الأحد، 24 مايو 2009

السوبر حداثة : الحرية و النهضة


السوبر حداثة : الحرية و النهضة

حسن عجمي

تعتبر الحداثة أن الكون محدد لذا من الممكن معرفته، بينما تقول ما بعد الحداثة أن الكون غير محدد ولذا من غير الممكن معرفته لكن السوبر حداثة تختلف عنهما لآنها تجمع مابين إمكانية المعرفة ولامحددية الكون. نرتحل هنا إلى بعض عوالم السوبر حداثة ونظرتها إلى الحرية والنهضة.

الحرية

تكمن الحرية السوبر حداثية في أن يكون الإنسان غير محدد في ماهيته، وغير محدد في صفاته و هويته و في أفكاره و رغباته ومشاعره. هكذا يتمكن من خلق ذاته باستمرار فيتحرر بذلك من كل ما يحدده.
بالنسبة إلى السوبر حداثة، اللامحدد يحكم العالم. تقول السوبر حداثة إن الكون غير محدد لكن رغم ذلك من الممكن معرفته لأن من خلال لامحدديته من الممكن تفسيره. مثل ذلك أنه من غير المحدد أية نظرية علمية هي النظرية الصادقة، لذا من الطبيعي أن توجد نظريات علمية عديدة كلها ناجحة في تفسير الكون رغم اختلافها وتعارضها كنظريتي النسبية لأينشتاين ونظرية ميكانيكا الكم. مثل آخر على تطبيق السوبر حداثة هو أن الإنسان غير محدد ماهو، لذا ينجح الإنسان في التأقلم والتكيف مع ال
ظروف المختلفة فيتمكن من التطور والاستمرار على قيد الحياة. من المنطق ذاته، تعتبر السوبر حداثة أن الحرية كامنة في لامحددية الإنسان. فمتى كان الإنسان غير محدد، يتمكن حينها من التحرر من كل ما يحدده من داخله أو خارجه. حين يكون الإنسان غير محدد يستدعي ذلك ضرورة أن يحدد ذاته بإستمرار، وبذلك يغدو هو المتحكم في خلق ماهيته وهويته وأفكاره ورغباته ومشاعره فيضمن حريته.
على هذا الأساس، تحل السوبر حداثة مشكلة فلسفية أساسية ألا وهي : إذا كانت الحرية كامنة في قيامنا بأفعال على ضوء أفكارنا ورغباتنا ومشاعرنا، إذن نبقى غير أحرار بسبب أن أفكارنا ورغباتنا ومشاعرنا محددة من قبل ماهو خارجنا كالمجتمع أو محددة من قبل النيورونات في أدمغتنا التي تتحكم فينا ولانتحكم فيها. وحل السوبر حداثة هذه المشكلة الفكرية هو التالي:
بالنسبة إلى السوبر حداثة تحيا الحرية في أن نكون غير محددين ما يضمن أن نكون نحن من نخلق ذواتنا وأفكارنا ومشاعرنا ورغباتنا باستمرار وبذلك نتحرر منها. من هنا، و إن كانت أفكارنا ورغباتنا ومشاعرنا وذواتنا محددة من قبل المجتمع أو من قبل البيولوجيا، نحافظ على حريتنا لأننا تحررنا من ذواتنا وأفكارنا ورغباتنا من جراء أن نكون غير محددين.
بكلام آخر، إذا كنت غير محدد من أنا فسوف أتحرر من نفسي وبذلك أتحرر من كل ما يحددها أكان المجتمع أو التاريخ أو الجسد البيولوجي . هكذا لابد من أن نتحرر من أنفسنا أولاً لكي نتحرر من الآخرين ومن الأسباب الطبيعية المتحكمة فينا. بالإضافة الى ذلك، كل من السوبر مستقبلية و السوبر أصولية تضمن الحرية لنا. بالنسبة إلى السوبر مستقبلية ، التاريخ يبدأ من المستقبل. مثل ذلك أن نحلل الحقيقة على إنها قرار علمي في المستقبل، ولأن الحقيقة قرار علمي في المستقبل، والمستقبل لم يتحقق بعد كلياً ، إذن لابد من السعي الدائم والبحث المستمر عن تحديدها، وبذلك نضمن استمرارية البحث المعرفي والعلمي، وهذه فضيلة معرفية. الآن، بما أن الحقيقة بالنسبة إلى السوبر مستقبلية هي قرار علمي في المستقبل، والمستقبل لم يتحقق بعد بل يعتمد علينا في تحقيقه ، إذن الحقيقة غير محددة ، وبذلك تعتمد علينا في تحديدها. هكذا تضمن السوبر مستقبلية تحررنا من الحقيقة. فالحقيقة محددة في المستقبل فقط لأنها قرار علمي في المستقبل، وبذلك تعتمد الحقيقة علينا كي نحددها ما يضمن أننا نحن من نخلقها وبدلاً من أن تخلقنا، وبذلك نضمن حريتنا.
إذن من المنطق ذاته ، تؤكد السوبر أصولية على أن الأصول المعرفية والدينية محددة فقط في المستقبل، وبذلك هي غير محددة في الحاضر والماضي ما يضمن تحررنا منها، بالنسبة إلى السوبر أصولية، نحن من نصنع التراث بدلاً من أن يصنعنا، وبذلك نتحرر من دون أن نلغيه. لكن اليوم نحن سوبر متخلفون لأننا رفضنا العلم والمنطق، ونستخدم العلوم من أجل التجهيل. على هذا الأساس لا نستطيع أن نتحرر من سوبر تخلفنا إلا من خلال قبول العلم والمنطق ومشاركة الحضارة في إنتاج العلوم والأفكار الجديدة. حينها فقط تتحقق إنسانيتنا فنغدو أحرارا.
إذن هل المعرفة تحررنا ؟ هذا يعتمد على طبيعة المعرفة. فالمعرفة الغير محددة تحررنا لأنها غير محددة، ما يدفعنا إلى الإستمرار في البحث عنها فنتحرر من يقينياتها المخادعة. العلم عملية تصحيح مستمرة ، وبذلك لا يقينيات في العلم. من هنا العلم يحرر الشعوب فيبني الحضارات. أما إذا كانت المعرفة محددة فسوف تسجننا في يقينياتها، وبذلك يتعصب كل فرد لمعتقده. فنقع في السوبر تخلف. من هنا المعرفة المحددة تقتل الحرية، أما المعرفة الا محددة فتضمن الحرية. بالنسبة الى السوبر حداثة، المعرفة غير محددة ما يستدعي تحديدها من قبلنا نحن وبذلك نتحرر من يقينياتنا الكاذبة.

النهضة

لكن ماهي النهضة وكيف من الممكن خلقها ؟ تجيب السوبر حداثة بأن النهضة تحيا في اللامحدد، وسيتم تكوينها من خلال اعتماد اللامحدد في التصرف والتفكير.
بمعنى آخر ، الشعوب التي تمر في حالة النهضة هي الشعوب التي يسيطر اللامحدد على أفعالها وفكرها. بالنسبة إلى السوبر حداثة اللامحدد ينجح ويبقى،أما المحدد فيفشل ويزول . هذا لأن الشيء غير المحدد يتمكن من التكيف والتأقلم مع المتغيرات المختلفة لكونه غير محدد، وبذلك يضمن نجاحه واستمراره ما يجعله يحقق نهضته، أما المحدد ولكونه محدداً لايتمكن من التكيف مع المتغيرات المتتالية، وبذلك يفشل في تحقيق أي نجاح و استمرار ما يؤدي الى تخلفه وزواله.
تتصف الظواهر النهضوية بأنها غير محددة ما يجعلها قادرة على الاختلاف والتكيف والنجاح. فمثلا، عندما يكون العلم غير محدد ما هو، حينها ينشأ الجدل المستمر حول ما العلم؟ وما يدفع الأفراد نحو أن يصبحوا علماء وفلاسفة يناقشون مسألة ما العلم ؟ هكذا من لامحددية العلم وإعتباره غير محدد تنموا طبقة العلماء والفلاسفة التي لاغنى عنها كي توجد النهضة. من المنطلق ذاته، عندما يكون النظام السياسي والاقتصادي غير محدد ما هو ؟ وما يجب أن يكون ، لابد حينها أن تزدهر مناقشة ما النظام السياسي والاقتصادي الأفضل، فتنموا بذلك طبقة الساسة والمفكرين الإجتماعيين الضرورية لقيام النهضة. وهذا ما يصدق ايضا على الظواهر المختلفة. أما إذا كان من المحدد ما العلم ؟ وما النظام الأفضل؟ حينها لن يدور أي نقاش ولن يحدث أي اختلاف حول ما هو العلم وما هو النظام الأفضل ، وبذلك تسود الدكتاتورية ويسيطر الغيب. لامحددية الظواهر تدفع نحو تحديدها ما يخلق التنوع والإختلاف في الفعل والفكر الإنساني، وما يضمن بدوره حرية التصرف والتفكير. فلا نهضة من دون علم وحرية . ولاعلم ولا حرية في ظل سيطرة المحدد . فاذا كان من المحدد ما المعرفة مثلاً؟ حينئذ ما علينا سوى أن نأخذها من هذا المصدر أو ذاك، وبذلك يتوقف بحثنا عنها وتموت العقول .لا محددية الإنسان أساس إبداعه وحريته. وحده المحدد قاتل الإنسان لأن إنسانية الإنسان كامنة في لامحدديته.








الأحد، 17 مايو 2009

الكاتب حسن عجمي : التفسير الظاهري للدين لا يكفي


الكاتب حسن عجمي:

التفسير الظاهري للدين لا يكفي



يوحي عنوان كتاب حسن عجمي "السوبر اصولية" بنظرية جديدة في قراءة الحركات الاصولية، بتجاوزها ما هو سائد حتى الآن. تظهر الصفحات الاولى أننا امام عنوان اضخم بكثير من المحتوى، حيث لا يغطي سوى فصل واحد من الكتاب، فيما يتركز القسم الاكبر والاهم منه حول "الدلالة والمعنى واللغة في التراث الاسلامي". مع ذلك يحاول الكاتب ان يقدم مفهوما حول السوبر اصولية قد يتفق الواحد معها او يختلف فيراها غريبة عن المألوف.يعرّف عجمي السوبر اصولية بأنها "الاتجاه الذي يحاول الخروج من الاصولية والحداثة"، ويحدد الدين مفتاحاً لتعريف نظريته فيعتبر ان الاصولية ترى الى الدين من منطلق المطلقات والثوابت وامكان تأصيل المعتقدات الدينية والبرهنة على صدقها، فيما تنظر الحداثة الى الدين نظرة بعيدة عن المطلقات والثوابت بتأكيدها التغير الدائم في المفاهيم، ومنها الدينية. اما السوبر اصولية فتقول نظريتها حول الدين بأنه مطلق وثابت في المستقبل فقط، ولا يمكن ان تتم البرهنة على صدقية هذا الدين إلاّ في المستقبل، فيما يبدو الدين، حاضراً وماضياً، في حال من التغير يستحيل معها البرهنة على صدقه. هذا القول للسوبر اصولية حول ثبات الدين في المستقبل يوصل الى المحافظة على "دينية الدين كونه في التعريف هو الله". وتؤمن السوبر اصولية بأن القرآن والسنّة هما مصدر المعارف والاحكام الحق في المستقبل فقط، اي في الآخرة وعند "مجيء المخلص"، وهو ما يعني ان الدين والاسلام منه غير قائمين في الحاضر والماضي، وسينوجدان في المستقبل البعيد الذي لن تصل اليه اجيالنا. ويكمل عجمي ان السوبر اصولية تنادي بتطبيق مبدأ اللامحدود على جميع الميادين كسبيل لادراك الظواهر والحقائق في الحاضر والماضي. ولدى تطبيق هذه النظرية على الاسلام، يتبادر سؤال منطقي حول عدم القدرة على تحديد من هو المسلم، هل هو المؤمن بقوة عليا ام المؤمن بالشهادتين، وهل من الملزم له اقامة الشعائر الاسلامية ليصبح مسلما حقا. يطبق عجمي نظريته في السوبر اصولية على الاخلاق فيرى انها قائمة في المستقبل فقط، ولذلك هي غير محدودة في الحاضر والماضي. بالنسبة الى هذه السوبر اصولية، ليس هناك تحديد للاخلاق ولطبيعة اي عمل، وهل هو اخلاقي ام غير اخلاقي، مما يسمح بالاختلاف والتغير في فهم معنى الاخلاق. يتطرق القسم الرئيسي من الكتاب الى مسألة الدلالة والمعنى واللغة في التراث الاسلامي كما طرحها عدد من الفلاسفة والفقهاء. أكد عبيد الله بن الحسن، قاضي البصرة، ان "كل ما جاء به القرآن حق ويدل على الاختلاف، فالقول بالقدر صحيح وله اصل في الكتاب، والقول بالاجبار صحيح وله اصل في الكتاب"، مما يعني احتواء القرآن معاني مختلفة ومتضادة. وعلى هذا الاساس، من الخطأ تكفير اي موقف كان حول هذا الموضوع. اما السيرافي فدافع عن الدين الاسلامي من خلال نقده للمنطق والفلسفة اليونانية معتمدا نظرية النسبية في المعرفة التي رأى اختلافها مع اختلاف اللغة، فيما تحدد اللغة المعرفة. وهذا يعني له ان اللغة العربية المتمثلة في القرآن والسنة تحدد المعرفة بالنسبة الى العرب والمسلمين.اعتمد الزمخشري والاسيوطي فكرة كون اللغة مصدر المعرفة للبرهنة على صدق الاسلام، وعلى أن معظم ابواب اصول الفقه ومسائله تعتمد في بنائها على علم الاعراب الخاص باللغة العربية. قدم الشافعي نظرية في المعنى فقرر ان السياق يحدده، لذلك خاطب الله العرب بلسانها، فيما ذهب ابو بكر الرازي الى نقد الدين الاسلامي ورفض وجود النبوات، واعتبار القرآن حاويا التناقضات والخرافات. اتى موقفه هذا اعتقادا منه ان الجمل اللغوية لديها معان ظاهرة فقط، ولا تملك معاني باطنية تلغي ما هو ظاهر. في مقابل ذلك رأى اخوان الصفا ان اللغة ذات المعاني هي مصدر المعرفة، وان اختلاف اللغات يفسر اختلاف الآراء والديانات، وان التفسير الباطني للدين هو التفسير الصحيح لمفاهيمه وآياته.شكلت اللغة ميدان صراع بين المعتزلة والاشاعرة، فقط ربط المعتزلة نظريتهم في اللغة بقضية خلق القرآن. فالكلام، اي اللغة، صوت وحرف، والله متكلم، والاصوات فعل اجسام، لذلك من غير المستغرب ان يكون القرآن فعل اجسام. وبما ان اللغة ليست ازلية، وان القرآن لغة، اذن القرآن مخلوق وليس ابديا. في مقابل ذلك ذهب الاشاعرة الى ان اللغة معنى قائم في النفس، وبما ان لغة الله، اي القرآن، قائمة في نفس الله، وبما ان نفس الله ازلية، لذا فإن القرآن ازلي وليس مخلوقا. ذهب الكندي الى القول باستقلالية الالفاظ عن السياق الخطابي، مما يعني ان فهم النص، وتفسيره، ومن ضمنه القرآن، لا يعتمد على السياق النصي والقرآني، فيما أكد كل من الفارابي وابن سينا ان معاني الآيات القرآنية تعتمد على ادراكنا او تعقلنا اكثر مما تعتمد على السياق القرآني واسباب النزول وتفاسير السلف، وهذا يصل بهما الى القول بأن التفسير الباطني للدين هو التفسير الصحيح. وشدد الغزالي على أفضلية الجمع بين التفسيرين الظاهري والباطني للدين. اما ابن عربي فأشار الى ان ادراك معاني القرآن او الدين انما يتم من خلال تخيل الأشياء التي يتحدث عنها القرآن او الدين. التقى ابن رشد مع كثير من هذه الاحكام الا انه أكد دور القوى العقلية وقوى الادراك المختلفة في معرفة المعاني، وهو حكم وصل به الى الدعوة الى التأويل الباطني للنص الديني.لا تزال قضايا اللغة وتفسير النص الديني حيوية وراهنية، تكتسب اهميتها من "اكتساح" النظرة السطحية الى النص الديني الذي يتطلب اخضاعه للتحليل العقلاني، بما ينزع عنه الاسطرة والخرافات وتبرير ايديولوجيا العنف، ويضعه في موقعه الروحي والاجتماعي حيث يجب.

خالد غزال







الرابط : http://www.aljaml.com/node/11906

السبت، 9 مايو 2009

خصخصة الثقافة خصخصة الإنسان


خصخصة الثقافة

خصخصة الإنسان


حسن عجمي

إنه زمن خصخصة الثقافة والإنسان . بعد صراع دام بين المذاهب الإيديولوجية المختلفة سيطرت الفكرة القائلة بأن الجشع هو الأساس في تطوير الحضارات الإنسانية . فكلما ازداد جشعنا ازددنا في تحسين أدائنا كي نكسب أكثر . من هنا إذاامتلك فرد مؤسسة عامة سوف يبذل جهداً أكبر في تطويرها من أجل أن يكسب مالاً أكثر وسلطة أوسع. وبذلك الخصخصة، بالنسبة الى هذا التفكير، هي الخلاص الحقيقي والوحيد كي تبقى مجتعاتنا وتتطور. وهذا ما يصدق في كل ميدان وحقل من وجهة نظر هذا النموذج الفكري. ما أدى إلى تطبيق الخصخصة على الإنسان ذاته وعلى الثقافة بوجه عام. فتحول الإنسان خاصة إلى هذا الطاغية أو ذاك. وتحولت الثقافة إلى سلاح في يده.
تخصخص الإنسان بالفعل؛ لقد أصبح الإنسان مجرد فكرة غير متحققة في الواقع. فحيثما تنظر لاترى إنساناً ولن تراه إلا إذا ربطته بقبيلة مذهبية أو طائفية أو منطقية أو عرقية. هكذا أمسى الإنسان متخصخصاً ولم يعد قيمة وكياناً في حد ذاته. أما الثقافة فتخصخصت الى أقصى حد. فلا يوجد مثقف مستقل وأن حاول. وإذا نظرت جيداً لن تراه إلا جندياً في جيش هذا الطاغية الكبير، أو ذاك الطاغية الصغير. فانتشرت العصابات حيث كل وسيلة إعلامية تكتفي بأعضاء عصاباتها وتحارب العصابات الثقافية الأخرى، وتغلق الأبواب والنوافذ على كل جديد ومغاير. أصبح ((المثقف)) جاسوساً لهذا النظام أو ذاك، و موظفاً في هذه السفارة أو تلك. هكذا تخصخص المثقف وضاعت الثقافة. إنه زمن السوبر تخلف. لكن أثبتت الخصخصة فشلها. فبعد الإنهيار الاقتصادي الهائل في الغرب، وخاصة في أمريكا، فتبين ما كنا نعرف، ألا وهو أن الجشع لايبني الحضارة والإنسان بل يدمرهما. وبما أن الخصخصة تعتمد على فكرة أن الجشع مفيد، إذاً من الطبيعي أن تفشل الخصخصة وتسقط في ثقبها الأسود.
وكما أن خصخصت المؤسسات أدّت الى كارثة، كذلك سوف تؤدي خصخصة الثقافة والإنسان إلى زوالهما. يخسر الإنسان إنسانيته، متى كان عبداً لفكرة؛ عبيد الأفكار عبيد الطغاة. والخصخصة كآلية اقتصادية واجتماعية وثقافية مجرد فكرة تستعبد شعوب الأرض اليوم. لكنها سوف تحتضر وسوف تموت عما قريب. فلا يوجد إنسان مع خصخصة ثقافته. فالخصخصة تعني التبعية لأسياد الشريكات والمؤسسات الثقافية والاقتصادية إلخ ما يتضمن بالضرورة أن نغدو عبيدا لتلك المؤسسات.
لقد أمسى المثقف عبداً للسيد المرحوم، سيد المال والسلطة. فتحولت الكلمة إلى قطعة نقدية لشراء قليل من الماء والخبز، ولنشر التخلف والجهل بين الناس. لقد عبرت اللغة العربية عن هذه العلاقة الجدلية. فالنقد يشير الى المال كما يدل على تحليل الخطاب وتفكيكه. هكذا كان مصير المثقف العربي منذ البداية أن يكون خادما لسلطان الجوع والسيف. لغتنا أصدق منا؛ فقط نحن الكاذبون الصغار. أما الأكاذيب الكبيرة فصانعة الحضارات. ولانقوى على صياغتها أو النطق بها. إنه عصر السوبر تخلف الفائق. حيث الجهل هو القيمة الأعلى. فكلما كان الفرد منا أكثر جهلاً وتخلفاً، كلما ارتقى أكثر في مناصب المجتمع المزعوم والدولة المفترضة.

خصخصة الدين خصخصة الله


حين خصخصنا الدين خصخصنا الله. أصبح لكل دين مؤسساته الخاصة برئاسة هذا الأمير أو ذاك. وبمجلس إدارة ورأسمال معين ومشاريع تجارية وثقافية واجتماعية وسياسية متنوعة مما أدى الى تنافس المؤسسات المختلفة ضمن الدين ذاته والمذهب نفسه. و أمسى الإيمان شهادة يقدمها رجال الدين. ومن دونهما يفقد الإنسان دينه وحقوقه الشرعية والمدنية. وظهر لكل مذهب ديني جيشه الخاص المأمور بمجلس وزراء إلهيين يصنعون المعجزات الكبرى والصغرى معاً. فلا يحق لفرد أن يكتب أو يتكلم خارج سياق دينه أو مذهبه. كما لايحق له أن يسكن في مناطق المذاهب أو الطوائف الأخرى. وإلا سيبقى غريباً بين الغرباء. لكل قبيلة مذهبية أو طائفية مدارسها وجامعاتها ووسائل إعلامها وأمنها الخاص؛ ووظيفتها جميعاً كامنة في محاربة القبائل المذهبية والطائفية الأخرى. عندما تخصخص الدين خسرنا الله. وسيطر الإرهاب والإقتتال الداخلي المستمر. فلادين مع الخصخصة في زمن تخصخص الدين لم يتمكن الله سوى أن يتخصخص أيضاً فتتحول الى آلهة مختلفة ومتصارعة. فإله الشيعة بات مختلفا عن إله السنة، وأنقسم الله على نفسه، فأصبح إله المسلمين منافساً لإله المسيحيين. هكذا لكل قبيلة إله. لم يمت الله لكننا قتلناه.
خصخصة العقل

في زمن الخصخصة الفائقة والشاملة، لامجال سوى أن يتخصخص العقل. فأمسى العقل منقسما على ذاته؛ فثمة عقل ديني في مقابل عقل علمي، وعقل فلسفي في مقابل عقل صوفي، وعقل عربي في مقابل عقل غربي، وعقل إسلامي في مقابل عقل مسيحي إلخ، وسياق هذه
عبارة يدل على أن خصخصة العقل لاتصطحب معها سوى الصراع والحروب. فالمقصود من الخصخصة هو التقسيم، ومع كل تقسيم تنافر فقتتال. هكذا أصبحت الخصخصة سلاحاً أساسياً من أجل نشر الكراهية والصراع بين الشعوب، وظمن الشعب الواحد. وكل منا لاينتمي إلى عقل معين ويعادي العقول الأخرى، يغدو خائناً. لقد أمسى العقل سلعة في سوق الخضار الكوني. واقتنع العرب بتفوق الخصخصة حتى أنهم يعرضون أوطانهم للبيع، لكنهم لم يجدوا أحداً ليشتريها فأصابهم اليأس واكتفوا بالدعاء المخصخص بدوره. كما أننا نحن العرب فشلنا في خصخصة الإنسان، لأننا حين بحثنا عنه بيننا لم نجده. فالإنسان مجموع حقوقه، كحق أن يعيش عيشاً كريماً، وحق أن يكون حراً. لكننا نفتقر إلى الحقوق الإنسانية، وبذلك لايوجد إنسان بيننا. على هذا الأساس، نحيا في محاولات أن نتخصخص، ولأنها محاولات فاشلة دوماً، افتتحنا عصر الخصخصة الفائقة؛ ففشلنا في الخصخصة خصخصة فاشلة.





الاثنين، 4 مايو 2009

الكاتب حسن عجمي : كل ما يفكّر فيه الإنســــان هو صـادق



الكاتب حسن عجمي


كل ما يفكّر فيه الإنســــان هو صـادق

يواصل الباحث اللبناني حسن عجمي الحفر في مشروعه الفلسفي «السوبري» ان جاز التعبير والذي انطلق تقريبا مع كتاب «السوبر حداثة» الصادر عام 2005 وتواصل مع عناوين «السوبر مستقبلية» و«السوبر معلوماتية» وايضا «السوبر تخلف» وهو ما يعتبر كانتاج فكري فلسفي متراكم وفق ايقاع سريع يصعب ان يضاهيه فيه احد عربيا .
ويركز حسن عجمي هذه المرة الذي تبنته وفي اطار المشروع الدار العربية للعلوم على ما يسميه بالسوبر مثالية ومن خلالها توقف عند مفاهيم عديدة على غرار الهوية السوبرمثالية والمعرفة السوبرمثالية والوعي السوبرمثالي وكذلك اليقين والقيمة والعلم والكون والانسان السوبرمثالية.

يقول الباحث في اصداره الجديد ان السوبرمثالية تنص على ان كلما يفكر فيه الانسان هو صادق لانه صادق في عالم ممكن او آخر. بمعنى انه بالنسبة الى السوبرمثالية اذا فكر الانسان بشيء اذن ذاك الشيء صادق في كون ممكن وهو موقف يصفه عجمي بالانسانوي حيث يغدو الانسان محور الممكنات والعوالم الممكنة الموجودة فعلا.
ويضيف الباحث في هذه النقطة ان السوبرمثالية تقول ان الفكرة تخلق صدقها الممكن وكل ما يفكر فيه العقل من دون خرق المنطق كعدم الوقوع في التناقض يوجد ما يطابقه في عالم ممكن. اما الفرق الاساسي بين المثالية والسوبرمثالية فيتمثل في انه بالنسبة الى المثالية العقل يخلق الموجود لكن بالنسبة الى السوبر مثالية اذا فكر العقل، وُجد الموجود والعكس لارتباط العقل والوجود رياضيا. يقول عجمي «الان السوبرمثالية تدرس كيف ان العقل يحدد الاكوان الممكنة، لكن السوبرحداثة تدرس الاكوان الممكنة بالذات ومن هنا لا نستطيع ان نفرق بين ميدان السوبرمثالية وميدان السوبرحداثة».
وفي خصوص مفهوم الهوية السوبرمثالية ذكر الباحث ان هوية الانسان غير محددة لكن العقل يحدد هوية الانسان من خلال ادراكه خصوصا ان حتى ادراك الآخرين ضروري لوجود هوية الافراد، لذلك فانه رغم أن الهوية غير محددة في ماهيتها فهي محددة في وجودها وهذا يعني ان الهوية حقل تفاعل بين المحدد واللامحدد.
وقد يتساءل القارئ كيف يتم التعاطي مع الفن والادب والفكر من منطلق السوبرمثالية؟
يجيب حسن عجمي ان اي عمل ابداعي كالفن والادب والشعر والفكر فانه ينقسم الى عنصر محدد وعنصر آخر غير محدد وضرب الباحث في هذا السياق مثالا يتعلق بالخطاب الصوفي مبينا كيف ان الكفر والايمان معا في خطاب الحلاج وغيره من المتصوفة وخاصة بادعائهم بحلول الله في ذواتهم.. بل ان الحلاج ذاته قد اعلن كفره في بعض شعره ونثره: «هكذا يوجد المحدد كما يوجد اللامُحدد في التصوف فمن المحدَّد ان التصوف عملية ايمان بالله لكن من غير المُحدد في الآن ذاته ما اذا كانت النتيجة هي الايمان بالله. وكلما زادت عملية حب الله في التصوف والايمان به زادت لامحددية خطابه».
ومن هذا المنطلق استنتج الباحث ان ازدياد عملية الفن للفن ادت الى التجريد في الفن ومن ثم الى اعتبار ان اية أداة كعلبة الطماطم مثلا قد تغدو فنا اذا وضعت في متحف فني.


آمال موسى

تونس ـ الصباح









الرابط : http://www.assabah.com.tn/pop_article.php?ID_art=3279





السبت، 2 مايو 2009

حسـن عجمـي: أنـا غيـر محـدَّد إذاً أنـا موجــود



حسـن عجمـي: أنـا غيـر محـدَّد إذاً أنـا موجــود




يختلط الأمر على الذي يعرف حسن عجمي: هل هو شاعر ام مفكر يسعى إلى بناء عمارة فكرية مميزة ام مستكشف لميادين جديدة من التفكير العلمي والأدبي سواء في «مقام الراحلين» (شعر ـ 2000) او في «معراج المعنى» (نقد ـ 2001) او في «مرايا العقول» ـ الشعر العلمي (2003). ومنذ كتابه «مقام المعرفة ـ فلسفة العقل والمعنى» (2004) اتخذ انتاج عجمي طابعاً فكرياً يستند الى معالجة القضايا الفلسفية معالجة تتراوح بين المنهج التحليلي والمنهج التفسيري. ثم جاء كتابه «السوبر حداثة» (2005) ليعالج الأكوان الممكنة واللامحدد، ثم «السوبر مستقبلية» _2006) قائلاً إن التاريخ يبدأ من المستقبل، ثم «السوبر أصولية» (2007) التي تعتبر الاصول الدينية محددة في المستقبل فقط، وأننا نحن ـ الحاضر نصنع التراث، ثم «السوبر معلوماتية» (2007) «فالسوبر تخلف» (2007)، وأخيراً «السوبر مثالية» (2007). واليوم يطل علينا عجمي بكتابه الجديد «الميزياء» بعد ذلك الحشد من «السوبرات» مفتتحاً ميادين معرفية تتناول العلاقة بين الجيزياء (ما يجوز) والحيزياء (الحيز). وفي ركن هادئ من مقاهي الروشة التقينا بحسن عجمي وكانت هذه المأدبة من الاسئلة والاجوبة:
أنت لم تتجاوز الثامنة والثلاثين، ما قصة هذا السيلان من الكتب والمؤلفات؟ هل هو هوس في الكتابة والتأليف الفلسفي فكل ثلاثة أشهر يصدر لك كتاب فلسفي جديد؟

- أكتب لأعبر عن إنسانيتي. لذا من غير المستغرب الكم الكبير من الكتب التي اؤلفها لان الإنسان في ذاته متنوع ومتشعب وبلا حدود. مهنتي هي الكتابة وليس من السهل الكتابة في الفلسفة. طبعاً بالنسبة إليّ المسألة سهلة، لأنني تمرنت على التفكير الفلسفي في الجامعة الاميركية في بيروت ثم في جامعة كولومبيا في نيويورك.
نلاحظ غياباً لذكر المراجع الفلسفية في كتاباتك مع أن ذكر المراجع الفلسفية أمر ضروري لكل مفكر او فيلسوف.
ثمة مراجع فلسفية وعلمية في بعض كتبي. فمثلاً في كتاب «مقام المعرفة» هناك ما يزيد على مئة مرجع. وفي كتاب «السوبر أصولية» يوجد ما يتجاوز الستين مرجعاً. استخدامي للمراجع يعتمد على سياق الكتابة. بعض كتبي لا تعتمد المراجع مثل كتاب «السوبر تخلف». لان هذا الكتاب لا يعتمد على اي فكرة متداولة بين المفكرين. فالسوبر تخلف مصطلح جديد وقد عالجته ضمن معادلات رياضية ابتكارية. هذا الاسلوب من الكتابة الرياضية غير شائع لذا من الطبيعي ان لا اعتمد على اي مراجع فيه.
فلسفة جديدة
هل فلسفتك خاصة بك ام تعتمد على فلسفات آخرين تعيد صوغها بأسلوبك الخاص، بأي خصوصية تعامل مع الفلسفة؟

- أحاول ان اقدم فلسفة جديدة، ومعالمها الاساسية هي السوبر حداثة التي تضم السوبر مستقبلية والسوبر أصولية والسوبر تخلف والسوبر مثالية. على هذا الاساس ادرس الأكوان الممكنة والمستحيلة واعتمد على اللامحدد في تفسير الظواهر والحقائق. ميزة الفلسفة التي احاول طرحها هي انها مصوغة من خلال المنطق العلمي ومعتمدة على النظريات العلمية المعاصرة.
التعريفات الفلسفية هجرها الفلاسفة المحدثون واصبحت تعود الى زمن مؤسسي الفلسفة والعلوم. ما سبب العودة من جديد للتعريفات الفلسفية في كتبك؟
- الفلاسفة في العالم، قديماً ام حديثاً، لم يهجروا تعريف المفاهيم والمصطلحات الفكرية والعلمية، بل إن احدى الوظائف الاساسية للفلسفة تقديم تعاريف للمفاهيم المختلفة. وهذا ما يشترك العلم معه ايضاً. فمثلاً أينشتاين يعرف الجاذبية على انها انحناء الزمكان. لكننا نحن العرب هجرنا التفكير الفلسفي والعلمي. لذا، كان لا بد من التأسيس مجدداً، ومن العودة الى التعريفات الفلسفية.
لماذا التركيز على علاقة الفلسفة بالفيزياء بينما الفلسفة علاقتها الجوهرية بالإنسانيات والفنون؟

- الفيزياء هي الاكثر علمية بين العلوم كالكيمياء والرياضيات. من هنا كان من الضروري الاعتماد على الفيزياء لاقدم اساسا صلبا للفلسفة التي اطرحها. طبعا ما زالت الفلسفة مرتبطة بالإنسانيات وبالفنون بشكل جوهري، وقد عالجت هذا الارتباط في كتبي المختلفة، لكن انطلاقاً من الفيزياء ونظرياتها العلمية المعاصرة كنظريات ميشيو كاكو ولي سمولن وليونارد سسكين. هؤلاء الفيزيائيون يستنتجون ان الأكوان الممكنة فعلا موجودة، وهذا يقدم الاساس العلمي لأبحاثهم. ولقد درست الإنسانيات في معظم كتبي انطلاقاً من فلسفة السوبر حداثة المعتمدة على العلوم. فمثلاً الإنسان كائن غير محدد، ولهذا فهو قادر على التكيف والتأقلم مع المتغيرات مما يضمن نجاحه وبقاءه. هذه الفكرة تعتمد على مبدأ اللامحدد في ميكانيكا الكم. التكنولوجيا لا تكفي.
في الماضي كانت الفلسفة تقود العالم. اما اليوم فالتكنولوجيا تقود العالم. هل هذا السبب يجعلك تجنح للاستعانة بالعلوم لتأسيس الفلسفة من جديد؟
- التكنولوجيا وحدها لا تحكم ولا توجه العالم، بل قبول العلم وإنتاجه هما الأساس في بناء الحضارة الحديثة. فالتكنولوجيا وحدها من دون علوم ومن دون فلسفة منطقية تؤدي إلى السوبر تخلف. التكنولوجيا متاحة اليوم لنا، لكنها تؤدي الى تطوير تخلفنا، لأننا لا نشارك الحضارة الحديثة في إنتاج العلوم. ولان الفلسفة متواصلة مع العلم، فهما معا جوهر التفكير الإنساني الاصيل والمستقبلي. وعلى اساس هذا التواصل نبني حضارتنا ومجتمعاتنا. ولأننا نرفض الفلسفة خسرنا حضارتنا، ولم نتمكن من بناء مجتمعات حقيقية بل نحن منقسمون الى قبائل متصارعة ومحكومة بالأوهام.
الى أين تتجه الفلسفة اليوم؟

- لم يعد هناك فاصل جذري بين الفلسفة والعلوم، فالفلسفة اليوم تواكب مسارات العلوم وتوجهاتها والعكس صحيح. فمعظم العلماء الكبار اليوم هم فلاسفة. والعكس صحيح. والاسئلة في الفلسفة وفي العلوم اصبحت اليوم اسئلة مشتركة.

هل كتابك الصادر مؤخراً «الميزياء» بداية لسلسلة جديدة من المؤلفات تتكرر على منوال «سوبراتك» السابقة؟

- قد يكون كذلك وقد لا يكون. فأنا لا استطيع التنبؤ بطبيعة الأفكار التي سوف اعالجها. ولم يكن هناك مخطط مسبق لانتاج سلسلة «السوبرات»، بل ان كل كتاب منها استدعى تأليف كتاب آخر.
يغلب على كتبك السوبرات الست طابع البحث العلمي والمنهج التحليلي والتفسيري، بينما يغلب على كتبك الشعرية طابع التجريب المستند الى تطورات الحداثة وعلاقة الشعر بالعلوم، هل أنت شاعر ام مفكر ام الاثنان معا ام متأرجح بينهما؟
- كل الميادين الابداعية مترابطة ومتواصلة وتشكل حقلاً معرفياً وابداعياً واحداً. لذا من الطبيعي ان انتقل من الشعر الى الفلسفة ومن الفلسفة الى الشعر، وان اكتب ما يسمى بالشعر العلمي. ويستخدم الشعر العلمي مصطلحات العلم كالثقوب السوداء والانفجار العظيم. وهذا يضمن ان يكون للشعر والأدب معنى وهدف يواكب معاني العلوم وأهدافها. أما أنا فمجرد إنسان يسعى الى تحقيق إنسانيته من خلال الفلسفة والشعر معاً.

هل أنت مع ديكارت «أنا أفكر اذن أنا موجود» ام مع سارتر «أنا موجود اذن أنا افكر» أم أنت خارج هاتين النظريتين؟
- أنا مع «أنا غير محدد، اذن أنا موجود». فاللامحدود وحده هو الذي ينشأ ويبقى ويستمر لكونه غير محدد، مما يضمن نجاحه في التكيف والاستمرار. لذا، فالكون كله غير محدد ولذا هو موجود. وهذا يفسر نجاح نظرية ميكانيكا الكم التي تقول مبدأ اللامحدود.
ما مدى استفادتك من الفكر الماركسي. ام انك تميل اكثر الى فكر هيغل او كانط؟

- أحاول ان اخرج من الأفكار الفلسفية المسبقة رغم تأثري بمعظم الفلاسفة والعلماء. لقد قدم ماركس نظريته على اساس انها نظرية علمية وكان مستنداً إلى علوم عصره. اما أنا فأستند الى علوم بداية القرن الواحد والعشرين. وأنا انطلق من تاريخ العلم وتطوره وليس من تاريخ المقدس. فالعلم عملية تصحيح مستمرة.

هل هجرت العلاقة بفلسفة التاريخ الهيغلية ـ الماركسية ام ما زلت تستعين بها؟

- التاريخ يبدأ من المستقبل. هذه هي فلسفة السوبر مستقبلية المرتبطة بشكل اساسي بالسوبر حداثة. لا بد من كتابة التاريخ انطلاقاً من المستقبل بدلاً من الانطلاق من الماضي. بذلك نتحرر من سجون التاريخ ويقينياته الكاذبة.

صفوان حيدر - السفير




الأربعاء، 22 أبريل 2009

السّوبر مستقبليّة الأدبيّة نموذج 'سوسن الفينقا' لمحمّد خريّف



السّوبر مستقبليّة الأدبيّة نموذج 'سوسن الفينقا' لمحمّد خريّف


حسن عجمي
السّوبر مستقبليّة مذهب فلسفيّ يحلّل المفاهيم ويقدّم الحلول للمشاكل الفكريّة من خلال مفهوم المستقبل. فإذا نظرنا إلى أيّ شيء سنجده يفقد صفاته كلّها عبر الزّمن، لذا يبدو أن لا وجود لماهيات للأشياء. لكن في المقابل إذا لم توجد ماهيات للأشياء، إذن سيزول الفرق بين الأشياء، وهذا محال. فكأنّه توجد الماهيات وكأنّه لا توجد. من هنا، تستنتج السّوبر مستقبليّة أنّ الماهيات قائمة في المستقبل فقط علما باْن المستقبل لا يتحقّق كليا في الحاضر والماضي وبذلك يظلّ مستقبلا. على هذا الأساس تعتبر السّوبر مستقبليّة أنّ المعاني أيضا تتشكّل في المستقبل. من هذا المنطلق نتمكّن من بناء السّوبر مستقبليّة الأدبيّة الّتي تقول إنّ النصّ يتكوّن في المستقبل، ولذا هو غير محدّد في الحاضر والماضي. باختصار، تدرس السوبر مستقبلية الأدبية النصّ على ضوء لا محدّديته وتشكّله في المستقبل. سنستعين بكتاب 'سوسن الفينقا ' لمحمّد خريّف كنموذج لتطبيق السّوبر مستقبليّة الأدبيّة.
يبدأ محمّد خريّف كتابه قائلا انّه لا يقف ولا يبكي بل يسير على ورق فينسى بسطوره فاجعة الفينقا. سيرنا على الورق يدلّ على أنّنا حبر لا يحيا خارج الأوراق. لكنّ أوراق خريّف تتكاثر 'في مخيّلةالتّراب' لذا أكّد في سياق كتابه اْنه يهتف من قبره(محمّد خريّف سوسن الفينقا. ص8). وعبارته ' اْهتف من قبري ' تشير إلى اْنّه حيّ وميّت في آن معا. ولكن من المستحيل أن يكون الفرد حيّا وميتّا في الوقت ذاته. إذن من غير المحدّد ما إذا كان الفرد حيّا أم ميتّا. حقيقة أنّ الأنا غير محدّدة تسيطر على النّصّ كلّه فتشكّله وتبنيه. هكذا تتمكّن السّوبر مستقبليّة الأدبيّة من دراسة النصّ الأدبيّ علما بأنّها تؤكّد أنّ النّصوص محكومة بمبدأ اللاّمحدّد.
يعبّر محمّد خريّف عن لا محدّدية الأنا بطرق مختلفة، فالنصّ الأدبيّ سعي نحو معرفة اللاّمحدّد وتحديده. لكن من المستحيل تحديد اللاّمحدّد علما بأنه غير محدّد. لذا لا ينتهي النصّ بل يستمرّ في توالد دواته ومعانيه. يقول'ينتصب الرّاوي قائما في المقبرة' (ص 7 ). هكذا من غير المحدّد ما إذا كنّا أحياء أو أمواتا. يضيف معبّرا عن لا محدّدية الأنا 'أنا الآن في حالة بين بين (ص 8 )، 'ولا اْخرج من بطن أمّي إلاّ بتأشيرة من ضابط الحالة المدنيّة علّه لا يوافق على مولود لا هو ذكر ولا أنثى ولا هو ميّت أو حيّ' (ص 37 )، 'أتجدّد في كفني' (ص 73 )، 'وأنا أسبح الآن في بركة انشطار لا أتبيّن فيها جنسي' (ص112- 113 )، 'فاْنا لست أنا' (ص 118 )، واْنبت أنا بلا هويّة ' (ص 147 ). لا محدّدية الأنا هذه تؤدّي إلى لا محدّدية الجسد ولا محدّدية المكان، ' فلا أنا أنثى ولا أنا ذكر ' (ص82. ص117)، ' ما لك تهذي، اْاْنت في استديو التّصوير؟ أم في بطن أمّك ؟ ' (ص28 )، ' اْنحن في اْرض الحبس أم في غرفة الاستنساخ اليوميّ ؟ ' (ص81 )، و' اْاْنا في الحنجرة أم بين الفخذين ؟ لا اْحدّد موقعي ' (ص 147 ). هكذا لا محدّدية الأنا والجسد والمكان تبني النصّ الأدبيّ. فعلى أساس هذه اللاّمحدّدية يتكوّن نصّ محمّد خريّف وتنشاْ عباراته. من هنا، كتاب 'سوسن الفينقا ' مثل واضح على كيف أنّ اللاّمحدّد يحكم النصّ الأدبيّ ويشكّله.
بما اْنّه من غير المحدّد ما هي الأنا والجسد والمكان، إذن من الطّبيعيّ أن تتّخذ الأنا الهويات كافة، وبذلك نصل إلى وحدة الوجود. فعندما تكون الذّات غير محدّدة، لن تختلف عن الكائنات الأخرى ممّا يؤدّي إلى قيام وحدة الوجود في متاهة لا محدّدية الكون، 'اسمه علما يرفرف على جبهتي، تتكرّر نسخة في كل قبر من قبور القرية ' (ص7 )، 'ويغيب وجهك في وجهي' (ص 73 )، ' أولد بكذبة الشّمس تطلع من الشّرق، أنا عائشة، الحسين، سارّة، ويلنسكي، ديانا، ولا نرتكبك في أخلاط الرّحم، لا تنس أسماءنا، ولا نحن نعرفها ' (ص121). لكن وحدة الوجود هذه لا تختلف حقّا عن لا محدّدية الأنا، ' لا اْعرف الآن بالضّبط، اْاْنا أخته أم أمّه أم عشيقته، ذلك لا يعنيني، كيف اْخرج مولوداً مشوّه السّطور، وقسمات الحروف ' (ص 154 ). الطّريق من لا محدّدية الأنا إلى وحدة الوجود هو ذاته الطريق من وحدة الوجود إلى لا محدّدية الأنا.
تعتبر السّوبر مستقبليّة أن الماهيات تتشكل في المستقبل،ولذا تدرس الظواهر من خلال المستقبل. وبما أنّ الماهيات قائمة في المستقبل فقط، إذن من غير المحدّد ما هي الأْشياء والظّواهر في الحاضر والماضي. هكذا نصل إلى السّوبر حداثة كونها تعتمد على اللاّمحدّد من اْجل الوصول إلى المعرفة. فرغم أن الكون غير محدّد من الممكن معرفته على ضوء لا محدّديته. هكذا ننطلق من لا محدّدية الحقائق إلى معرفتها التّي تتجلّى في كتاب ' سوسن الفينقا ' في صورة معرفة وحدة الوجود. فبدلا من أن يعمي اللاّمحدّد أبصارنا يجعلنا نرى بشكل أوضح حقيقة أن كل الأشياء واحدة. ولأنّنا في عالم اللاّمحدّد ووحدة وجوده نبقى في ولادة مستمرّة لا تنتهي كأنّنا حبر على ورق أو مجرّد ورق نكتب دواتنا من دون أن نصل إليها.
السؤال الذي لا بدّ من طرحه هو لماذا الأنا غير محدّدة ؟ نجد محمّد خريّف يصف أناه وذوات الآخرين على أنّها مجرّد أوراق أو حبر على ورق. يقول 'وأنت ورقة على غير هدي' (ص.3). هكذا يشير محمّد خريّف إلى أن لا محدّدية حقيقتنا هي نتيجة حتميّة لحقيقة أنّنا ورق لا غير، والأوراق كافّة من الممكن أن تتّخذ أي ماهية وبذلك تفقد ماهيتها بالذّات. يضيف ' اْنتقل من دكتيلو إلى دكتيلو، اْتّهمك بالتّمرّد ،وأنا ورقة وأظلّ حروفا عالقة بالزّوائد. لأنّ الإنسان كائن ورقيّ بل لغة من حبر وورق تغدو أناه غير محدّدة. ونحن مجرّد كائنات ورقيّة، ولذا لا مفرّ من قيام وحدة الوجود وانتصارها فلا يوجد فارق بين الأشياء ما دامت أشكالا من حبر الكتابة. ولذا نحن كائنات افتراضية بل كل ما هو موجود هو كائن افتراضي..'في المكتبة الإلكترونية ويتحدّث الزّبانية بالشارات الضوئية بأمنية الانتقام يتساوى فيه الناس بالقردة (ص7). ولا تختلف لا محدّدية الذّوات عن حقيقة أنّنا ورق في انتظار الكتابة المؤجّلة دوما ونحن نتمرّغ على ورقة الفينقا في انتظار انتهاء مدّة التأجيل والتّصريح بالحكم اللاّنهائيّ ،أغوص في قشرة الورقة ولا تلدني ، فلن تشهد ولادتي ولن تقرأ ورق الفينقا ، أنا ورقة مفتّتة (ص157).
ليس الانتظار حالة بل رحلة ومعراج،فالحياة بحث عن ولادتها ، والموت لا يأتي للأموات أصلا. كتاب 'سوسن الفينقا' بحث متواصل عن المعاني. فالأنا تسعى إلى تحديد ذاتها ولا تنجح ، والفينقا (رمز صيرورة الموت والحياة واتّحادهما) تبحث عن حقيقتها ولا تصل. 'ولست سوى شارات ضوئيّة تلتحم على جبهاتك وأنت تلاحق مني على شاشتك، أنا الفينقا (ص8). فالفينقا عنوان اللاّ محدّد ومتنه ،' تظلّ مشغولا باسم مولودة تسمّى الفينقا، تراها حين تراها أمامك ، ولا تسجلها في دفتر ولادة أو وفاة (ص12). ولأنّ الفينقا غير محدّدة نبحث عنها دوما ، ' نبحث معا في معجم الاستنساخ عن مدلول لا يتكرّر في ورق (ص18). ولأنّنا لا نصل إلى ماهيتها كونها غير محدّدة إذن' الفينقا ورق'(ص19) يشتدّ بياضه كلّما زدناه بياضا. ولكون الفينقا أسطورة اللاّمحدّد وقلبه النّابض لن نتوقّع سوى أنّ ' الفينقا وسواس رجيم'(ص28) و'سجن في أفق التائهة'(ص30). الفينقا متاهة الوجود وحيرته لأنّها تزاوج بين الحياة والموت وبذلك هي استحالة لكنّها استحالة قائمة. لذا تتّخذ الفينقا صفة الكذب والموت المستمرّ.'اسمّي كذبي ورقا للفينقا(ص40)و'يذبحني ورقي'(ص41). على هذا الأساس الفينقا تفضح الإنسان 'أتعرى بورق الفينقا'(ص41). في الفينقا ذاتها تكمن جدليّة الحياة والموت 'لن أولد إلاّ في رحم الفينقا وتجيء أحاديث الفينقا بعد غد ورقا يندثر'(ص42).. ومن هنا 'لن نخرج من قبر الولادة(ص40). ولأنّنا حبر على ورق حيث تتساوى الحياة والموت'وأنا حبر من نطفة الزّيت امسخ في الدقيقة الواحدة آلاف المرات'(ص89) سوف يظل لغزا(ص89). استحالة القراءة ليست سوى استحالة الولادة 'فلن تشهد ولادتي ولن تقرأ ورق الفينقا '(ص97) أتكاثر في الصّباح لغوا...و احسب صورتي فلا يبقى بين أصابعي سوى لطخ من كربون الانتظار(ص114 ). بما أنّنا في حالة بين الموت والحياة فلا موت ولا حياة نحن في انتظار لا ينتهي لأنّنا في بحث مستحيل عن تحديد اللاّمحدّد. لذا نبقى سجناء الانتظار 'انتظر يوم ولادتي احمل رحم أمّي تحملني منايا إلى وطن لا اعرفه لأني لمّا اهجر هذا الرّحم '(ص130-131). نحن سجناء الولادة سجناء تيه الانتظار 'انطلق نطفة تيه أجول في سوق الرّحم (144) و'أتورّط في تيه الانتظار'(ص146).
بما اْنّه من غير المحدّد من هو الإنسان، وبما أنّ الإنسان لا يحيا من دون هويّة وماهية، إذن لن يتشكّل الإنسان سوى في المستقبل. يؤكّد محمّد خريّف في كتابه على هذا حين يقول 'أولد غدا ' (ص.65). فالكتاب عبارة عن عبور نحو المستقبل من اْجل الاقتراب من محدّدية الوجود ومعانيه. ولاْنّ المستقبل لا يتحقّق دفعة واحدة في الحاضر والماضي، إذن سوف يستمر البحث عن ماهية الكون والإنسان ولن يتوقّف. ' ما له يخيفني هذا الورق، الأفضل ألاّ اْروي قصّته الآن ' (ص. 3). لذا تستمرّ ولادة الكلمات على الورق فيتشكّل الكتاب كسفر نحو الحقائق المستترة في الزّمن المستقبليّ الّذي لا يأتي إلاّ خلسة ليختفي بوضوح مؤلم. ' كيف أولد وأنا اْتحدّث عن نفسي؟ (ص 51). هكذا يؤكّد محمّد خريّف على استحالة الولادة. وبما أنّ الولادة مستحيلة، إذن يتكوّن الفرد في المستقبل فقط علما باْن المستقبل يظلّ قائما في المستقبل، وبذلك تبقى الولادة منتظرة الولادة.أخيرا، لقد تتبّعنا نشوء نصّ ' سوسن الفينقا ' وكيفيّة تشكّله على ضوء لا محدّدية الحقائق والوجود، مما جعل نصّ محمّد خريّف كامنا في معانيه المستقبليّة. فرأينا كيف من الممكن للسّوبر مستقبليّة الأدبيّة أن تعالج النصّ الأدبيّ وتعيد صياغته فلسفيّا.






رواية جديدة للتونسي محمّد خرّيف تنشر مستقبلا

تقديم الناقد والمفكر حسن عجمي ( لبنان)

والناقد عبد العاطي الزّيّاني( المغرب)





الأحد، 19 أبريل 2009

السوبر أصولية ..للكاتب الباحث حسن عجمي


قضية للنقاش :
للكاتب الباحث حسن عجمي

السوبر أصولية .. هل يمثل الكتاب السنونوة التي تبشر بالربيع ؟


منذ مدة طويلة لم أقرأ كتاباً يغيرني .. يغير قناعتي أو رؤيتي على أقل تقدير تجاه قضية معينة وأظن أن هذه المشكلة المسكوت عنها أو المغيبة لا فرق هي مشكلة عامة يعاني منها القراء العرب عموماً حيث تنحصر جل الكتب إن لم نقل كلها باستثناءات نادرة في عملية الإعداد والجمع والقص واللزق (الكولاج) ثم توضع صفة (تأليف) في صدر الكتاب!
ويحتار القارئ: ما الذي حدث؟ ويحدث؟ ركام هائل من الصفحات والكتب تترجم معنى البيت الشعري القديم: "ما أرانا نقول إلا معاراً/ أو معاداً من قولنا مكرورا"!
واليوم على منضدتي كتاب جديد صدر حديثاً عن الدار العربية للعلوم - ناشرون في بيروت يحمل عنواناً جذاباً وبراقاً: "السوبر أصولية" .. بيد أن قراءته لا تفقده البريق كما يحدث عادة عند الدخول في التفاصيل بل على العكس لقد زادته القراءة ألقاً والأهم من ذلك كله محاورته الجادة والمتمعنة للأفكار والقناعات وكأن كاتبه المبدع حسن عجمي يخاطب قارئه مباشرة في جلسة ساخنة من النقاش المحتدم بين طرفين أحدهما ينقض الآخر ثم تكتشف في نهاية هذه الجدلية أنك خرجت بمعنى جديد .. أي تغيرت.
وكما في كتابه "السوبر الحداثة" وما قبله من مؤلفات سعى حسن عجمي في مؤلفه الجديد إلى الأسلوب ذاته عاملاً هذه المرة على تفكيك معنى "الأصولية" التي أصبحت الآن الشغل الشاغل للجميع عرباً ومسلمين وغيرهم ليمنحها بعداً مختلفاً مشتقاً من بحثه الجاد والدؤوب وقدرته النقدية الواضحة ليضيف قراءة حقيقية للموضوع الذي يتناوله دون الوقوع في مطب التكرار.
صحيح أن حسن عجمي كثيراً ما يؤكد الجمل والعبارات ويعود إليها للتذكير كمعلم في صف مدرسي ولكن هذه "المثلبة" لا تعد كذلك حين يصل القارئ إلى مؤدى قوله في ختام كل فصل فهو لا يعرض ما يقول فحسب بل يغربله غربلة عنيفة لا سيما وأن موضوع الكتاب يتسع ويمتد ليشمل بحوث العلم والدين والأخلاق والفلسفة واللغة والتصوف وأعلام الفكر العربي والإسلامي .. كل ذلك الإرث المترسخ في الأذهان خلال قرون طويلة عبر 200 صفحة فقط.
ولأول مرة يضع المؤلف المستقبل نصب قلمه لا الماضي والحاضر كما يحدث عادة السوبر أصولية كتاب مذهل يسد فراغاً حقيقياً ولكن هذا التوصيف لا يعني تقييماً له ولا يغني عن قراءته حيث يمكن الخروج بمواقف أخرى ومختلفة ولعل في ذلك ميزته وهدفه وهنا يحضرني السؤال: هل يمثل الكتاب السنونوة التي تبشر بالربيع في قراءتنا المتجددة للتراث ولأنفسنا؟ إذ أن قيمته الأساسية تكمن في خاصيته "الجدلية" المشار إليها .
عبدالله الحامدي

جريدة الراية القطرية