة أو الضعيفة يقل فيها العنف والقمع وتزداد الديمقراطية ألا أننا يمكن صوغ القضية بالشكل التالي :في ظل توزيع السلطة الأجتماعية والسلطة السياسية على جهات متعددة تتعدد مصادر القرار أي يقل احتكار السلطة وتزاد في الوقت عينه الرقابة التشريعية على السلطة التنفيذية وهذا سوف يساهم في نقصان القمع بوصفه اختراقا للقانون والأخلاق.لكن هذه ديمقراطيات في الداخل ودول مهيمنة استعمارية في الخارج ؟ ألا أنه يبني هذه التصورات السابقة على نماذج غربية أما الواقع العربي فهو خارج النمذجه لان " الفرد زال منا بسبب القمع الممارس علينا من ظلم مما يدعي دولنا ومجتمعاتنا"\17التحويل : أذا ما تعاملنا مع النص الذي يقدمه "حسن عجمي" على سبيل التحليل والنسخ والاستثمار والتحويل والتوظيف ، نجد أنفسنا إزاء توصيف يعزل الخطاب الإيديولوجي عن الخطاب الابتمولوجي من ناحية عندما يقرر اختلاف فكري وقيمي بين العالم السياسي في النوايا والتوجهات نحو السلم والتحضير ، ألا أننا سوف نجد هناك ترابط من ناحية ثانية بين الايديولوجيا وبينه إخفاقها في علاقتها بالعلم. بمعني أن الهوية المنغلقة المعززة بقلة التطور العلمي مع مبالغة بالتقنية سوف تخلق فجوة ، وهذا قد نلمس اثارة في عالمنا العربي فرغم تقدم التقنية الا ان الرؤية العلمية النقدية متبخرة وقد حلت محلها تصورات إيديولوجية دوغمائية تصادر على المطلوب وتقدم توصيف يتسم بالثبات بوصفه حقيقة جوهرية. وبالتالي تغدو تلك الايديولوجيا هي العين التي تسيغ المعني الاحادي على عالمنا وكلما ازدادت هذه الايديولوجيا هيمنة صادرة المعني وأدخلتنا في العوالم المستحيلة المتناقضة اليوتوبيا التخيلية التي تحولت الى عالم مستحيل ضمن حدود العالم اليوم.الا انها باغترابها هذا تمارس تصدير ازمتها نحو الخارج خارج عالمها وافكارها الثابتة.رغم انها تعتمد على هذا الخارج في كل شيء يتعلق بعالمها الحقيقي الذي تنفيه وتعمل على تبخيسة لانه عالم متغير مقابل ماهو ثابت ولانه ناقص ماهو كامل.ان هذه الرؤية التي تتحكم في دعاة الهوية الثابتة الجوهرية تقود الي الانفلاق الذي يدخلنا في نسق مملئ من القطعيات او الحقائق المطلقة التي لاياتيها الباطل... الا اننا نلمس ان الاخر يمارس فعالية اخرى انه يستثمر هذا العالم وامكانياته في تعزيز الهيمنه وتبرير الحروب الكونية باليات بائسة تقوم على شرعية الحرب واهدافها السامية التي تزرع العدو المتخلف الذي صنعه العقل الغربي ضمن عوالم ممكنه او داخل عوالم متخيله يصدر ازمته ويعيد بناء مشاريعة في الوجود والفكر على اساس وجود عدو متخيلة.. وان على الغرب ان يقوم بالرساله من اجل خلاص الكوكب.. انها فعاليه اخرى اكثر تكوين ] ارهاب دولي رسمي = زيادة الهيمنة / العدالة [ من خلال سرديات اسطورية لما بعد الحداثة في هجانه فريدة.
عامر عبد زيد






الجمعة، 13 مارس 2009

حسن عجمي و الشعر الغرائبي المعاصر










الشعر الغرائبي المعاصر


حسن عجمي

لقد أصبح الشعر العربي المعاصر شعراً غرائبياً بامتياز من خلال اعتماده الكلي على وضع المفردات في غير موضعها وكأنه يوجد كومبيوتر ضخم يصنِّع أشعارنا. والشعر الغرائبي يبني جُملاً من مفردات غير مرتبطة أو غير متفقة نوعياً. والغرائبية ليست صياغة جديدة للأدب فلقد نشأت في الغرب وتطورت على يديه. أما نحن فنعتمد عليها كلياً وكأننا نعتبر أن الغرائبية جوهر الشعر. هذا طبعاً خطأ لأن أشعار الكبار من الشعراء ليست غرائبية كأشعار المتنبي وأبي العلاء المعري وشكسبير وبليك. المشكلة الأساسية في الشعر الغرائبي أنه يُنتِج جُملاً لا معانٍ لها. فبما أنه يؤلِّف بين مفردات تختلف مفاهيمياً عن بعضها بعضاً، إذاً هو يبني عبارات خالية من المعاني. الجُملة 'العدد سبعة متزوج' مثلٌ على الجُمل الفاقدة للمعنى. هذه الجملة لا معنى لها لأنه من المستحيل أن تكون الأعداد متزوجة أو غير متزوجة بما أن مفهوم 'العدد' يختلف مفاهيمياً عن مفهوم 'الزواج'. أشعارنا العربية المعاصرة لا تختلف عن عبارة 'العدد سبعة متزوج'، لذا هي خالية من المعاني للناقد أن يقول إن ميزة الشعر كامنة في غرائبيته. لكن إذا صح هذا القول، لا بد حينئذٍ من أنه إذا تمكّن الكومبيوتر من وضع المفردات كلها في غير موضعها ستغدو عباراته اللامتناهية شعراً. هذه النتيجة غير مقبولة إلاّ إذا أردنا أن نعتبر أن هذا الكومبيوتر الممكن هو أعظم شاعر في الوجود. من هنا، من الخطأ اعتبار الغرائبية جوهر الشعر. بالإضافة إلى ذلك، لا قيمة للأدب المعتمد كلياً على صياغة غرائبية كتلك التي ننشِئ شعرنا من خلالها وإلاّ أصبح لفاقد المعنى قيمة. ومن غير المستغرب وصولنا إلى هذا النوع من الشعر لأنه لا يوجد شعر حقيقي ولا أدب من دون علم وفلسفة ونحن نفتقر إليهما.

حسن عجمي / لبنان
يقدمه صفوان حيدر بجريدة السفير بالتالي: يختلط الأمر على الذي يعرف حسن عجمي: هل هو شاعر ام مفكر يسعى إلى بناء عمارة فكرية مميزة ام مستكشف لميادين جديدة من التفكير العلمي والأدبي سواء في «مقام الراحلين» [شعر ـ 2000] او في «معراج المعنى» [نقد ـ 2001] او في «مرايا العقول» ـ الشعر العلمي [2003]. ومنذ كتابه «مقام المعرفة ـ فلسفة العقل والمعنى» [2004] اتخذ انتاج عجمي طابعاً فكرياً يستند الى معالجة القضايا الفلسفية معالجة تتراوح بين المنهج التحليلي والمنهج التفسيري. ثم جاء كتابه «السوبر حداثة» [2005] ليعالج الأكوان الممكنة واللامحدد، ثم «السوبر مستقبلية» _2006] قائلاً إن التاريخ يبدأ من المستقبل، ثم «السوبر أصولية» [2007] التي تعتبر الأصول الدينية محددة في المستقبل فقط، وأننا نحن ـ الحاضر نصنع التراث، ثم «السوبر معلوماتية» [2007] «فالسوبر تخلف» [2007]، وأخيراً «السوبر مثالية» [2007]. واليوم يطل علينا عجمي بكتابه الجديد «الميزياء» بعد ذلك بعد ذلك الحشد من «السوبرات» مفتتحاً ميادين معرفية تتناول العلاقة بين الجيزياء [ما يجوز] والحيزياء [الحيز].







الخميس، 12 مارس 2009

(ميزياء) حسن عجمي دراسة للمذهب الفكري المناهض للاختزال


الباحث في الفلسفة اصدر كتابه الثالث عشر

ميزياء حسن عجمي دراسة للمذهب الفكري المناهض للاختزال


بيروت - ليندا عثمان:

يرى الباحث في الفلسفة الدكتور حسن عجمي أن للأشياء ذاتها ميزات مختلفة, لذا قد تتنوع دراسة الشيء أو الظاهرة نفسها فتبنى نظريات مختلفة تتناول الحقيقة ذاتها. وفي كتابه ال¯13 الصادر حديثاً تحت عنوان "الميزياء-الجيزياء والحيزياء" - عن الدار العربية للعلوم- يؤكد أن »الميزياء« هي المذهب الفلسفي الذي يعتبر أن كل شيء يملك ميزة تميزه عن الأشياء الأخرى, وبفضل ميزاته يوجد ويتشكل.على هذا الأساس, يرى عجمي, أنه لا يوجد شيء مطابق لشيء آخر وإلا أصبح شيئاً واحداً. وإذا وجد شيء مطابق لشيء آخر في كل صفاته, إذن لا يوجد ما يميزه عن ذاك الشيء الآخر. وبذلك هذان الشيئان هما شيء واحد, لذا لكل شيء ميزة تميزه, وبذلك لا توجد الماهيات. فمثلاً لو وجدت ماهية للإنسان لكان كل إنسان مطابقاً لكل إنسان آخر في ماهية الإنسانية. وبذلك لزالت الميزة التي تميز إنسانية هذا عن إنسانية ذاك, وفي حال زوال الميزة بين البشر يغدو كل البشر فرداً واحداً وهذا مستحيل.ويقول: بما أن الميزياء تؤكد عدم وجود الماهيات, إذن هذا يفسر لماذا لم تتمكن العقول من تحديد ماهيات الأشياء, ولماذا البحث العلمي والفلسفي هو عملية بحث وتصحيح مستمر, فبما أن الأشياء والظواهر هي أشياؤها وظواهرها بسبب ميزاتها لا بفضل ماهياتها, إذن من الطبيعي أن تغدو النظريات العلمية والفلسفية كافة فاشلة في تقديم الصورة الكاملة والنهائية للعالم وحقائقه. وبذلك من الطبيعي وجود نظريات مختلفة ومتعارضة رغم نجاحاتها الجزئية, وأن يستمر البحث الفكري إلى ما لا نهاية, ويغدو عملية تصحيح مستمر.ويرى المؤلف أن للميزياء بعدها الإنساني وبما أنه لا توجد ماهيات للأشياء والظواهر, إذن على الإنسان أن يسعى دوماً في خلق ماهيات الأشياء والظواهر كافة, هكذا يغدو الإنسان محور الخلق والوجود, فالكائنات تتميز بميزاتها, وتفاعلنا مع الكائنات المختلفة جزء من ميزاتها.. لذا الإنسان فاعل في تحديد الأشياء والظواهر المختلفة, فمثلاً: ميزة الكرسي عند "عجمي" أننا نجلس عليه, لذا إذا لم نجلس عليه لن يبقى كرسياً. بذلك فعلنا محدد للحقائق. مثال آخر: ميزة الكون أنه من الممكن معرفته, لذا إذا لم نسعَ في معرفته سيفقد ميزته تلك."هكذا فعلنا يحدد ميزة الكون" -يقول عجمي, لافتاً إلى أنه إذا كانت الماهيات تحكم الكون, ولكونها مطلقة وثابتة, حينها لن يكون لنا ولفعلنا أي دور في الوجود, أما لكون الميزات هي حاكمة الوجود, وبسبب أن الأشياء تخسر ميزاته وتكتسب أخرى, إذن من الممكن للوجود الإنساني أن يكون له دور أساسي, في تشكيل العالم, الماهيات تقيد الحرية بل تنفيها, أما الميزات فضمان حرية الإنسان وإنسانيته."الميزياء" دراسة لميزات الأشياء والظواهر بدلاً من اختزال الأشياء والظواهر, إلى ماهيات معدودة أو إلى كائن واحد فريد, فكل شيء واقع أو ممكن أو محتمل أو مستحيل, له ميزته الخاصة به دون سواه, ولذا يوجد أو هو ممكن أو محتمل أو مستحيل. و"الميزياء" هي المذهب الفكري المناقض للاختزال, فبدلاً من تحليل المفاهيم واختزالها إلى مفهوم أو مفاهيم معدودة لا بد من إلقاء الضوء على ميزة كل شيء وتميزه عن الأشياء الأخرى. وبذلك يتضح كيانه على حقيقته بدلاً من البقاء مسجونين في نطاق بعض المبادئ والمفاهيم الأولية غير القابلة للتحليل والتي على أساسها يقوم تحليل المفاهيم الأخرى وتفسير الظواهر.هكذا نخرج من فلسفة التحليل والتفسير إلى فلسفة الميزة. بالإضافة إلى ذلك, فان للشيء ذاته ميزات مختلفة يرى المؤلف أنه قد تتنوع دراسة الشيء أو الظاهرة نفسها فتبنى نظريات مختلفة تتناول الحقيقة ذاتها, هكذا لا تسجن "الميزياء" في نظرية واحدة فريدة بل تفتح المجال أمام تنوع النظريات والأبحاث. وهذه فضيلة ل¯ "الميزياء".. فمثلاً ميزة الكون قد ترتبط بنا, وقد ترتبط بالمادة التي يتكون منها الكون.. وبذلك تتوالد الميزات.





الرابط : http://www.dar-al-seyassah.com/news_details.asp?nid=5488&snapt=الثقافية


الثلاثاء، 10 مارس 2009

حسن عجمي و التاريخ يبدأ من المستقبل


فلسفة العلوم واللغة والحقيقة:

التاريخ يبدأ من المستقبل





حسن عجمي

نقدِّم في هذا البحث عرضاً مختصراً لفلسفات العلوم واللغة والحقيقة والارتباط العضوي بينها. ومن ثم نطرح بعض الأفكار الممكنة المتمثلة في مذهبي السوبر حداثة والسوبر مستقبلية. فالشعوب التي لا تفكر بالممكنات لاتحيا في الواقع.
***
تنقسم فلسفة العلوم إلى مذهبين متصارعين هما المذهب الواقعي والمذهب اللاواقعي. بالنسبة إلى المذهب الواقعي، النظريات العلمية المعاصرة الناجحة هي نظريات صادقة. المذهب الواقعي realism يفسِّر نجاح النظريات العلمية من خلال صدقها فيقول إن التفسير الوحيد لنجاح النظريات العلمية في تفسير الكون هوأنها نظريات صادقة؛ فبما أنها صادقة إذن من الطبيعي أن تكون ناجحة. أما المذهب اللاواقعي antirealism فيعتبر أن النظريات العلمية ليست صادقة ولا كاذبة بل هي فقط مقبولة. بالنسبة إلى المذهب اللاواقعي، النظريات العلمية مجرد أدوات لتفسير الكون والتنبؤ بظواهره. وتتعدد تفاسير المذهب اللاواقعي لنجاح العلم. من تلك التفاسير تفسير الفيلسوف فان فراسن التالي: النظريات العلمية في صراع دام فيما بينها، وفقط الأنجح منها يبقى ويستمر لكونه الأنجح. هكذا النظريات العلمية عرضة للانتقاء الطبيعي ؛ فكما أن الانتقاء الطبيعي الدارويني يختار فقط الأفضل والأنجح من الكائنات الحية فيبقيها في الوجود، كذلك الانتقاء الطبيعي يختار الأفضل والأنجح من النظريات العلمية فيبقيها، ولذا النظريات العلمية المعاصرة ناجحة Bas Van Fraassen :The Scientific Image . 1980 . Clarendon ) Press Oxford) .
هكذا يتمكن المذهب اللاواقعي من تفسير نجاح العلم من دون اعتبار العلم صادقاً. بالإضافة إلى ذلك، للمذهب اللاواقعي حجج قوية على صدق موقفه منها الحجة التالية: يرينا تاريخ العلم أن النظريات العلمية يتم استبدالها بنظريات علمية أخرى. فمثلاً تم استبدال نظرية نيوتن بنظرية أينشتاين ؛ فبعدما كانت تعتبَر نظرية نيوتن الفيزيائية صادقة بفضل نجاحها تبيّن لاحقاً أنها غير صادقة واستبدلت بنظرية أينشتاين. وبما أن النظريات العلمية تستبدَل بأخرى رغم نجاحها، فلا يدل إذن نجاح النظريات العلمية المعاصرة لا يدل بالضرورة على صدقها. من هنا النظريات العلمية ليست صادقة ولا كاذبة بل فقط مقبولة (Editors:Boyd, Gasper, and Trout:The Philosophy of Science.1991.MIT).
أما فلسفة اللغة فتنقسم أيضاً إلى مذهب واقعي وآخر لا واقعي (ليس بالمعنى السلبي طبعاً). بالنسبة إلى المذهب الواقعي في اللغة، الواقع يُحدِّد المعنى. فمثلا يعتبر الفيلسوف فودر أن العلاقة السببية هي العامل الأساس في تحديد المعاني وتشكيلها. مثل ذلك أن مفهوم "القطة" يعني القطة لأن القطة في عالمنا الواقعي تسبِّب مفهوم "القطة"(Jerry Fodor: A Theory Of Content .1992.The MIT Press.) أما الفيلسوف ديفد سون فيعتبر أن المعاني مُحدَّدة من قبل قيم الصدق المطابقة للواقع. مثل ذلك أن عبارة "الثلج أبيض" تعني الثلج أبيض لأن تلك العبارة صادقة فقط في حال أن الثلج أبيض وكاذبة إن لم يكن الثلج أبيض Davidson :Inquiries into Truth & Interpretation.) 1984 . Clarendon Press .Oxford).Donald من جهة أخرى، يؤكد المذهب اللاواقعي في اللغة أن المعنى غير مُحدَّد من قبل الواقع. وتتنوع النظريات ضمن هذا النموذج الفلسفي منها موقف الفيلسوف فتجنشتين القائل بأن المعنى هوالاستعمال. فاستعمالنا للمفاهيم هوالذي يحدِّد معانيها . وهذا ما يوافقه عليه الفيلسوف الأمريكي دوميت وغيره (Drew Khlentzos : Naturalistic Realism and The Antirealist Challenge . 2004 . (The MIT Press بالاضافة إلى ذلك، تنقسم فلسفة الحقيقة أيضاً إلى مذهب واقعي ومذهب لا واقعي. يعتبر المذهب الواقعي أن الحقيقة هي ما يطابق الواقع. فمثلا عبارة "الثلج أبيض" عبارة صادقة لأن الثلج أبيض أي لأنها عبارة تطابق ما يوجد في الواقع.
أما المذهب اللاواقعي في تحليل الحقيقة فيرفض الموقف القائل بأن الحقيقة هي التي تطابق الواقع ويحلِّل الحقيقة من خلال اعتبارات أخرى. فمثلا يعتبر المذهب البراغماتي أن الحقيقة هي المفيد بدلا من أن تكون ما يطابق الواقع المادي خارج الإنسان. فالحقيقة هي مجرد المفيد في التفسير والتحليل وفي استمرارنا ونجاحنا، وليست الحقيقة شيئاً آخر سوى الإفادة. هكذا يستغني المذهب اللاواقعي عن الاعتماد على الواقع في تعريف الحقيقة. موقف لاواقعي آخر يقول إن الحقيقي الصادق هوالذي ينسجم مع معظم معتقداتنا. هنا يتم تحليل الحقيقة من خلال الانسجام بين المعتقدات من دون النظر إلى الواقع خارج الإنسان (: Richard Kirkham Theories of Truth. 1992. The MIT Press). هكذا تعتمد المذاهب اللاواقعية على الإنسان وأفعاله في تحليل مفاهيم الحقيقة والمعنى والنجاح العلمي بينما المذاهب الواقعية تعتمد على الواقع خارج الإنسان في عملية تحليل تلك المفاهيم وتفسيرها. الآن، نستطيع أن نرى كيف أن فلسفة العلوم وفلسفة اللغة وفلسفة الحقيقة تشكل حقلاً فلسفياً واحداً ومن غير الممكن الفصل بينها.
هذا لأننا إذا قبلنا الموقف اللاواقعي في ميدان فلسفي معين فسوف نصل إلى قبول المواقف اللاواقعية في الميادين الفلسفية الأخرى، أما إذا قبلنا الموقف الواقعي في ميدان فلسفي ما فسوف نصل لا محالة إلى قبول المواقف الواقعية في الميادين الفلسفية الأخرى. هكذا تكوّن الحقول الفلسفية المختلفة حقلاً فلسفياً واحداً.
مثل ذلك أننا إذا اعتبرنا أن المعنى يحدِّده الاستعمال وليس الواقع، إذن صدق عباراتنا محدَّد من قبل استعمالنا وليس من قبل الواقع وبذلك النظريات العلمية أيضاً مرتبطة باستعمالنا لها وليس بالواقع. على هذا الأساس، من خلال قبول المذهب اللاواقعي في اللغة نقع في قبول المذهبين اللاواقعيين في تحليل الحقيقة والعلم. أما إذا اعتبرنا النظريات العلمية صادقة فهذا يتضمن أنها تطابق الواقع وأن معانيها تعبّر عن واقع عالمنا.
هكذا يؤدي قبولنا بالمذهب الواقعي في العلوم إلى قبولنا بالمذهبين الواقعيين في تحليل الحقيقة والمعنى. لكن من الممكن الخروج من المذهبين الواقعي واللاواقعي من خلال طرح فلسفات جديدة كفلسفة السوبر حداثة وفلسفة السوبر مستقبلية. بالنسبة إلى السوبر حداثة، اللامحدَّد يحكم العالم، لكن رغم ذلك من الممكن الحصول على المعرفة لأن من خلال لا محددية الكون من الممكن تفسيره.
من هذا المنطلق، تعتبر السوبر حداثة أن من غير المحدَّد أية نظرية علمية هي النظرية الصادقة. ولذا ثمة نظريات علمية مختلفة كلها ناجحة في تفسير الكون رغم أنها تعارض وتناقض بعضها البعض. هكذا تتمكن السوبر حداثة من تفسير نجاح النظريات العلمية رغم اختلافها وتعارضها. فمثلا ، نظرية النسبية لأينشتاين تعارض نظرية ميكانيكا الكم ؛ فبينما النظرية الأولى تقول إن الكون حتمي تعتبر النظرية الثانية أن الكون غير حتمي. لكنّ النظريتين ناجحتان في تفسير عالمنا. ولذلك كيف من الممكن أن يكونا ناجحتين رغم تعارضهما؟ تجيب السوبر حداثة قائلة إنهما ناجحتان رغم تعارضهما لأن من غير المحدَّد أية نظرية منهما هي النظرية الصادقة. فبما أنه من غير المحدَّد أية نظرية منهما هي النظرية الصادقة، إذن من الطبيعي ومن المتوقع أن يكونا ناجحتين رغم اختلافهما وتعارضهما. هكذا تفسّر السوبر حداثة نجاحهما رغم تعارضهما وبذلك تكتسب قدرتها التفسيرية فمقبوليتها. تختلف السوبر حداثة عن المذهبين الواقعي واللاواقعي في العلوم. فبينما يعتبر المذهب الواقعي أن النظريات العلمية المعاصرة ناجحة لأنها صادقة، ويعتبر المذهب اللاواقعي أنها ناجحة لأنها مثلا في صراع دارويني يسمح فقط بالنظريات الناجحة أن تبقى، يؤكد مذهب السوبر حداثة أن النظريات العلمية ناجحة لأنها صادقة في أكوان ممكنة مختلفة شبيهة جداً بعالمنا الواقعي. بالنسبة إلى السوبر حداثة، لا محددية الأشياء مُحلَّلة من قبل الأكوان الممكنة، ولذا تدرس السوبر حداثة الأكوان الممكنة وتدرس عالمنا على ضوئها. مثل ذلك أن لامحددية أية نظرية علمية هي الصادقة تعني أن كل النظريات العلمية صادقة في أكوان ممكنة مختلفة شبيهة بعالمنا. هكذا تتمكن السوبر حداثة من طرح حجتها على النحوالتالي: بما أن النظريات العلمية صادقة في أكوان ممكنة متنوعة شبيهة جدا بعالمنا الواقعي، من الطبيعي إذن أن تكون النظريات العلمية ناجحة في تفسير عالمنا رغم اختلافها وتعارضها. هكذا تنجح السوبر حداثة في تفسير نجاح النظريات العلمية. بالإضافة إلى ذلك، تقدِّم السوبر مستقبلية فلسفة مختلفة عن المذهبين الواقعي واللاواقعي. بالنسبة إلى السوبر مستقبلية، التاريخ يبدأ من المستقبل. ولذا تحلّل السوبر مستقبلية المفاهيم من خلال المستقبل. مثل ذلك أنها تحلّل المعنى على أنه قرار اجتماعي في المستقبل وتحلّل الحقيقة على أنها قرار علمي في المستقبل. الآن، بما أن المعنى قرار اجتماعي في المستقبل، والمستقبل لم يتحقق كلياً في الحاضر والماضي، إذن تضمن السوبر مستقبلية البحث الدائم عن تحديد المعاني وبذلك تضمن استمرارية البحث المعرفي بدلا من إيقافه. هكذا تكتسب السوبر مستقبلية فضيلتها. وبما أن المعنى قرار اجتماعي، والقرار الاجتماعي تتخذه الجماعة، إذن المعاني عامة بين أفراد الجماعة وليست خاصة، وبذلك تضمن السوبر مستقبلية إمكانية التواصل والتفاهم بين البشر من خلال اللغة ومعانيها . هكذا تكتسب أيضاً السوبر مستقبلية فضيلة أخرى كونها تنجح في التعبير عن إمكانية التواصل والتفاهم اللغوي. من جهة أخرى، بما أن الحقيقة قرار علمي في المستقبل، إذن تضمن السوبر مستقبلية استمرارية البحث عن الحقيقة بدلاً من إيقاف عملية البحث المعرفي والعلمي.
هكذا تكتسب السوبر مستقبلية فضائلها. وبما أن العلم يطابق الواقع، إذن تنجح السوبر مستقبلية أيضاً في ربط الحقيقة بما هوواقع كما تنجح في ربطها بما هوإنساني علماً بأن الحقيقة قرار علمي، والقرار قرار إنساني. هكذا تختلف السوبر مستقبلية عن المذهبين الواقعي واللاواقعي. فبينما يربط المذهب الواقعي المعنى والحقيقة بالواقع فقط، والمذهب اللاواقعي يربطهما بالإنسان فقط، تؤكد السوبر مستقبلية على ارتباطهما بالواقع والإنسان معا. فمثلاً المعنى قرار اجتماعي، وبذلك يرتبط المعنى بالإنسان كما يرتبط بشبيه الواقع لأن العلم جزء من هذا القرار كون العلماء يشكلون جماعة. وبذلك في التحليل النهائي تكون المعاني أيضاً قرارات علمية تماماً كالحقيقة. هكذا لا فصل بين الحقيقة والمعنى. فكما أن الميادين الفكرية والإبداعية المختلفة تشكل حقلاً واحداً لا يتجزأ، كذلك الواقع من حقيقة ومعنى يشكل حقلا واحداً لا يتجزأ. وكما أن التاريخ يبدأ من المستقبل، الواقع يبدأ من الممكن. فالفلسفة كالعلم تماماً بحث في ما يمكن أن يكون، ولذا لا يتوقف البحث الفلسفي والعلمي. هنا تكمن إنسانية الإنسان؛ فإنسانيتنا قائمة في بحثنا الدائم عن تحديد المعاني والحقائق. فما نجهل يبقينا أحياء.





الرابط : http://www.hmmss.com/vb/t5733.html#post69967





تعليقات :

بندر الهزاع

حقيقة بحث شيق واستغربت مثلا ً تداخل المواقف المختلفه مثل التفسيرين الواقعي واللاواقعي مع السوبر حداثه والسوبر مستقبلية وكأنك من خلال هذا البحث .. تبين اهمية الاخير على انه التفسير الامثل والانجع لفلسفة العلوم .. هكذا قرأتها!

---اقتباس---فبعدما كانت تعتبَر نظرية نيوتن الفيزيائية صادقة بفضل نجاحها تبيّن لاحقاً أنها غير صادقة واستبدلت بنظرية أينشتاين.

الا يمكن ان اقول ان نظرية انيشتاين انطلقت من الاساس ( نظرية نيوتن )وكما هو معروف ان النظريات الثلاث لنيوتن هي من مسلمات الفيزياءلك كل الشكر والتقدير استاذ عجمي على هذا البحث المفيد.

حناين

الفلسفة وعالمها يجعلني دائما في حيرة فا فضل أن أطالعها من بعيــــد القدير / حسن عجمي كل الشكر لما أوضحته لنا هناعن الفلسفات المختلفة ولكن أحتاج وقتا اطول لأستوعب ما قرأته هنـــأ كل الشكر لمجهودك الرائـــع دمت بكل خــير

ريم الفلا

الفلسفة اللغوية تعتبر من الحركات الفلسفية المسيطرة في الفلسفة المعاصرة
فالفلسفة هي نشاط ليس لها محتوى حقيقي.... كما ذكر فيتشجنتاين...
سطور فلسفية عميقة كعمق البحر واكثر أستطيع ولا أستطيع الغوص بها
لازلنا نجهل الكثير في دوحة الفلسفة ونامل المزيد من بحوثك الجوهرية
القدير حسن عجمي
مرحباً بك في واحة الهمس .. سعدنا بإنضمامك .. وتشرفنا بنثر حروفك ..دمت ولاعدمت أيها الكريم

زهرة الياسمين

مسا الورد.... اقتباس : فالشعوب التي لا تفكر بالممكنات لاتحيا في الواقع
الممكنات هي أساس الواقع حيث انها تمكننا من المعرفة والوصول للحلول الناجحة سواء في الحاضر او المستقبل

اقتباس : من جهة أخرى، بما أن الحقيقة قرار علمي في المستقبل، إذن تضمن السوبر مستقبلية استمرارية البحث عن الحقيقة بدلاً من إيقاف عملية البحث المعرفي والعلمي. هكذا تكتسب السوبر مستقبلية فضائلها. وبما أن العلم يطابق الواقع، إذن تنجح السوبر مستقبلية أيضاً في ربط الحقيقة بما هوواقع كما تنجح في ربطها بما هوإنساني علماً بأن الحقيقة قرار علمي، والقرار قرار إنساني. هكذا تختلف السوبر مستقبلية عن المذهبين الواقعي واللاواقعي. فبينما يربط المذهب الواقعي المعنى والحقيقة بالواقع فقط، والمذهب اللاواقعي يربطهما بالإنسان فقط، تؤكد السوبر مستقبلية على ارتباطهما بالواقع والإنسان معا.
اذاً هنا فلسفة السوبر مستقبلية هي الفلسفة الوسطية لفلسفتي المذهبين الواقعي واللاواقعي ودائماً خير الأمور أوسطها
الأستاذ القدير/ حسن عجمي موضوع فلسفي نشط أدمغتنا للبحث عن المعرفة في فلسفات الأمور من حولنا فلكَ مني جزيل الشكر على موضوعك الممتع دمتَ بكل الخير.

عازف الهمس

ما فهمته من ما سبق ان الـفلسفه نظام مع ـــرفي
قائم على انتاج السؤال والـمفاهيم بمنحها القدره
على ترتيب الاشكالات الناتجة عن الـتطورالع ــلمي
السريع والمتعاظم والاج ــابةعليها وبقائها في حالة
من الفعل كنظام مع ــرفي قادر على ايج ــاد الحلول
ووضعها ضمن سياق مح ـــدد
استاذنا / حسن عجمي
موضوع ضج بأوتار
الـدماغ اهلا وسهلا بك وبع ــقلك الاستثنائي

ما هي الحياة؟


الفيزيائي إرون شرودنغر والطبيب شارون معلم:

ما هي الحياة؟



حسن عجمي

تتزاوج الميادين المعرفية من بعضها البعض فتنمو وتزدهر. من هنا يطبق الفيزيائي إرون شرودنغر الفيزياء على علم البيولوجيا فيشرح لنا الحياة على ضوء ميكانيكا الكم، وبذلك تتضح لا محددية الحياة. وانتقل هذا المنهج الى دراسة الجينات البيولوجية التي تبني الأحياء لكن الذي يفاجئنا حقاً هو موقف الطبيب شارون معلم الذي يقول إن أمراضنا كانت علاجاً لأجدادنا ما يدعم أطروحة لا محددية الحقائق والظواهر.
يقدم الفيزيائي إرون شرودنغر تصوراً فيزيائياً للحياة. شرودنغر مؤسس أساسي لنظرية ميكانيكا الكم التي تعتبر أن مبدأ اللايقين أو اللامحدد يحكم عالم ما دون الذرة. بالنسبة الى ميكانيكا الكم، من غير المحدد سرعة الجسيم ومكانه في الوقت ذاته، ومن غير المحدد ما إذا كان الجسيم كالالكترون جسيماً حقاً أم موجة، كما من الممكن للجسيم ذاته أن يوجد في أمكنة مختلفة في الوقت نفسه. لقد عبر شرودنغر عن هذه المبادئ الكمية بقوله إنه من غير المحدد ما إذا كانت القطة حية أم ميتة، واتخذت هذه القطة اسمه فأشير اليها على أنها قطة شرودنغر. على هذا الأساس غدت ميكانيكا الكم تقول بفضل شرودنغر إنه من غير المحدد ما إذا كانت قطة شرودنغر حية أم ميتة، وهذا بسبب لا محددية الجسيم بالنسبة الى ميكانيكا الكم. هكذا من الطبيعي أن يفسر شرودنغر الحياة على ضوء القوانين الفيزيائية وبخاصة على أساس مبادئ ميكانيكا الكم. بالفعل يقوم الفيزيائي شرودنغر برسم الخطوط العريضة للتفسير العلمي الفيزيائي للحياة. فيؤكد على أنه من الممكن للعلم الممثل بالفيزياء والكيمياء أن يفسر الحياة وإن لم يستطع ذلك بشكل كامل ودقيق في أيامنا هذه، والحجة الأساسية التي يعتمد عليها في طرح موقفه هي التالية: الحياة فيزيائية فالكائنات البيولوجية الحية مكونة من ذرات وجسيمات فيزيائية، وبذلك الحياة محكومة بقوانين الفيزياء كقانون اللامحدد الخاص بميكانيكا الكم. من هنا لا بد من دراسة الحياة من خلال قوانين الفيزياء، وخير قانون لفعل ذلك هو قانون اللامحدد الذي يحكم الجسيمات كافة (Erwin Schrodinger:What Is Life?1967. Cambridge University Press).
يوضح شرودنغر كيفية تطبيق الفيزياء على علوم البيولوجيا. فالأمثلة عديدة على نجاح ميكانيكا الكم وقانونها اللا محدد في شرح الحياة البيولوجية، فمثلاً، الكائنات الحية ترث الصفات البيولوجية لآبائها وأجدادها. لكن قد ترث بعض الصفات دون أخرى وقد ترثها أو لا ترثها. من هنا من غير المحدد ما ترث الكائنات الحية من آبائها وأجدادها. هكذا مبدأ اللامحدد يطبق على البيولوجيا فنحصل برأي شرودنغر على ميكانيكا الكم البيولوجية. مثل آخر علي تطبيق ميكانيكا الكم على البيولوجيا وتفسير الحياة من خلال الفيزياء هو التالي: تتعرض الكائنات الحية الى تحولات بيولوجية MUTATIONS، لكن هذه التحولات تصيب بعض الكائنات الحية وبعض الجينات دون أخرى من النسل ذاته. وتفسير ذلك كما يشير شرودنغر أنها محكومة بمبدأ اللامحدد المنتمي الى ميكانيكا الكم. كما أن التحولات البيولوجية غير متواصلة وخالية من خطوات تمهيدية لوصل الجسور الانتقالية من غير المتحول الى المتحول. وبذلك تمثل التحولات البيولوجية قفزات كمية غير محددة كالتي تؤكد عليها ميكانيكا الكم. كما يعتبر شرودنغر أن التحولات البيولوجية ليست سوى نتيجة التقلبات الكمية المحكومة باللامحدد؛ فالتحول البيولوجي شبيه بالتقلب الكمي ولذا هو مجرد تجلي للتقلب الكمي غير المحدد. هكذا لا محددية عالم فيزياء من دون الذرة تنتقل الى لا محددية التحولات البيولوجية، وبذلك يتم تفسير التحويلات البيولوجية على ضوء مبدأ اللامحدد الماثل في ميكانيكا الكم (المرجع نفسه). على أساس كل هذا نستطيع بحق أن نقول إنه من غير المحدد ما هي الحياة. وهذا موقف السوبر حداثة بالضبط. فبالنسبة الى السوبر حداثة، اللامحدد يحكم العالم كله وليس عالم ما دون الذرة فقط.
بالإضافة الى ذلك، يحلل إرون شرودنغر الحياة على النحو التالي: المادة حية متى تفعل شيئاً وتتحرك وتتبادل المواد مع محيطها.. إلخ في فترة زمنية أطول من المتوقع حدوثه مع المادة غير الحية في الظروف عينها (المرجع السابق). لكن يفشل هذا التحليل للحياة لأنه يقع في الدور. والدور هو تحليل الشيء بالشيء ذاته كتعريف الماء بالماء، ولذا هو مرفوض منطقياً. بالنسبة الى تحليل شرودنغر للحياة، المادة الحية هي التي تفعل وتتحرك وتتبادل المواد مع محيطها.. إلخ في فترة أطول مما تفعله المادة غير الحية. وبذلك تم استخدام مفهوم غير الحي المتضمن لمفهوم الحي في تحليل الحياة، وبذلك تم استعمال مفهوم الحياة في تحليل الحياة وبذلك وقع التحليل السابق في الدور. هذا يرينا فشل هذا التحليل للحياة ما يؤدي الى دعم اطروحة السوبر حداثة ألا وهي أنه من غير المحدد ما هي الحياة، ولذا يستحيل تقديم تحليل حق للحياة. من جهة أخرى، بالنسبة الى التعريف التقليدي للحياة، الحي هو الذي يتوالد وينمو ويتغذى ويتحرك ويموت. لكن هذا التحليل للحياة يقع أيضاً في الدور. فهو يحلل الحياة من خلال مفاهيم تتضمن مفهوم الحياة كمفهومي النمو والموت. فالكائن الذي ينمو هو الكائن الحي، والكائن الذي يموت هو الكائن الذي كان حياً. هكذا يتم تحليل الحياة من خلال مفهوم الحي، وهذا دور مرفوض كتعريف الماء بالماء. كل هذا يرينا استحالة تعريف الحياة بشكل سليم. وسبب ذلك أنه من غير المحدد ما هي الحياة. هكذا تكتسب السوبر حداثة مقبوليتها على أساس إصرارها على أنه من غير المحدد ما هي الحياة. فبما أنه من غير المحدد ما هي الحياة، إذن من الطبيعي أن لا يوجد تحليل حق للحياة. هكذا تفسر السوبر حداثة استحالة التعريف السليم للحياة، ولماذا واجهت التحليلات المختلفة للحياة كوارث قاتلة، وبذلك تضمن السوبر حداثة قدرتها التفسيرية فمقبوليتها.
يمتد اللامحدد الى عالم الجينات (جمع جين Gene). والجين وحدة معلوماتية، وبذلك تكون الجينات شبكة معلومات نتوارثها وتتفاعل مع المحيط الطبيعي وتسعى في تحديد صفات الأحياء. بالنسبة الى عالمي البيولوجيا بورت وترفرز، الجينات في صراع دائم في ما بينها؛ فهي لا تتفق على ما ينبغي أن يحدث في الجسد البيولوجي فللجينات نتائج متعارضة. فمثلاً، بعض الجينات تريد انتاج منويات سليمة بأعداد كثيرة بينما بعض الجينات الأخرى في الكائن البيولوجي ذاته تريد انتاج منويات غير سليمة. وبعض الجينات ترغب في حماية الخلايا من الضرر بينما جينات أخرى ترغب في تحطيمها. على هذا الأساس يستنتجان أن بعض الجينات أنانية ومؤذية للجسد، لكنها تبقى وتنتشر في الكائنات البيولوجية رغم أن معظم جينات الحيوان قد اختيرت للحفاظ على الكائن الحي واستمراره. فمعظم الجينات تنجح في الانتشار والبقاء في الأجساد الحية لأنها تزيد قدرة الحي على التأقلم والتكيف وبذلك تضمن بقاء الأفضل وتوالده. لكن رغم ذلك مع التطور البيولوجي عبر الزمن تولد الجينات المضرة وتصارع الجينات المفيدة فنحصل على صراع لا ينتهي بين الجينات؛ فالجينات في أمكنة مختلفة من الجسد الحي نفسه لها نتائج متناقضة. وخلافها كامن في كيف يجب أن ينمو الجسد البيولوجي وما ينبغي أن يحدث له (Austin Burt and Robert Trivers: Genes in Conflict.2008. Harvard University press).
الأجناس الحيوانية المختلفة كلها تملك عناصر جينية أنانية. وهذه الجينات الأنانية لها حياتها الخاصة المستقلة عن الأجساد الحية التي تحتويها، كما لها مصالح مختلفة عن مصالح الجسد الذي تحيا فيه. من هذا المنطلق، يستنتج كل من بورت وترفرز أنه يوجد عالمان بيولوجيان متوازيان، وكل عالم منهما يملك جيناته الخاصة المستقلة وقوانينه المختلفة عن العالم البيولوجي الآخر. هكذا الكائن الحي ينقسم الى هذين العالمين المتعارضين؛ فثمة جسدان متصارعان في كل جسد حي بدلاً من جسد واحد (المرجع نفسه). هذا يذكرنا أيضاً بميكانيكا الكم التي بالنسبة اليها يوجد عالمان ممكنان بدلاً من عالم واحد؛ عالم ممكن حيث قطة شرودنغر حية وعالم ممكن آخر حيث القطة نفسها ميتة. من هنا لا محددية الواقع الفيزيائي في نموذج ميكانيكا الكم تنتقل الى لا محددية الواقع البيولوجي في العلوم البيولوجية المعاصرة. فحقيقة أنه من غير المحدد ما إذا كانت قطة شرودنغر حية أم ميتة أدت الى تفسيرها على أنها تعني أن ثمة عالمان: عالم فيه القطة حية وعالم آخر حيث القطة ذاتها ميتة. كما لا محددية الجينات أدت الى تفسيرها على أنه ثمة عالمان بيولوجيان في الجسد نفسه، عالم الجينات المفيدة وعالم الجينات المضرة. الآن، كل الاعتبارات العلمية السابقة تشير الى لا محددية الحياة فمثلاً، بما أن الجينات لها وظائف ونتائج متعارضة، إذن من غير المحدد ما هي مضامينها، وبذلك من غير المحدد ما هي الحياة. فلو أنها محددة، ما كانت لتختلف الجينات في أفعالها ونتائجها، وما كانت لتتصارع في ما بينها. فمن غير المحدد هل الجينات لخلق الضرر ام لخلق المفيد. وبما انه ثمة جسدان مختلفان في كل كائن حي بدلاً من جسد واحد، إذن من غير المحدد ما هو الجسد الحي؛ أهو الجسد الأول أم الثاني؟
تؤكد العلوم البيولوجية المعاصرة على أنه لا توجد وظائف محددة للجينات؛ فالجين لا يملك وظيفة واحدة بل تتعدد وظائفه وتختلف وإلا ما تمكنت الجينات من صناعة كل البروتينات الضرورية للحياة. ولقد أثبت الاختبار العلمي لا محددية الجينات ووظائفها على النحو التالي: عندما أزيلت الجينات المرتبطة بوظائف معينة لم يتأثر ولم يتغير الجسد الحي الذي تمت إزالة الجينات منه؛ وهذا لأن جينات من نوع آخر اتخذت مكان الجينات التي تمت إزالتها وقامت بوظائفها (Sharon Moalem: Survival of The Sickest/2008 harper). هذا يشير بقوة الى لا محددية الحياة. فبما أن الجينات ووظائفها غير محددة، وعلماً بأن الحياة تعتمد على وتتكون من الجينات ووظائفها. إذن الحياة غير محددة.بالإضافة الى ذلك، يقدم الطبيب شارون معلم تصوراً طبياً جديداً مفاده أن المرض الذي يصيبنا اليوم كانت له فائدته في إبقاء أجدادنا أحياء. هكذا يغدو المرض شفاء والموت حياة. فكما علمنا دارون، الصفات البيولوجية التي تحافظ على الحياة هي التي تبقى ونتوارثها. لذا من المستغرب كيف أننا نرث الأمراض في جيناتنا. يجيب الطبيب شارون معلم عن هذا السؤال ويحل المعضلة بقوله إن الصفات الجينية التي تجعلنا مرضى اليوم لا نتوارثها ولا تستمر معنا إلا في حال كانت مفيدة في الحفاظ على الحياة أولاً كإبقاء أجدادنا أحياء، ما يضمن انتاجهم لنا. فمثلاً، عندما اجتاح الطاعون أوروبا سنة 1347، الأشخاص الذين يملكون تحولاً جينياً يتضمن نقص الحديد في الجسد تمكنوا من حماية أنفسهم من الطاعون القاتل من خلال تجويع بكتيريا الطاعون. فبفضل نقص الحديد في الكائن الحي ماتت البكتيريا المسببة للطاعون علماً بأنها تتغذى من الحديد. الفقر في مستوى الحديد في الجسم قدم خدمة لأجداد أوروبا في جعلهم ينجون من الطاعون. وبذلك توارث الأبناء مرض فقر الحديد في الجسد الحي. هكذا مرضنا اليوم علاجنا في الماضي (Sharon Moalem: Survival Of the Sickest.2008 Harper)، على ضوء هذه الاعتبارات العلمية تتضح الحياة على حقيقتها ألا وهي أنها غير محددة. فموت أجدادنا حياة لنا، وموتنا حياة أجدادنا. والمرض الذي يقلتنا سبب وجودنا أصلاً لأن به تمكن أجدادنا من البقاء ونجحوا في إنجابنا. فبما أن المرض يشفي، إذن من غير المحدد ما هي الحياة بمعنى آخر، الجين ذاته الذي يقتل يحيي وهو ذاته الذي يحيي يقتل، لذا الحياة غير محددة ما هي. فلو أن الحياة محددة ما هي لاستحال على الجين الحي ذاته أن يملك صفات متناقضة كالأمراض والشفاء والإماتة والإحياء.
أخيراً، تؤكد السوبر حداثة على أنه من غير المحدد ما هي الحياة، وتبني موقفها على أساس اعتبارات علمية معاصرة، الآن، بما أنه من غير المحدد ما هي الحياة، إذن من الطبيعي أن تتجسد الحياة في كائنات وأجناس حية مختلفة وأن تنمو وتنتشر في أصعب الأمكنة كأن توجد في قعر المحيطات المظلمة وفي جوف الصخور وقرب البراكين الملتهبة وفي المياه السامة. هكذا تنجح هذه الفرضية في تفسير الحقائق البيولوجية السابقة باختصار، لقد دخلنا عصر السوبر حداثة حيث تنتصر لا محددية الحياة.








أسئلة حسن عجمي تثير العصف الذهني



أسئلة حسن عجمي تثير العصف الذهني

علم الأفكار يبعد الباحث عن الوقوع في التناقض

عندما قرأ المفكرون الواقع العربي وجدوا أن أهم المشاكل التي تعترضهم هي مشكلة علاقة العرب بتراثهم من جهة، وعلاقتهم بالحاضر الغربي الذي يحاصرهم بمنجزاته العلمية والفكرية من جهة ثانية، فنراهم ابتداء من محمد عابد الجابري وأدونيس واحميدة النيفر وأبو يعرب المرزوقي وغيرهم قد اهتموا بهذه المشكلة ، وبالتأكيد لم يكن هؤلاء وحدهم، فقبلهم محمد عبده والأفغاني وطه حسين سعوا في كتاباتهم إلى إيجاد علاقة رابطة، أو صيغة جامعة تحكم علاقة تراثنا العربي بالحاضر الغربي، وهذا الهاجس نراه في الوقت الحاضر وقد امتد إلى المفكر اللبناني حسن عجمي الذي يخوض غمار الكتابة الفلسفية منذ فترة غير قصيرة، متخطياً في كتاباته العديد من الحواجز الفكرية محاولاً الوصول إلى مفهوم معرفي خاص، يسعى إلى تكريسه، كأساس ينطلق منه إلى النواحي الأكثر قلقاً في المسار الفكري والمعرفي، والفلسفي، والعلمي، ضمن سلسلة السوبريانية( السوبر أصولية، السوبر حداثة، السوبر تخلف، السوبر معلوماتية، السوبر مثالية، والسوبر مستقبلية) وكذلك مؤلفاته الأخرى( مقام المعرفة، الميزياء) بالإضافة إلى كتاب آخر مختلف يندرج في إطار الشعر بعنوان( مرايا العقول، الشعر العلمي).
في السوبر حداثة ينطلق من بعض المسلمات ليستمر في الحجاج على صواب مفهوم اللامحدد، وفي تعريفه للسوبر حداثة يرى أنها المذهب الذي يستخدم مفاهيم ومناهج ما بعد الحداثة من أجل الوصول إلى الهدف الأساسي للحداثة وهو المعرفة، ويضرب مثالاً على ذلك بمحاولات العلماء والفلاسفة في تفسير مبدأ اللاحتمية أو مبدأ اللامحدود، وهو مفهوم ما بعد حداثوي من أجل الوصول إلى المعرفة، وهو الهدف الحداثوي. من هنا، يرى أن السوبر حداثة تستغل ما بعد الحداثة للوصول إلى أهداف الحداثة.
‏أما علم الأفكار- حسب رأيه- فيدور في فلك السوبر حداثة، لأنه لا يهدف إلى معرفة العالم الواقعي بشكل مباشر بل يدرس العوالم الممكنة والأفكار الممكنة، وكذلك يحاول الوصول إلى تحديد مجموعة من الأفكار والمذاهب الفكرية التي من الممكن أن توجد، أو التي من الممكن أن يفكر بها فرد ما في عالم ما، أو التي من الممكن أن تكون صادقة في عالم ما. فالفائدة الحقيقية من علم الأفكار تكمن في رفده للعالم بحجة معرفية كي يكتب وينشر ما فكر به على الرغم من أنه غير مقتنع كلياً بما كتب أو فكر به، والحجة الأساسية الداعمة لهذا العلم أنه يتجنب المذهب الشكلي، ويملك قدرة تفسيرية ناجحة في تفسير بعض الظواهر، ولديه أيضاً، القدرة على التنبؤ بالأفكار والمذاهب التي قد تنشأ في المستقبل دون منهج محدد له. وهكذا يفسر علم الأفكار بأنه العلم الذي يدرس العوالم الممكنة الشبيهة بعالمنا وغير الشبيهة به، كما أنه يساعد الباحث على عدم القلق بالنسبة إلى السقوط في التناقض، هذا لأننا نعتني ببناء الأفكار التي من الممكن التفكير فيها ولكننا لا نتخذها كمعتقدات نهائية.‏
والمثال الأساس الذي اعتمده الباحث في تطبيق السوبر حداثة هي الديمقراطية وحقوق الإنسان في إعادة توزيع الثروة والحرية، فوجد أن الغرب قد توصل إلى جعل الديمقراطية الليبرالية نظاماً ناجحاً، وسعى فكره الفلسفي إلى تحديد ماهيتها وأبعادها وشروطها، كالفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية وشفافية هذه السلطة.
أما الليبرالية فتتمثل أساساً في حقوق الحرية كحق كل فرد في التصرف بحرية، وحقه في التعبير، وحقه في ممارسة شعائره الدينية، ومن الحقوق الليبرالية أيضاً، عدم تدخل الآخرين أو السلطة بخصوصيات الفرد، وحق الملكية الخاصة. ولا أحد يستطيع أن يرفض نظاماً أخلاقياً وإنسانياً كهذا لكن السوبر حداثة كما يراها الباحث، ترى أن الذي يميز الديمقراطية هو أنها تخلق التعددية بدلاً من أن تحافظ عليها، بمعنى آخر، لا بد للديمقراطية – الليبرالية أن تهدف إلى بناء مجتمع متعدد الأعراق والمذاهب والأفكار وبذلك تزول الأكثرية وديكتاتوريتها، وحينها فقط تصبح المشاركة الاجتماعية والسياسية مشاركة ديمقراطية وحرة.
‏ومن بين الأفكار الممكنة التي تطرحها السوبر حداثة فكرة إعادة توزيع الثروة على أساس رفع دخل الفرد، فعندما يرتفع دخل كل فرد إلى أقصى ما يأمل، حينها يتكون المجتمع من أفراد أحرار في تصرفهم وفكرهم، والأمر كذلك ينطبق على المثقف، فالحداثة ترى المثقف على أنه مالك المعيار الصحيح للحكم على المعتقدات وصاحب الحقيقة والمعرفة، أما ما بعد الحداثة، فالمثقف هو الناقد والرافض لمعيار صحيح ولحقيقة ومعرفة واحدة لأن المعيار متكثر والحقيقة والمعرفة نسبية. أما السوبر حداثة فتقول إن المثقف غير موجود، لأن مفاهيم المعيار والحقيقة لا بد أن تستبدل بمفهوم الممكنات. فالسوبر حداثة تدرس ما هو ممكن وليس ما هو صادق، وما هو معرفة بالنسبة إلى معيار معين أو آخر.
‏وفي مقام آخر يتطرق إلى الفلسفة الافتراضية والنصوص الممكنة فيعرّف النص الافتراضي بأنه المنبثق من العدم لأنه يخلو من مخطط للأحداث الأساسية الذي من خلاله يبني الأدب. من هنا، فإنه من المستحيل اختصار مضمون الكتاب الافتراضي في جملة أو جملتين، لأن مضمونه الافتراضي عن النص الواقعي، هو أن النص الواقعي يحتوي على قصة وحبكة ومضمون محددين بينما يفتقد النص الافتراضي لهذه العناصر، ويخلص الكاتب إلى أن علم الأفكار ليس علماً جديداً، بل هو أصل العلوم، وعلى هذا الأساس تتخذ السوبر حداثة قيمتها كونها محاولة إنشاء ما هو جديد فالطريقة الفضلى لمواجهة تكاثر المعلومات واجتياحها هي أن ندرسها، ونقيم فكراً جديداً، بدل أن نكون متلقين لفكر الآخرين.
و في كتابه (السوبر معلوماتية) يتناول بعضاً من أنواع الأدب التي تعبر عن الفكر المستحيل، فالتصوف –كما يرى- ممتلئ بالعبارات المتناقضة والمواقف المستحيلة ومثاله على ذلك أدب الحلاج الذي يراه تعبيراً شائقاً عن الفكر المستحيل والعوالم المستحيلة ، فالحلاج يبني الأكوان المستحيلة من خلال نصه :” اقتلوني يا ثقاتي/ إن في قتلي حياتي/ ومماتي في حياتي/ وحياتي في مماتي” فالشيء إما حي وإما ميت، وبذلك يستحيل أن يوجد موته في حياته، وحياته في موته. ولا يكتفي التصوف بوصف الأكوان المستحيلة بل هو يضيف أوصافاً ممكنة ومختلفة فهو كسائر ميادين الإبداع يضيف العوالم المستحيلة والعوالم الممكنة وكذلك يرى ميداناً إبداعياً آخر يعبر عن العوالم المستحيلة والعوالم الممكنة مستشهداً بقول جبران ” هل تحممت بعطر/ وتنشفت بنور/ وشربت الفجر خمراً/ في كؤوس من أثير” فمن المستحيل أن يستحم الفرد بالعطر ويتنشف بالنور ويشرب الفجر خمراً. هكذا يصور الشعر الأكوان المستحيلة، ليصل إلى نسبية المستحيل والممكن، فما هو مستحيل بالنسبة إلى نظرية ما أو نظام مفاهيمي معين، قد يكون ممكناً بالنسبة إلى نظرية معينة ومستحيلاً بالنسبة إلى نظرية أخرى، فما هو ممكن بالنسبة إلى نظام فكري معين قد يكون مستحيلاً بالنسبة إلى نظام آخر. ومن هنا نراه يؤكد على العلاقات الرياضية التي تحكم العالم في (السوبر مثالية) ، هذه العلاقات التي يتشكل العالم على أساسها بدلاً من العلاقات السببية أو الشرطية أو الجدلية، فالعلاقة الجدلية تعود إلى التراث اليوناني ونظر إليها “هيغل وماركس وغيرهما”، والسوبر مثالية تحاول أن تقدم ما هو جديد من خلال ربط الأشياء والظواهر والحقائق والمفاهيم على ضوء معادلات رياضية مختلفة، فبدلاً أن يكون هدف الفلسفة تحليل المفاهيم والظواهر تغدو وظيفة الفلسفة تقديم الرابط الرياضي بينها. ولهذا أساس علمي وهو أن الرياضيات لغة الفيزياء، والقوانين الفيزيائية مكتوبة بلغة الرياضيات، من هنا، فمن الطبيعي أن تحكم المعادلات الرياضية الحقائق كافة. والمثالية كما يراها في العقل الذي يحدد الوقائع الممكنة والأكوان الممكنة. وتعتبر المثالية أن الكون يعتمد في وجوده وتشكله على العقل فقط، لكن السوبر مثالية: تقول: إن الأكوان الممكنة تعتمد في وجودها وتشكلها على العقل. ويعود في السوبر مثالية إلى الحلاج في خطابه الصوفي المستحيل والممكن، المحدد واللامحدد، القريب والبعيد، الخير والشر، الغائب والحاضر، الكفر والإيمان، مشيراً إلى أن العمل الإبداعي كأي عمل آخر يحكمه المحدد واللامحدد معاً، ويبدو المحدد لديه في الممكنات بينما اللامحدد هو المستحيلات، معتبراً أن السوبر مثالية كمذهب فلسفي تلجأ إلى العلاقة الرياضية وتضعها في أساس العملية التفلسفية متخطية بذلك التركيز على العلاقات التي سادت في عصر التفلسف فهي تعتمد على النسق الرياضي في محاولة لتقديم كل ما هو جديد. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الباحث اختار العقل وحده لتحديد الأكوان الممكنة والمستحيلة، وعلاقة التحديد هذه لاتتضمن أن يغدو العقل والأكوان الممكنة والمستحيلة محددة، لأن التحديد المتبادل بينها هو تحديد مستمر إلى ما لا نهاية. وبذلك تبقى العقول والأكوان مالكة لعنصر اللامحدد فيها. وهذا بسبب لا نهائية ما يمكن أن يفكر فيه العقل.‏
إن طروحات حسن عجمي تثير الكثير من العصف الذهني وتدعونا لأسئلة مريبة حول أفكارنا ومناهجنا وقدرة الإنسان التفسيرية والحجج المعرفية التي يمكن بها التوافر على شروط القراءة. و طريقته في التعبير عن واقع المجتمع العربي، طريقة مبتكرة في التناول وخاصة، على الصعيد التراثي . ويمكننا القول: إن عملية اكتشاف مبحث اللغة في التاريخ أو الدخول إلى التراث من زاوية جديدة ظلت غائبة عن سماء الثقافة العربية، حتى جاء بعض المفكرين كنصر حامد أو زيد وعلي حرب، والآن حسن عجمي فأثروا ميدان الدراسات التراثية بهذا الأسلوب الجديد. وهذا الأمر يدعوني إلى التساؤل ، عن غياب هذا المبحث في ثقافتنا المعاصرة مع أنه موجود في تراثنا ، ولعلي أرى الإجابة فيما يصدره ويصنعه الغرب من أمور معرفية سرعان ما تتلاقفها الثقافة العربية ويعتبر هذا التلاقف موضة الكتابة العربية فمن الديكارتية إلى الماركسية إلى الإبستمولوجية إلى التفكيكية والآن الألسنية.
‏باختصار نحن مستهلكين للثقافة الغربية ، فهل انتهى البحث المعرفي والفلسفي ولم يعد هناك ما يضاف إليه، أو أننا ننتظر الغرب حتى يعطينا الملائم للبحث في تراثنا ، إذا كنا نفكر بهذا المنطق فإننا لن نكون قادرين على صنع ثقافة فاعلة وحقيقية قادرة على أن تفرض نفسها بين ثقافات العالم.‏

عزيزة السبيني‏

جريدة الاسبوع الادبي العدد 1086









الاثنين، 2 مارس 2009

اللغة نموذج بيولوجي

كتاب ((اللغة نموذج بيولوجي)) للأمريكية ميليكن:

المعنى قرار اجتماعي




حسن عجمي


تدافع الفيلسوفة الأميركية ميليكن عن نظرياتها في اللغة والمعنى في كتابها الأخير <<اللغة: نموذج بيولوجي>>. فتعتبر ان الوظيفة الأساسية للغة هي التواصل، وان المعنى هو الاستعمال. سنراقب بعض تفاصيل فلسفتها في اللغة، ومن ثم نقيّم موقفها الفلسفي من خلال مقارنته مع نظرية المعنى كقرار.
تقول ميليكن إن مبادئ اللغة غير تقييمية بل هي أشبه بالوظائف التي تؤدي الى بقاء الأجناس البيولوجية حية. بكلام آخر، مبادئ اللغة مبادئ بيولوجية، ومن هذه المبادئ مبدأ قول الحقيقة في خطابنا (Ruth Millikan: Language: A Biological Model. 5002. Clarendon press. Oxford. p. vi. p. 091). على هذا الأساس تقول ميليكن ان بعض الأنواع اللغوية في التعبير تستمر في التداول لأن إنتاجها ونتائجها تفيد كُلا من المتكلم والمتلقي. هذا شبيه بما يحدث للكائن البيولوجي الذي يكتسب الصفات التي تخدم بقاءه حياً (p. 64. p. 35). وكما ان البشر يكررون التصرفات الناجحة في تحقيق أهدافهم، يتم تكرار أشكال لغوية معينة لأنها مفيدة في الوصول الى نجاحاتنا كبشر. هذه الأنواع اللغوية (كعبارات الشرط مثلا) تشكل الأعراف اللغوية. فالأعراف اللغوية تنشأ وتنتشر لأنها تقدم حلولاً لمشاكل المتخاطبين. من هنا، نستمر في إنتاج بعض الأشكال اللغوية لأنها تؤدي بالمتلقي الى ان يستجيب باستجابات مفيدة في تحقيق أهداف المتكلم. لكن لا بد للأعراف اللغوية ان تخدم مصالح المتكلمين والمتلقين معاً لكي تستمر وتبقى (pp. 55 - 85). تضيف ميليكن ان الوظيفة الأساسية للغة هي جعل الأعراف اللغوية ممكنة، ووظائف الأعراف اللغوية هي وظائف تواصلية. على هذا الأساس تستنتج ان الوظيفة الأساسية للغة تكمن في تحقيق التخاطب والتواصل بين المتكلم والمتلقي (pp. 72-82. p.93).
بالنسبة الى ميليكن، مبادئ اللغة هي الاستعمال اللغوي الذي يملك قدرة على الاستمرار. والمبادئ اللغوية وسائل على أساسها تنبثق التصرفات اللغوية، فالمبادئ طُرق للقيام بتصرفات معينة. من خلال هذا النموذج الفكري تعتبر ميليكن ان المعنى استعمال، فالذي يحدد معاني الألفاظ والعبارات هو استعمالها بطرق معينة. وتؤكد على هذا الاتجاه حين تقول ان المعنى وظيفة. فمعنى اللفظ المعين هو ما يقوم به هذا اللفظ. ووظيفة العبارة ذات المعنى تكمن في انها متى تُلفظ او تُكتب تؤدي بالمتكلمين الى استعمال تلك العبارة من جديدكما تؤدي بالمتلقين الى ان يكرروا الاستجابات ذاتها. أحد أدلتها على صدق تحليل المعنى من خلال الاستعمال هو التالي: كلمة <<مرحبا>> ليس لها قيم صدق بل لديها وظيفة اي استعمال. هكذا معنى <<مرحبا>> (كتحية) محدد من قبل استعمال مصطلح <<مرحبا>> وليس محددا من قبل متى يصدق ومتى يكذب. (p38 p.68 pp.98 - 09. pp.29-59).
من جهة اخرى، تقول ميليكن إن إحدى وظائف اللغة هي إنتاج الاعتقادات الصادقة (p. 091). هكذا نجد ان العامل <<البيولوجي>> في اللغة هو الأساس لأنه من خلال اكتسابنا للاعتقادات الصادقة ننجح في البقاء، فلو ان معظم اعتقاداتنا كاذبة لما استطعنا ان ننجو مما يحيط بنا من مخاطر. على أساس نموذجها البيولوجي للغة تعتبر ميليكن ان اللغة وسيلة لإدراك الكون وما يحتوي تماما كالسمع والبصر. فاللغة تتكلم الى الطفل مباشرة كما يفعل البصر والسمع واللمس. فمن خلال اللغة نحصل على إدراك مباشر للأشياء والأحداث وصفاتها. مثل على ذلك ان الكلمة تجعلنا ندرك الشيء المشار إليه بتلك الكلمة. فاللغة تقدم المعلومات عما يوجد في محيطنا تماما كباقي الحواس (p. 401. pp. 611 -911. p. 612).
لكن نظرية الاستعمال في تحليل المعنى تواجه مشاكل مختلفة منها: أولا، عبارة <<1-1-30>> هي عبارة رياضية ذات معنى رغم أنها عبارة كاذبة. وهي ذات معنى لأننا نفهمها بمجرد ان نفكر فيها. لكن لأنها كاذبة بالضرورة لا استعمال لها. هكذا نجد ان عبارة <<1>> لا استعمال لها لكنها ذات معنى، وبذلك من الخطأ تحليل المعنى على أنه الاستعمال. فلو ان المعنى هو الاستعمال، وبما ان لتلك العبارة الرياضية معنى، إذا لا بد حينها من وجود استعمال لها. لكن لا استعمال لها. وبذلك من الخطأ تحليل المعنى على أنه الاستعمال.

نظريتان

ثانيا، توجد نظريتان أساسيتان في العلم هما النظرية النسبية لأينيشتاين ونظرية ميكانيكا الكم، وهما في اختلاف وتعارض وصراع. فبالنسبة الى نظرية النسبية، الكون حتمي. لكن بالنسبة الى نظرية ميكانيكا الكم، الكون غير حتمي. على هذا الأساس يعتبر العديد من العلماء ان النظرية الصادقة في تفسير الكون لم تكتشف بعد. توجد النظرية الصادقة هذه رغم أننا لا نعرفها بعد، ومن المفروض أنها ستوحد بين نظرية النسبية ونظرية ميكانيكا الكم. والعديد من العلماء يعتبر أنه من الممكن ان تكون نظرية الأوتار هي النظرية الصادقة في العلوم وستتمكن من التوحيد بين النظريتين النسبية وميكانيكا الكم. وبذلك من الممكن ايضا ان لا تكون هي النظرية الصادقة. فلم يكتشف العلماء القانون او القوانين الاساسية لنظرية الأوتار رغم اتفاقهم على ان نظرية الأوتار تؤكد على ان كل شيء يتكون من اوتار وأنغام الاوتار. من هنا، النظرية الصادقة في تفسير الكون لم تكتشف بعد (أنظر: Michio Kaku: Parallel World. 5002. Doubleday. pp.581 - 881). الآن، رغم ان النظرية الصادقة موجودة، لا يوجد استعمال لها لأننا لا نعرفها بعد. من جهة اخرى، لأن النظرية الصادقة هي نظرية علمية، إذا لديها معنى. هكذا نجد ان لتلك النظرية معنى من دون وجود استعمال لها. وبذلك من الخطأ تحليل المعنى على أنه الاستعمال. فلو ان المعنى هو الاستعمال، ولكون تلك النظرية العلمية الصادقة لا استعمال لها، اذا ستغدو تلك النظرية العلمية لا معنى لها، وهذه النتيجة كاذبة. بذلك من الخطأ تعريف المعنى على انه استعمال.
أما نظرية القرار فتحلل المعنى على أنه قرار اجتماعي. والقرار الاجتماعي يتضمن قرار العلماء في الفيزياء والرياضيات، فالعلماء يشكلون جماعة معينة. من هذا المنطلق نتمكن من تفسير لماذا عبارة <<1>> لديها معنى ولماذا النظرية العلمية الصادقة والتي لم تكتشف بعد لديها معنى رغم ان لا استعمال لتلك العبارة ولتلك النظرية. والتفصيل هو التالي: لعبارة <<1-1-30>> معنى لأن علماء الرياضيات قرروا ذلك. والنظرية العلمية الصادقة والتي لم تكتشف بعد لديها معنى لأن علماء الفيزياء قرروا ذلك، اي قرروا أنها موجودة وأنها نظرية علمية. هكذا تنجح نظرية القرار في التعبير عن وجود معنى لتلك العبارة وعن وجود معنى لتلك النظرية العلمية بينما نظرية الاستعمال تفشل في ذلك. هذا يدلنا على مصداقية نظرية القرار.
أخيرا، من المعروف في الآداب الفلسفية انه اذا غيرنا استعمال مفهوم معين وبدلنا سياقه سوف يتغير معنى ذاك المفهوم. كما من المعروف في الفلسفة انه اذا بدلنا قيم الصدق لعبارة ما سوف يتغير معنى ذلك العبارة. فمثلا، اذا كانت عبارة <<الثلج ابيض>> صادقة اذا وفقط اذا الثلج اخضر، حينها عبارة <<الثلج ابيض>> تعني الثلج اخضر ولا تعني الثلج ابيض. هكذا مع تغير قيم الصدق يتغير المعنى. لكن كل هذا لا يشير الى ان المحدد الاساسي للمعنى هو الاستعمال والسياق او قيم الصدق. بل هذا يدل على ان القرار هو المحدد الاساسي للمعنى. فقبل ان نغير استعمال المفهوم وسياقه، وقبل ان نبدل قيم الصدق، لا بد ان نتخذ قرارا بذلك. هكذا يغدو القرار هو المحدد الاساسي للمعنى. على هذا الأساس نؤكد على ان المعنى هو قرار اجتماعي. ولا بد من اعتباره كذلك ليصبح المعنى مشتركا بين أفراد المجتمع.




الرابط :http://www.alimbaratur.com/All_Pages/Baydat_T_Stuff/B_T_51/B_T_51.htm