الخميس، 25 ديسمبر 2008

الميزياء، الجيزياء والحيزياء









الميزياء، الجيزياء والحيزياء


فلسفة ومصطلحات جديدة لحسن عجمي





مصطلحات جديدة أدخلَ إلى اللّغة العربيّة. وفلسفة خاصّة مبتكرة أظهر إلى العلن. هذا ما فعله حسن عجمي، الغزير الإنتاج والمتفرغ تمامًا للكتابة والتأليف، في كتابه الأخير "الميزياء، الجيزياء والحيزياء" الذي يصدر سنة 2008 عن "الدار العربية للعلوم ناشرون".
الميزياء – كما يكتب عجمي في مقدمة كتابه - "هي المذهب الفلسفي الذي يعتبر أن كل شيء يملك ميزة تميّزه عن الأشياء الأخرى وبفضل ميزاته يوجد ويتشكّل. على هذا الأساس لا يوجد شيء مطابق لشيء آخر، وإلاّ لأصبحا شيئًا واحدًا. إذا وجد شيء مطابق لشيء آخر في كلّ صفاته، إذن لا يوجد ما يميّزه عن ذاك الشيء الآخر، وبذلك هذان الشيئان هما شيء واحد. لذا لكل شيء ميزة تميّزه. وبذلك لا توجد الماهيّات. فمثلاً، لو وجدت ماهيّة للإنسان، لكان كل إنسان مطابقًا لكل إنسان آخر في ماهيّة الإنسانيّة، وبذلك لزالت الميزة التي تميّز إنسانيّة هذا عن إنسانيّة ذاك. وفي حال زوال الميزة بين البشر يغدو كل البشر فردًا واحدًا، وهذا مستحيل".
ويشرح عجمي في حديث إلى "المسيرة" أن "الميزياء مصطلح جديد غير موجود في اللّغة العربيّة، وهو مشتق من الميزة. والميزياء فلسفة جديدة تختص بالميزات فقط. لم يقم أي باحث أو فيلسوف أو عالم بدراسة الميزات فقط، وحاولت أن أميّز الميزياء عن الفلسفات الأخرى مثل الماهيّة. الفرق كبير بين الماهيّات الثابتة والمطلقة، والميزات التي قدّ تتغيّر وتتطور". ويؤكّد أن "الموضوع لم يتناوله أحد في الغرب حتى، وقد عجزت عن إيجاد ترجمة لكلمة ميزياء في اللّغة الإنكليزيّة مثلاً. قد ألتقي بفكري مع علم آخر، لأن الأفكار، في رأيي، غير منعزلة بعضها عن بعض، وهي تشكل حقلاً واحدًا هو حقل المعرفة التي تضم العلم والفلسفة والآداب وكلّ انجازات الإنسان... فكل الحقول الإنسانيّة تعبّر عن إنسانيّة الإنسان".
يعطي عجمي أمثلة عن الميزات والتغيّر فيتناول العقل مثلاً، ليشير إلى أن العقل عند الإنسان البدائي كان يؤدي وظيفة الحفاظ على حياته وبقائه واستمراره. بقي العقل، لكنّ ميزته تغيّرت، واصبحت ميزة العقل الوصول إلى المعرفة. هكذا تغيّرت ميزة العقل. وهكذا يظهر اختلاف الميزة عن الماهيّة. "من هذا المنطلق، يضيف عجمي، من الأفضل معرفيًا أن ندرس الأشياء عبر ميزاتها بدلاً من أن ندرسها عبر ما يسمى بالماهيّات. ثم أن هناك اختلافًا بين الميزياء وفلسفة الاختزال التي تعني أن نختزل مفهومًا معيّنًا بمفهوم آخر. العقل مثلاً يختزل بمجموعة وظائف معيّنة يؤديها. الميزياء ترفض هذه الفلسفة لأنها تقول إن لكل شيء ميزة أو ميزات، وعلى أساسها يتشكّل. لذا لا يوجد شيء مطابق لآخر. وعليه، صار عندنا قدرة على التعبير عن التنوع بين الموجودات وعن الاختلاف في ما بينها من دون أن نختزل بعض الأشياء إلى أشياء أخرى. الغرب اليوم يركّز على فلسفة الاختزال التي أحاول أن أخرج منها وأن أقدّم شيئًا جديدًا".
الجيزياء والميزياء مصطلحان جديدان في اللّغة العربيّة أيضًا. ويشرح عجمي أنّ "الجيزياء تدرس ما يجوز وما لا يجوز. مثلاً يجوز للشيء أن يفقد ميزته ويبقى هو ذاته. ولكن لا يجوز للشيء أن يوجد من دون أن تكون له ميزة. أمّا الحيزياء فهي دراسة الحيّز. لكل شيء حيّز وفي ضوئه يتشكّل ويتكّون. حتى الميزات تتكون في ضوء الحيّز".وعبر هذه المصطلحات وهذه الفلسفة، تناول عجمي في كتابه مواضيع شتّى مثل البقاء والاستمرار، العقل، الوجود، الرياضيات والفيزياء، البيولوجيا والكيمياء، العلوم، الكون، الحقيقة، القانون الطبيعي، البحث المعرفي، الاعتقاد، الذكاء، الدين، الأخلاق، الوعي والشعور، الحياة، الإنسان، الحضارة، الصناعة، الكتابة، الصمت، اللّغة، المعنى، الكلام، النص، الشعر، الفن... وغيرها من المواضيع العلميّة والفلسفية والانسانية، معتمدًا، كما عوّدنا دائمًا في مؤلفات سابقة، على بحث عميق ومعادلات حسابية علمية.
هل يطمح عجمي أن تنتشر أفكاره ويصل إلى العالمية؟ "ما حاولت أن أعمله في هذا الكتاب، كما يجيب، ليس "التفلسف"، وإنما "نحت" مصطلحات جديدة في اللّغة، والمصطلحات الثلاثة جديدة، وهنا الجهد الذي قمت به. وعلى أساس هذه الأفكار كتبت. كتبت عن أشياء سابقًا مثل "السوبر تخلّف" و"السوبر مستقبليّة" وهي أفكار أيضًا مبتكرة وغير متداولة محليًّا أو عالميًّا. لا أطمح إلى بلوغ الشهرة أو العالميّة. فالأفكار التي تموت أفضل من الأفكار التي تحيا، لأننا في عصر "السوبرتخلّف". لا يهمني أبدًا أن تؤخذ هذه الأفكار أو أن تنتشر هذه الفلسفة. الهدف هنا التعبير عن إنسانيتي فقط".


ميراي يونس