السبت، 28 فبراير 2009

ماريو ليفيو: هل الله عالِم رياضيات؟



تنجح الرياضيات أو لآ تنجح في تفسير الكون

ماريو ليفيو: هل الله عالِم رياضيات؟



حسن عجمي

يبدو أن الله عالِم رياضيات بامتياز. فمن الممكن التعبير عن الكون من خلال النظريات الرياضية كما أن النظريات العلمية الناجحة في تفسير الظواهر الطبيعية مُعبَّر عنها بمعادلات رياضية. هكذا الرياضيات لغة الكون. هذا ما يؤكد عليه الفيلسوف والفيزيائي ماريو ليفيو في كتابه الجديد «هل الله عالِم رياضيات؟» حيث يسأل سؤاليْن أساسيين هما: هل توجد الحقائق الرياضية بشكل مستقل عن العقل البشري؟ ولماذا تنجح الرياضيات في وصف الكون وتفسيره؟ نرصد هنا موقف ليفيو في فلسفة الرياضيات والمواقف الأخرى المنافسة لموقفه.
تنقسم فلسفة الرياضيات إلى مذهبيْن أساسيين هما المذهب الواقعي والمذهب اللاواقعي (ليس بالمعنى السلبي). بالنسبة إلى المذهب الواقعي، توجد الحقائق الرياضية بشكل مستقل عن العقل البشري فتشكل مثلاً عالماً رياضياً مستقلاً عن عالمنا الواقعي الفيزيائي. يتضمن هذا المذهب فكرة أن علماء الرياضيات يكتشفون الحقائق الرياضية بدلاً من أن يخترعوها. لكن مشكلة أساسية تواجه هذا المذهب الفلسفي يقدمها عالم الرياضيات مايكل عطية ألا وهي: لنتصور أن الذكاء نشأ ليس في البشر بل في قنديل بحر منعزل ومدفون في قعر المحيط، وبذلك لا يملك قنديل البحر هذا تجارب حسية تسمح له أن يدرك الأشياء وتنوعها بل يشعر فقط بالماء من حوله، ولذا لا يدرك أي اختلاف ولن يكون لديه أي شيء ليعدّه حسابياً. من هنا لن تنمو الرياضيات بالنسبة إلى قنديل البحر هذا ما يرينا أن الرياضيات مجرد تجريد لعناصر عالمنا الفيزيائي. هذا يؤكد على أن الرياضيات مخترعة ومعتمدة على العقل البشري وليست مستقلة عنه. وهذا جوهر المذهب اللاواقعي في فلسفة الرياضيات. بالنسبة إلى مذهب من مذاهب الاتجاه اللاواقعي، المعادلات والحقائق الرياضية ليست سوى بناءات فكرية. لكن المشكلة الأساسية التي تواجه هذا الموقف اللاواقعي هي التالية: إذا كانت الحقائق والمعادلات الرياضية مجرد بناءات عقلية، إذن من المستغرب لماذا تنجح الرياضيات في وصف الكون الواقعي وتفسيره رغم أنها مجرد اختراع بشري (Mario Livio: Is God A Mathematician ? 2009. Simon & Schuster) .
اختراع واكتشاف
يحاول ماريو ليفيو الخروج من المذهبيْن الواقعي واللاواقعي فيقدّم مذهبه على النحو التالي: بعض الرياضيات اختراعات وبعضها الآخر اكتشافات. فمفاهيم الرياضيات يتم اختراعها أما النظريات الرياضية فيتم اكتشافها. مثل ذلك أن مسلّمات الهندسة الإقليدية هي اختراع أما نظرياتها فهي اكتشاف. فالإنسان يخترع المفاهيم الرياضية ويكتشف العلاقات بين تلك المفاهيم، وبذلك بعض الرياضيات اختراع وبعضها اكتشاف. وهذا يعني أن بعض الرياضيات يعتمد في وجوده على العقل وغير مستقل عنه، والبعض الآخر من الرياضيات مستقل في وجوده عن العقل. هكذا يجمع ليفيو بين المذهبيْن الواقعي واللاواقعي في محاولة تخطيهما. بالإضافة إلى ذلك، يجيب ليفيو عن سؤال «لماذا تنجح النظريات الرياضية في تفسير الكون؟». وإجابته هي: في ميدان العلوم يتم اختيار الأدوات الرياضية القادرة على التنبؤ بالمشاهدات والتجارب الواقعية في عالمنا الفيزيائي، لذا من الطبيعي أن تنجح الرياضيات في وصف الكون وتفسيره. بكلام آخر، يختار العلماء العمل على حلّ المشاكل التي من الممكن حلها رياضياً بنجاح بدلاً من اختيار المشاكل التي من غير الممكن النجاح في حلها رياضياً، ولذا من غير المستغرب أن تنجح النظريات الرياضية في تفسير الكون وأن تنجح النظريات العلميــة المُعبَّر عنها رياضياً في تفسير عالمنا الفيزيائـــي ووصفــه (المرجع السابق).
لكن السؤال ذاته يعيد طرح نفسه: لماذا هذه المشاكل، وهي المشاكل الأهم والتي يختارها العلماء، من الممكن أن يتم حلها رياضياً؟ لنسلّم أن العلماء يختارون المشاكل التي من الممكن لهم النجاح في حلها رياضياً. لكن رغم ذلك يبقى السؤال: لماذا من الممكن حلّ تلك المشاكل رياضياً أي لماذا لم تكن كل المشاكل غير قابلة للحلّ رياضياً بدلاً من أن تكون منقسمة إلى مشاكل ذات حلول رياضية يختارها العلماء ومشاكل لا حلول رياضية لها ولا يختارها العلماء؟ هكذا لا ينجح موقف ليفيو في تفسير لماذا تلك المشاكل لها حلول رياضية بدلاً من أن تكون كل المشاكل بلا حلول رياضية. من جهة أخرى، قد تتمكن السوبر حداثة من الإجابة عن هذا التساؤل وذلك على النحو التالي: بالنسبة إلى السوبر حداثة، من غير المحدَّد ما هو الكون لكن رغم لامحددية الكون من الممكن معرفته لأن من خلال لامحدديته من الممكن تفسيره. على هذا الأساس، بما أن الكون غير محدَّد، إذن من الممكن أن نعبّر عنه بنجاح من خلال لغات عدة مختلفة كلغة الرياضيات ولغة الفيزياء ولغة البيولوجيا... إلخ، ولغتنا اليومية المتداولة بيننا. لذا من غير المستغرب أن تنجح الرياضيات كما الفيزياء ولغتنا اليومية في تفسير الكون ووصفه.








الجمعة، 27 فبراير 2009

السوبراصولية .. ازمة العلاقة بين الاصولية والحداثة


انبرى كثير من المفكرين لوضع حلول لمشاكل الثقافة العربية التي يجب ان نقول على اقل تقدير انها ساهمت بشكل مدمر "لما خلقته من بنى هشة رثة لم تستطع الصمود بوجه التحديات التي يواجهها الشعب العربي" بايصال الحالة
العربية الى نهاية مسدودة لم تعد تنفع معها العودة الى الوراء لذلك وجب تفكيك الجدران المانعة لاعادة المشروع الثقافي العربي لجادة الصواب وبالتالي حلحلة الوضع العربي بصورة عامة لان حل الازمة العربية هو حل ثقافي راديكالي لا حل سياسي سطحي.
وعندما عاد وقرأ المفكرون هذا الواقع وجدوا ان اهم المشاكل هي مشكلة علاقة العرب بتراثهم القديم المزدهر الذي وجدوا فيه مثالا متكاملا او حالة تعبر عن نقيض ما وصلت اليه مصائرهم وعلاقة العرب بالحاضر الغربي الذي يحاصرهم بمنجزاته العلمية والفكرية ، فنرى مثلا محمد عابد الجابري يهتم في اغلب كتبه بهذه المشكلة ان لم تكن كلها وكذا ادونيس وعلي حرب ولم يكن الفكر العربي المعاصر وحده من وعى لهذه المشكلة فمحمد عبدة والافغاني ومن ثم طه حسين حاولوا في كتاباتهم ايجاد علاقة رابطة اوصيغة جامعة تحكم علاقة تراثنا العربي بالحاضر الغربي . وهذا الهاجس امتد الى المفكر اللبناني حسن عجمي وكتابه الجديد " السوبر اصولية " الذي يبدأ فيه عجمي بالقول اننا نحن من نصنع التراث اي نصوره ونخلقه ونسقط عليه اراءنا ومسبقاتنا امالنا ونوايانا اذن ان التراث (وفي مضماره الاسلامي : الدين) هو متغير وبهذا يقارب الكاتب المفهوم العلماني ولكنه يقوم بخطوة الى الوراء لاستيعاب التيار الاصولي فيقول فقط في الحاضر الدين متغير ولكنه ثابت او متشكل في المستقبل ، لذلك فهو يلغي المشكلة وهي ازمة العلاقة بين الاصولية والحداثة التي اندمجت في نظرية عجمي السوبر اصولية : اي الدين الاصيل المتحقق في المستقبل بعد ان مر بسلسلة من الصيرورات التي تكتسب كلها الصحة بما انها تمثل الاتجاه نحو الصدقية فلا فضل لمذهب على اخر لانها تكتسب جميعها نفس القابلية التمثيلية لحقيقة النص ا
لاسلامي اللامتحقق الا في المستقبل . وتمتد نظرية "عجمي" لتربط علاقة بين العلم والدين اي المكونات المفاهيمية للحداثة والاصولية ؛ والعلاقة استمرار للفصل ما بين صيرورة التراث التي لاتمثل التراث وخاتمته ومستقبله لذلك لا يكتسب التراث (اي الدين) مصداقية اكبر من مصداقية العلم لانهما نواتج قراءة بشرية بعيدة عن اي قدسية .
اضافة الى هذا البرهان فالكاتب يقترح ما يسميه بنظرية الاكوان المختلفة التي يقول فيها ان بالرغم من عدم احتكار الحقيقة لاي من العلم او الدين ولكن يجب ان لا تظل العلاقة حربا لاجل النفوذ ومراكز القوة لذلك يقول عجمي ان الدين صحيح في اكوان تسمح للدين ان يكون صحيحا وهي اكوان الروح والمشاعر والاعتقادات والعلم صحيح ايضا ولكن في اكوان اخرى تسمح له بان يكون صحيحا وهي اكوان المادة والفيزياء والشك ، فلا نستطيع حسب فهم عجمي هذا الاستغناء عن الدين او العلم لان باستغنائنا عن احدهما استغنينا عن جزء من حياتنا لذلك لن نستطيع العيش .
وينتقل عجمي الى جزء مهم في صراع الحداثة والاصولية وهي مسألة الاخلاق والتي يقول عنها عجمي انها قائمة في المستقبل فقط ونحن الان في الحاضر ولسنا في المستقبل اذا لابد من البحث الدائم عما هو اخلاقي وفي رحلة البحث هذه تكتسب جميع الاخلاق المقدار نفسه من الصحة لان الفضيلة الحقيقية ليست بالاخلاق نفسها ولكن في البحث عن ماهية الاخلاق اللامتحققة شأنها شأن بقية التراث .
وتقوم طريقة حسن عجمي لاثبات رأيه الفلسفي بالاستناد على فلسفة اللغة التي يعتبرها العامل الاساسي في تحديد الاراء و المواقف المختلفة في علم الكلام والتفسير الديني والفلسفي وبما ان اي مذهب ورأي لا يعبر عن صحيح الدين والاسلام بل يعبر عن فلسفة اللغة اذن يقول الكاتب ان لا مذهب او راي متميز في الاسلام لذلك فالمذاهب كافة مقبولة ومتساوية . لذلك يبدأعجمي بجولة استقصائية واسعة لمعظم اراء العلماء والفقهاء العرب القدماء في اللغة وتأثيرها في صياغة ارائهم الفلسفية فيبدأ مع القاضي البصري عبيد الله بن الحسن التي تقول نظريته في الدلالة والمعنى بأن الاية القراّنية قد تحتوي على وجهين مختلفين لذلك يكتسب كل رأي المصداقية لذلك لا داعي للخلاف ومن الخطأ تفكير الاخر والمختلف . اما السيرافي فيقول ببطلان المنطق والفلسفة اليونانية في استعمالهما العربي معتمدا على راي يقول بأن اللغة هي التي تحدد المعرفة وبما ان المنطق والفلسفة اليونانية تكونتا بلغة اليونان فستكون فاشلة في الحالة العربية . اما الزمخشري فيعترف ان فلسفة اللغة هي مصدر المعرفة فما من مسألة فقهية او كلامية الا وكانت مشحونة بالروايات اللغوية وبراهين علوم الاعراب والنحو.
ويقول الاستاذ عجمي ان التراث الاسلامي في الكلام والفلسفة يعتمد بشكل رئيسي على مذهبين في التفسير، الاول : هو التفسير الظاهري الذي يقوم على اساس ان للقراّن معنى واحد يحدده سياق النص القراّني او ما يعبر عنه الشافعي بأن اول الكلام يبين اخره وهذه نظرية في اللغة حددت اسلوب التعامل مع القراّن الذي هو نفسه يعطي للمتلقي ألية تفسيره ومن اتباع هذا التفسير الشافعي والسيوطي الذي قال بأن القراّن محدد من قبل السياق ومن ثم اللغة اي ما تحتويه من نحو وتصريف واشتقاق . اما التفسير الثاني : وهو التفسير الباطني ويقول بأن للقراّن معاني مختلفة لان المعنى لا يقوم في القراّن بل يقوم في النفس لذلك فتفسير القراّن لا يعتمد على السياق بقدر ما يعتمد على العقل ويؤمن بهذا التفسير الاشاعرة والكندي الذي يقول في تفسير الاية القراّنية (والنجم والشجر يسجدان) بمعنى الطاعة لا معنى الركوع والسجود كما لدى الانسان لان هذا ما يقوله العقل والمنطق الذي يجب ان يحكم علاقة المؤمن بالدين .
ولكن وجد لدى بعض العلماء (الغزالي وابن العربي) ان المنهج الاحق هو الذي يجمع التفسيرين الظاهري والباطني فلا استغناء عن السياق في تحديد المعنى وكذا دور الانسان فما فائدة العقل ان كان الله قد حدد وفسر كل جوانب القران في القران نفسه فانما العقل خلق ليميز ويفرق ويقول كلمته في تفسير القران .
لنعد الى كلام" حسن عجمي" السابق فهو هنا يقترح حلا هو الانسب في تحقيق حالة الانسجام التام بين الاصولية والحداثة وانهاء الصراع و"لكن" على المستوى التنظيري المثالي البعيد عن واقع الصراع الفكري والمادي بين تيارات الثقافة العربية ، فعندما يطرح راي " عجمي" على منظر اصولي كأسامة بن لادن اوالظواهري او القرضاوي ويقول لهم ان ما يؤمنون به متغير نسبي لم يقرره الله بل قررته عقولكم وحاجاتكم وبذلك لايتميز رأيكم على اراء الاخرين بل هو سواء في درجة الصدقية فهل سيسلم هؤلاء بهذا ويغيروا استراتيجيتهم القائمة على تكفير جميع من يقف موقف الضد من ارائهم ؟ بالتأكيد كلا ، وهذا ان كان يتعلق بقيادات الحركة الاصولية فهو يتعلق بالقاعدة الجماهيرية التي لا يمكن انكارها لهذه الجماعات التي لاتؤمن حتى بالحوار مع الاخر لانه لا يستحق المحاورة . وبنفس الوقت عندما يطرح رأي" الاستاذ عجمي" على متطرفي الحداثة( ان جاز التعبير) سوف يهبون بوجه استاذنا قائلين : اتساوي بين رأي القاعدة الذي كما تقول صادق مع رأينا نحن الذي يمثل العلمية اي الصدقية الاولى ، اذن لن يؤمن برأي الكاتب سوى ثلة قليلة هي مؤمنة اصلا بهذا الرأي قبل ان يقوله" حسن عجمي" في كتابه وبالمقابل نرى ان اسلوب " عجمي " يميل الى التوفيقية المبسطة لاصل المشكل الاختلافي ؛ فمعظم رأي الكاتب علماني ولكنه يضع في نهاية كلامه " في المستقبل " وكأن هذه الخدعة ستنطلي على الاصولين الذين لا يريدون المستقبل بقدر ما يحاولون السيطرة على الماضي وتطويعيه لاجل مشاريعهم في الحاضر .
اما طريقة "حسن عجمي" في اثبات اراءه واقصد فيها فلسفة اللغة فسأتناولها من جانبين ؛ الاول: ان هذه الطريقة مبتكرة عربيا في التناول على الصعيد التراثي واكاد اقول انها عملية اكتشاف مبحث اللغة في التاريخ العربي اوالدخول الى التراث من زاوية جديدة غائبة عن سماء الثقافة العربية حتى جاء بعض من المفكرين كنصر حامد ابو زيد وعلي حرب والان حسن عجمي فأثروا ميدان الدراسات التراثية بهذا الاسلوب الجديد . ولكني اسأل لماذا غاب هذا المبحث في ثقافتنا المعاصرة مع انه كان موجودا في تراثنا بالتاكيد كما بين حسن عجمي وغيره لنا الان لماذا غاب عن بال طه حسين وصادق العظم والطيب تيزيني وغيرهم الكثير ممن تصدروا واجهة الثقافة العربية في الماضي القريب ، واني اتسائل هنا لاجيب ان ما يصنعه الغرب من عدد معرفية سرعان ما تتلاقفه الثقافة العربية ويعتبر هذا التلاقف موضة الكتابة العربية فمن الديكارتية الى الماركسية الى الابستمولوجية الى التفكيكية والان الالسنية ما زلنا مستهلكين لذلك يجدر بنا ان نسمي ما يصنعه العرب ثقافيا الان" مع تقديري لهذا الصنع" استهلاكية ثقافية كما كان الحال مع مثقفينا في الماضي لا فرق سوى ان ذاك كان قديم الغرب والان هذا جديده ، ثم هل انتهى البحث الفلسفي ولم يعد هناك ما يضاف اليه اواننا ننتظر الغرب حتى يعطينا الملائم للبحث في تراثنا ولذلك الوقت فان الالسنية هي الوسيلة الانجع لقراءة التراث وهذا المنطق كما لايخفى على القارئ منطق اعرج لن يصنع لنا ثقافة حقيقية فاعلة تستطيع ان تفرض نفسها .
اما الجانب الثاني في تناولي لاسلوب الاستاذ عجمي فتختص بمدى صدقية هذه القراءة فالقول بأن اللغة هي المحدد الرئيسي لاراء المذاهب الاسلامية المختلفة هو تجني على التراث الاسلامي الغني والمتنوع وعملية تبسيط لحقيقة الواقع الاسلامي الموسع ؛ فلنأخذ القاضي البصري عبيد الله بن الحسن فيمكن القول ان جو البصرة السياسي والاقتصادي والثقافي المنفتح نتيجة موقعها الجغرافي المفتوح وتراثها الرافديني السرياني وحاضرها الاسلامي الثري انجب عملية تسامح في التعامل مع المختلف فلجأ دعاة التسامح ومنهم القاضي ابن الحسن لعديد من الوسائل لاثبات رأيهم ومن هذه الوسائل تفسير القران الذي يعتبر اهم قواعد العرب التشريعية وبالتاكيد سوف يكون لهذا القاضي هذا الرأي في اللغة والتفسير اذن سيرت رأي ابي الحسن ظروف الواقع الاجتماعي والسياسي التي سمحت لتيار التسامح في النهوض .
وبالمقابل نرى مثلا ان الخلافة العباسية مرت بفترة ارادت فيه ان تثبت سلطتها واعتقدت ان اهم هذه الوسائل هي الوسيلة الفكرية لذلك لجأت الى ائمة الدين ومنهم الشافعي الذي بدوره عرف ان القران يجب ان يفسر تفسيرا ذاتيا بعيدا عن العقل والانسان وبذلك تكون للدولة قدرة السيطرة على العقل العربي الذي سيكون بعيدا عن ميدان القرار السياسي بأبتعاده عن ميدان القرار الفكري ، اذن خلقت الظروف السياسية الشافعي وتفسيره الباطني . يقول " عجمي " ان اختلاف مواقفنا الدينية والفلسفية ناتج عن اختلاف مواقفنا في اللغة والمعنى ولكنا نستطيع قول العكس وهو ان اختلاف مواقفنا في اللغة والمعنى ناتج عن اختلاف مواقفنا الدينية والفلسفية ، وهذا ما عبر عنه السيوطي في كتابه الاقتراح (ص45) حيث يقول " اصول اللغة محمولة على اصول الشريعة " . ومن جانب اخر فان بخث الاستاذ عجمي كان ابستمولوجيا اي اهتم بجمع الاقوال وتصنيفها معرفيا وكان اعم فائدة تناول المسألة بعدة طرق اهمها الانثربلوجية اي قراءة تطور الكلم العربي ومن ثم علاقته باللغات المجاورة كاليونانية والسريانية والعبرية ومقدار ما أثر التطور اللغوي العربي في نشوء علم الكلام والفلسفة او ان يتناول المسألة باسلوب حفري تفكيكي وبذلك تكتمل صورة البحث الذي بدأ به استاذنا عجمي .
اخيرا نبارك العمل الكبير الذي قام به " عجمي " في كتابه ونتمنى ان يواصل الاستاذ حسن عجمي بحوثه الجادة التي اغنت ميدان البحث الفلسفي الفقير عربيا .

احسان حمدي العطار باحث









" كلُّ الأشياء لُغة "
حسن عجمي

الأكوان المتوازية


الأكوان المتوازية

الأكوان الممكنة والتأويل الفلسفي

حسن عجمي

يُقدِّم الفيزيائي ميشيو كاكو، الاختصاصي الكبير في "نظرية الأوتار"، في كتابه الجديد الأكوان المتوازية: رحلة عبر الخلق والأبعاد العليا ومستقبل الكوسموس[1][1] أطروحةً مُفادها أنه توجد أكوانٌ ممكنة عديدة ومختلفة. نشرح هنا هذه النظرية في إيجاز ونعرض للتفاصيل العلمية الأساسية التي تؤدي إليها. فالمعرفة كامنة في التفاصيل، وليس الشيطان مَن يكمن لنا فيها. بالفعل لقد مات الشيطان
يؤكد كاكو أن نظرية الأوتار String Theory تؤدي إلى وجود أكوان ممكنة مختلفة وعديدة. بالنسبة إلى نظرية الأوتار، كل شيء في الكون يتكون من أوتار وتذبذباتها: فمع اختلاف أنغام الأوتار تختلف القُسيمات. فالذرات تتكون من قسيمات particles، والقسيمات (كالإلكترون والفوتون) تتكون من أوتار. في اختصار، العالَم سمفونية أوتار!
لكن نظرية الأوتار تستلزم وجود أبعاد عدة، بالإضافة إلى الأبعاد المكانية الثلاثة والبُعد الزمني (بحسب نظرية النسبية لأينشتاين). وفي هذه الأبعاد الإضافية، تتذبذب الأوتار، فتؤدي إلى نشوء القوى الأربع الناظمة للكون. هذه الأبعاد تلتف حول نفسها بحيث لا نراها في عالمنا. وبما أن الكون يحتوي على هذه الأبعاد المختلفة في هندساتها العديدة والمتنوعة، وعلمًا بأن قوانين الطبيعة تعتمد على هندسة الطبيعة، إذن فمن المتوقع أن تُشكِّل هذه الأبعاد العديدة أكوانًا مختلفة في قوانينها وحقائقها. هكذا تؤدي نظرية الأوتار إلى نتيجة مُفادها أنه توجد أكوان عديدة ومختلفة (ص 19، 199-200).
بالإضافة إلى ذلك، يشير كاكو إلى أنه تم اكتشاف مليارات من الحلول لمعادلات نظرية الأوتار، وكل حلٍّ من هذه الحلول يصف كونًا رياضيًّا متناسقًا ومختلفًا عن الأكوان الأخرى التي تصفها الحلولُ الأخرى لنظرية الأوتار. هكذا تدل نظرية الأوتار على وجود أكوان عدة (ص 207-208، 240).
من جهة أخرى، بالنسبة إلى النظرية الكوسمولوجية المعتمَدة حاليًّا، نشأ الكون من خلال التقلبات الكمية القائمة في العدم. لكن بما أن "العدم" يمتد إلى مساحات شاسعة، فإنه من الممكن علميًّا نشوء أكوان عديدة في "أمكنة" مختلفة من العدم. تضيف هذه النظرية أنه بعد أن نشأ عالمنا تعرَّض إلى تضخم هائل، ولهذا يبدو العالم متجانسًا. وبما أن الكون قد مرَّ بمرحلة تضخم في بدايات تكونه، إذن فمن الممكن أن الآلية ذاتها التي أدَّت إلى تضخمه مازالت فاعلة، مما يؤدي إلى نتيجة مُفادها أن عالمنا بالذات قد تضخَّم في مراحل مختلفة. وهذا التضخم المتوقع للكون في مراحل مختلفة يتضمن إمكانية ولادة عالمنا لأكوان مختلفة. هكذا تنجب الأكوانُ أكوانًا أخرى: الانفجارات العظيمة تحدث في استمرار، فتنتج عوالم مختلفة (ص 13-15، 94-95).

قطة شرودنغر

ليست العلوم التي تُعنَى بدراسة الأجسام الضخمة، كالكوسمولوجيا، وحدها تؤدي إلى نتيجة وجود الأكوان الممكنة، بل العلوم التي تدرس عالم ما دون الذرة هي الأخرى تؤكد وجودها. فبالنسبة إلى الميكانيكا الكوانتية، عالم ما دون الذرات محكوم بمبدأ هايزنبرغ في اللاتعين Indetermination Principle. تقول الميكانيكا الكوانتية إنه من غير الممكن قياس سرعة القسيم ومكانه في آنٍ معًا (عدم تعيين). لقد عَبَّر العلماء عن هذا القانون الطبيعي من خلال قولهم إن قطة شرودنغر حية وميتة في الوقت ذاته. فبما أنه من غير المعيَّن مكان القسيمات وسرعتها، إذن فمن غير المعيَّن ما إذا قد أُصيبت قطة شرودنغر بطلق ناري وماتت من جراء ذلك أم لم تُصَب ولم تمت؛ لذا فإن قطة شرودنغر حية وميتة في آنٍ معًا. لكن من المستحيل أن تكون قطة شرودنغر حية وميتة في الوقت ذاته، لأنه من التناقض أن تكون كذلك! من هنا استنتج بعض العلماء أن عالمنا يتكون من أكوان مختلفة، بحيث إن قطة شرودنغر حية في بعض تلك الأكوان، لكنها ميتة في بعض الأكوان الأخرى! وبذلك نتجنب التناقض. هكذا تقترح الميكانيكا الكوانتية أنه توجد أكوان ممكنة ومختلفة.
بالإضافة إلى ذلك، بما أنه بالنسبة إلى الميكانيكا الكوانتية مبدأ اللاتعين يحكم العالَم، فمن المحتمل أن تُخلَق القسيمات من العدم وأن يختزل بعضُها بعضًا، فتوجد بذلك القسيمات الافتراضية virtual particles التي ترقص في تجلِّيها في الفراغ لتفنى فيه. على هذا الأساس، قد تولد الأكوان المختلفة من العدم لكي تزول فيه مجددًا (ص 132-135، 145، 168).
لقد رأينا عرض كاكو للحجج والنظريات العلمية المختلفة التي تُلزِمنا بوجود الأكوان الممكنة. لكنه أيضًا يُقدِّم دفاعه الخاص على النحو التالي: بمجرد أن نسمح بإمكان نشوء عالَم واحد، نفتح الباب أمام احتمال نشوء عوالم ممكنة ولامتناهية. فبالنسبة إلى الميكانيكا الكوانتية، الإلكترون لا يوجد في مكان معيَّن، بل يوجد احتمالاً في كلِّ الأمكنة الممكنة حول نواة الذرة. لكن الكون في بدايته كان أصغر من الإلكترون. وبذلك إذا طبقنا الميكانيكا الكوانتية على الكون ككل، تصبح النتيجة أن الكون يوجد في كلِّ الحالات العديدة والمختلفة والممكنة في آنٍ معًا. وهذه الحالات الممكنة والمختلفة ليست سوى الأكوان العديدة. وبذلك يستنتج كاكو أنه لا مفرَّ من الاعتراف بإمكان وجود الأكوان الممكنة (ص 92-93، 176).
هذه الأكوان التي نتحدث عنها ليست المجرات المختلفة في عالمنا، بل إن المجرات جزء من عالمنا الواقعي بالذات. فالأكوان الممكنة قد تشبه عالمنا وقد تختلف عنه. وبعض الأكوان الممكنة يختلف في قوانينه الطبيعية وحقائقه وظواهره عن الأكوان الممكنة الأخرى وعن عالمنا الذي نحيا فيه. والفيزيائيون اليوم يعتقدون اعتقادًا قويًّا بأن هذه الأكوان موجودة (ص 96، 101، 107، 184).











ميشيو كاكو

نظرية الأكوان الممكنة ليست مجردة فقط، بل لها تطبيقات تفسيرية في العلم والفلسفة. فمثلاً، يستشهد كاكو بالعالِم الفيزيائي ريس Rees الذي يفسِّر لماذا يوجد عالَم كعالمنا من خلال وجود الأكوان الممكنة. يقول ريس: بما أنه توجد أكوان ممكنة مختلفة وعديدة، إن لم تكن لامتناهية، إذن فليس من المستغرَب أن يوجد عالمٌ كعالمنا له قوانينه وحقائقه الخاصة به. ومثال ذلك أننا إذا دخلنا إلى متجر لبيع الثياب، حيث توجد ثياب بمقاسات مختلفة وعديدة، لن يكون حينئذٍ من المستغرَب أن نجد ثوبًا على مقاسنا. وهكذا ليس من الغريب أن يوجد عالمُنا بالذات (ص 253).

عقول عديدة

أما أحد التطبيقات الفلسفية لنظرية الأكوان الممكنة فهو التالي: بما أنه (على الأرجح) توجد الأكوان الممكنة، إذن فلكلِّ عالم ممكن قوانينه وحقائقه التي قد تتشابه مع قوانين العوالم الأخرى وحقائقها وقد تختلف جذريًّا عنها. على هذا الأساس (وعلى الأرجح)، توجد أكوان ممكنة تشبه جدًّا عالمنا الواقعي، لكنها تختلف عنه في بعض حقائقها. بذلك فمن الممكن أن تنشأ في تلك الأكوان عقولٌ مختلفة عن العقل الموجود في عالمنا الواقعي. وبذلك فمن الممكن في تلك الأكوان أيضًا أن يتجسَّد العقل في أدمغة مختلفة جدًّا بعضها عن بعض، وتحديدًا مختلفة عن أدمغتنا؛ كما من الممكن في تلك الأكوان أن يوجد العقل في آلات، كالكومپيوترات المتطوِّرة، بدلاً من أن يوجد فقط في أدمغة بيولوجية كأدمغتنا. وبما أن هذه الأكوان شبيهة جدًّا بعالمنا، إذن فمن الممكن أن يتجسَّد العقل في تجسدات مختلفة في عالمنا.
وهذا يُرينا خطأ النظرية المادية في العقل التي ترفض تلك الإمكانية من جراء اعتبارها أن العقل هو مجرد الدماغ البشري. فعلى الرغم من أن قوانين الطبيعة والظروف التاريخية تحكم نشوء العقل وطبيعته، فمن الممكن وجود عقول مختلفة عن عقولنا في عوالم تختلف بعض ظروفها الطبيعية عن عالمنا. وبسبب اختلاف بعض الظروف الطبيعية في تلك العوالم، يختلف العقلُ فيها عن عقولنا، مما يسمح بتجسدات عدة ومختلفة للعقل.
أخيرًا، لقد رصد الفيزيائي كاكو في كتابه الأكوان المتوازية المعالم الأساسية لنظرية الأكوان الممكنة وكيف أن أحدث النظريات العلمية تستدعي وجودها. كما رأينا أن نظرية الأكوان الممكنة ليست نتيجة علمية مجردة فقط، بل لها تطبيقاتها العلمية والفلسفية أيضًا.


[1]1] Michio Kaku, Parallel Worlds: A Journey Through Creation, Higher Dimensions, and the Future of the





الأربعاء، 25 فبراير 2009

لا بد من اشتقاق مصطلحات جديدة للغة معرفية جديدة



بيروت ــ الوطن ــ سمير رباح


هي ثلاثية كتب اصدرها الكاتب والباحث اللبناني حسن عجمي مؤخرا ضمن سلسلة تتضمن افكارا جديدة كما تتضمن مصطلحات جديدة حركت ساحة ثقافية فكرية كانت مشغولة بأشياء اخرى.
وما هذه السلسلة الا «الميزياء» و«البينياء» و«الضيمياء» وهذه بمثابة عناوين رئيسية لعناوين اخرى فرعية فلسفية وفكرية تتضمنها هذه السلسلة.
ونظرا لما اثارته هذه الاصدارات من اسئلة ولما اثارته تلك المصطلحات من تجاذبات اتسمت بالحدة احيانا ولا تزال مستمرة حاولنا الوقوف على مضامين هذه السلسلة وعلى علاقتها بالسلسلة التي سبقت تحت عناوين «السوبراث» وذلك من خلال هذا الحوار مع الباحث نفسه أي حسن عجمي:
_ سلسلتك الجديدة تتكون من ثلاثة كتب هي «الميزياء» و«البينياء» و«الضيمياء» ماذا تعني هذه المصطلحات؟
- الميزياء مصطلح مشتق من الميزة من هنا الميزياء فلسفة الميزة تعتبر الميزياء ان للاشياء ميزات بدلا من ماهيات فبينما الميزة متغيرة وقابلة للتطور الماهية ثابتة لا تتغير هكذا الميزياء ترفض فلسفة الماهيات فتؤكد على انه لا توجد ماهيات اصلا ولذا الكون في حالة تغير مستمر.
اما البينياء فهي مشتقة من الظرف «بين» ومن البنية. والبينياء مذهب فكري يدرس ما بين الاشياء بدلا من دراسة الاشياء بشكل مباشر هذا لأن ما بين الاشياء يبين الاشياء.
اما الضيمياء فمشتقة من الضيم ولذا تدرس الضيمياء الظلم الفكري الذي يصيب عقولنا من جراء التسليم الكاذب بأن كل الاشياء مجرد ادوات في خدمتنا بينما الحقيقة هي ان كل شيء يسعى الى تحقيق ذاته وتطويرها ولا يبالي بنفعنا او ضررنا. هكذا الضيمياء تحارب أوهام العظمة لدى الانسان فالانسان ليس مركز الكون ولم تخلق الاشياء لخدمته بل هو وجد لخدمة الاشياء من هنا قد يستعيد الانسان انسانيته بدلا من ان يتحول الى طاغية ضد ذاته والآخرين.
_ لماذا اخترت دراسة الميزات بدلا من الماهيات ما فائدة هذا الاختيار؟
- بالنسبة إلى الميزياء ثمة ميزات بدلا من ماهيات ولكل شيء ميزة تميزه عن الاشياء الاخرى وبها يوجد ويتكون. فإن خسر ما يميزه لن يختلف عن الاشياء الاخرى وبذلك يحدث زواله. من هنا ميزات الشيء اساس وجوده وتكونه. لكن الكون محكوم بالميزات وليس بالماهيات لانه متغير وفقط الميزات تعبر عن تغيره. فقد نخسر ميزاتنا ونكتسب ميزات اخرى. لذا من الضروري دراسة الميزات بدلاً من الماهيات، فإذا وجدت ماهية للشيء لابد حينها ان تبقى إلى الابد جزءاً اساسياً منه وبذلك لا تسمح له بالتغيير على نقيض مما يحدث فعلاً في الوجود، هكذا فائدة اختيار الميزياء كفلسفة ممكنة كافية في قدرتها التعبيرية فهي تعبر عن تبدل الكون وتغيره. مثل على فلسفة الميزياء هو التالي: مع بدايات ظهور الانسان في التاريخ كانت ميزة العقل قائمة في الحفاظ على الجنس البشري من خلال تجن الضرر والاقبال على المفيد، لكن لقد تغيرت هذه الميزة وتطورت فأصبحت ميزة العقل كامنة في الحصول على المعرفة وان كانت معرفة غير مفيدة في الحفاظ على حياتنا كالرياضيات المجردة. اما اذا كانت للعقل ماهية فسنتوقع حينها عدم تغير العقل وهذا نقيض الواقع. هكذا تختلف الميزة عن الماهية وتتمكن الميزياء من تفسير تطور العقل.
_ الميزياء دراسة الميزة، والبينياء دراسة ما بين الاشياء، والضيمياء تدرس الضيم الفكري، هل تساهم في كل من البينياء والضيمياء في ايضاح ميزات العقل كما تفعل الميزياء؟
- لكل مذهب منها طريقته في جعلنا أقرب إلى فهم الظواهر والحقائق كحقيقة العقل وكيفية عمله. بالنسبة إلى البينياء، ما بين الاشياء والظواهر والحقائق ما بين الاشياء وبشكلها من هنا تعتبر البينياء ان العقل يتكون مما يكمن بين اجزاء الدفاع من علاقات فصل ووصل. فكما نعلم الدماغ يتشكل من نيورونات وهي خلايا عصبية ترتبط فيما بينها بعلاقات فسيولوجية، وكلما ازدادت العلاقات بين النيورونات ازداد عمل العقل وتفكيره. من هنا ما بين اجزاء الدماغ يشكل العقل، وهذا مثل واضح على ان ما بين الاشياء يشكلها. من جهة أخرى تسعى الضيمياء ايضاً في ايضاح العقل فتؤكد على خطأ مسلمتنا القائلة بان العقل اداة في خدمة الانسان بل بالنسبة الى الضيمياء، العقل يسعى فقط إلى تحقيق ذاته وتطويرها. لذا قد يفيدنا العقل وقد يضرنا من خلال بناء اسلحة القتل. بل العقل يستغلنا لكي يستمر ويبقى على نقيض مما كنا نظن، فهدفه الوحيد هو بقاؤه وليس بقاءنا وإلا ما كان يؤدي إلى الضرر بنا فليس هدف العقل ان يفيدنا أو يضرنا بل وظيفته الوحيدة كباقي الاشياء ان يبقى ويستمر.
_ هل للضيمياء قدرات تفسيرية وتعبيرية كالتي تملكها الميزياء والبينياء؟

- تكتسب الضيمياء قدراتها التفسيرية والتعبيرية بطرق مختلفة. فمثلاً، تفسر لماذا قد يضرنا العقل أو العلم ولماذا قد يفيدنا وهذا السبب ان العقل والعلم هدفهما تحقيق ذواتهما بدلاً من ان يكونا اداتين في خدمتنا. الضيمياء فلسفة ترفض اعتبار الاشياء أدوات في خدمتنا. بالاضافة إلى ذلك من منطلق الضيمياء بما أن العقل يسعى الى تخفيف ذاته واستمراريته فقط، اذن من الطبيعي ان يتجسد العقل في تجسدات مختلفة فإن زال عقل يبقى آخر وبذلك يحافظ على استمراريته من المنطلق ذاته بما ان العلم يسعى الى تحقيق ذاته واستمراريته فقط، الان من الطبيعي ان يتنوع العلم ونظرياته فإن زالت نظرية تبقى اخرى وبذلك يحافظ على بقائه هكذا تفسر الضيمياء تنوع العقول واختلاف النظريات.

_ لماذا تشتق مصطلحات جديدة وهل يحق لنا القيام بذلك؟

ـ لابد من اشتقاق مصطلحات جديدة في اللغة لاسباب عديدة كما يحق لنا القيام بذلك للاسباب نفسها ومن هذه الاسباب أولا: للفلسفة والعلوم وظائف مختلفة منها تفسير الظواهر وتحليل المفاهيم وصياغة مصطلحات مبتكرة من هنا احدى الوظائف الاساسية للفلسفة والعلوم هي بناء مفاهيم جديدة. لذا لابد ويحق لنا ان نبني مصطلحات جديدة في اللغة العربية فمثلا اينشتاين صاغ مصطلحا جديدا هو الزمكان الذي يشير الى ان الزمان والمكان شيء واحد. كما صاغت الفلسفة المعاصرة مصطلحات جديدة عديدة كمصطلح: «النيوروفلسفة» التي تدرس العقل على اساس نيورونات الدماغ التي هي الخلايا العصبية في الادمغة على هذا الاساس يحق لنا ان نشتق مصطلحاتنا الخاصة كالميزياء والبينياء والضيمياء بدلا من نكون مجرد مقلدين للغرب.ثانيا: اذن لن نشتق مفاهيم جديدة لم تعهدها لغتنا العربية من قبل فسوف نخسر لغتنا.
فالاشتقاق المبتكر في اللغة يجددها ويجعلها تحيا من جديد فاللغة كائن حي يحتاج الى دم ونبض جديدين وهذا ما تقدمه عمليات الاشتقاق المعتمدة على الفلسفة والعلم على ضوء كل هذا يحق لنا ولا بد ان نبني مفاهيم وعبارات جديدة والا سنخسر لغتنا وحضارتنا.

_ هل ترتبط سلسلتك الجديدة بسلسلتك القديمة ألا وهي سلسلة «السوبرات» التي تحتوي على ستة كتب منها «السوبر حداثة» و«السوبر مستقبلية» وغيرهما؟

ـ ثمة ارتباط عضوي بين السلسلتين ويظهر هذا الارتباط على النحو التالي: بالنسبة الى السوبر حداثة اللامحدد بحكم العالم لكن رغم ان الكون غير محدد من الممكن معرفته لان من خلال لا محدوديته تتمكن من تفسيره مثل ذلك انه من غير المحدد اي نظرته علمية هي النظرية الصادقة ولذا من المتوقع ان توجد نظريات علمية مختلفة كلها ناجحة في تفسير الكون رغم التعارض فيما بينها اما «السوبر مستقبلية» فتقول ان التاريخ يبدأ من المستقبل وبذلك تحلل المفاهيم من خلال مفهوم المستقبل فتغدو الحقيقة مثلا قرارا علميا في المستقبل وبذلك تحافظ على لا محدوديتها من جهة اخرى تعتبر الميزياء ان للاشياء ميزات وليس لها ماهيات، وبما ان للأشياء والظواهر والحقائق ميزات بدلاً من ماهيات، وبينما الميزات متقلبة ومتغيرة، أما الماهيات فثابتة، اذن ما تزال الأشياء والحقائق غير محددة، فلو أنها محددة لابد حينها ان تملك ماهيات ثابتة، هكذا ترتبط الميزياء بالسوبر حداثة، والسوبر مستقبلية علماً بأن السوبر حداثة تؤكد على لا محدودية الحقائق والظواهروالسوبر مستقبلية تعبر عن لا محدودية الكون ايضا من خلال الاعتماد على المستقبل.

_ هل ستكتفي بالسلسلتين السابقتين أم أنك تسعى إلى كتابة سلسلة فلسفية اخرى؟
- الكتابة لا تنتهي كالحياة تماماً، فالموت مجرد حياة للآخرين، بدأت فعلا بكتابة أفكار اخرى قد تظهر في سلسلة جديدة وقد لا تظهر، فلا اخطط لبناء سلسلات من الكتب، بل كأنها هي التي تفرض ذاتها على أوراقي، في زمن «السوبر تخلف» الأفكار هي من اجسادنا وأوطاننا وفيها فقط تكمن انسانيتنا.,,






الرابط : http://www.al-watan.com/Data/20080903/innercontent.asp?val=culture1_5



الثلاثاء، 24 فبراير 2009

العقل لا يفكِّر من دون جسم يحيا فيه


ليس دماغًا ولا شبحًا

العقل لا يفكِّر من دون جسم يحيا فيه



حسن عجمي

يُقدِّم كلٌّ من الفيلسوفين روكوِل وشاپيرو مذهبًا ماديًّا في العقل: فالأول يعرِّف بالعقل على أنه الدماغ والجسم والمحيط الطبيعي، والثاني يعرِّف بالعقل على أنه الدماغ.
يدافع الفيلسوف روكوِل Rockwell عن نظرية مختلفة وجديدة في العقل. ففي كتابه ليس دماغًا ولا شبحًا
[1][1]، يؤسِّس لنظام مفاهيمي جديد مُفاده أن العقل ليس فقط شبكة مكوَّنة من تفاعل النورونات الدماغية، بل هو أيضًا التفاعل القائم بين الدماغ والجهاز العصبي والجسم والعالَم. فالعقل سلسلة مترابطة تجمع بين الدماغ والجسم والمحيط الطبيعي. لذا فإن العقل هرموني كما هو نوروني. يؤكد على ذلك قائلاً: "كل ما يحدث في الجسم تقريبًا هو على الأرجح جزء من تجسُّد العقل" (ص xii-xv).
يسوق روكوِل العديد من البراهين على صحة نظريته. فعنده أن العقل، كالدماغ، مفهوم بيولوجي؛ والمفاهيم البيولوجية لا بدَّ أن يعرَّف بها من خلال وظائفها. وبذلك فإن "أية علاقة سببية ضرورية لوجود العقل لا بدَّ من أن تشكِّل جزءًا من مفهوم العقل" (ص xvi-xvii). على هذا الأساس، يستنتج روكوِل أن العقل معتمد على التفاعل السببي بين الدماغ والجسم والعالَم. فالعقل ليس جزءًا من الجسم، بل "نمط ينبثق عندما يتفاعل الجسم الحي مع محيطه" (ص 13). من المنطلق ذاته، فإن الجسم يساهم بطُرُق مختلفة في وظائف العقل؛ لذا فإن العقل لا يختلف عن الجسم ككل. فالدماغ هو العقل حين يقوم الدماغ بوظائف عقلية، والدماغ هو الجسم حين يقوم الدماغ بوظائف جسمانية. بذلك "لا فرق بين العقل والدماغ والجسم" (ص 15).
ويسوق روكوِل برهانًا معتمدًا على الفسيولوجيا مُفاده أن أجهزة الحسِّ تستقبل المعلومات وتنقلها؛ وبذلك فإن أجهزة الحس تفكِّر كالدماغ تمامًا. على هذا الأساس، فإن الجهاز العصبي جزء لا يتجزأ من العقل، كالدماغ بالضبط. فالدماغ وأجهزة الحسِّ تقوم بالوظائف ذاتها. لذا "إذا كان العقل لا يختلف عن الدماغ فإن العقل إذن لا يختلف أيضًا عن الجسم ككل" (ص 25-26). مثال على ذلك أن لجهاز مناعة قدرةً على إدراك الفيروسات وتذكُّرها، وبذلك فإن "جهاز المناعة يملك قدرة عقلية" (ص 43).
يعتبر روكوِل أن علم النفس يدرس العلاقة بين العقل والسلوك، وأن علم الذكاء الاصطناعي AI يدرس الفكر الذي من الممكن أن يتجسَّد في أجهزة فيزيائية مختلفة، بينما الألسنية Linguistics تدرس اللغة المرتبطة بالأشياء خارج أجسامنا. وهذه الميادين المعرفية كلها تساهم في فهمنا للعقل. لذا يستنتج روكوِل أن العقل "سلسلة من العلاقات التي تربط بين الدماغ والجسم والعالَم" (ص 54). وعنده أنالعقل ليس الدماغ والجسم فقط، بل هو أيضًا المحيط الطبيعي الذي يتفاعل معه الجسم البشري الحي. فالإدراك البصري، مثلاً، "لا يعتمد على الحالات الدماغية فقط، بل يعتمد أيضًا على الأشعة الضوئية وعلى الأشياء التي تعكس تلك الأشعة" (ص 71).
مثال آخر على أن القدرات العقلية تشمل المحيط الطبيعي هو أن اللغة، كقدرة عقلية، "تكتسب مضامينها من خلال العلاقة الوظائفية بين الناطقين باللغة وبين محيطهم الطبيعي المشترك" (ص 97). فالعقل لا يفكِّر من دون جسم يحيا في العالَم، كما أن الفهم يتطلب جسمًا يتفاعل مع المحيط: "من دون أن نختبر العالَم بأجسامنا تغدو لغتُنا غامضةً وغير نافعة" (ص 135-136، 139).
في اختصار، "تتجلَّى الخبرات الإنسانية في شبكة الدماغ/الجسم/الكون وبفضلها" (ص 158). وفي ضوء هذا كلِّه، يؤكد روكوِل على أن "العقل حقل تفاعلي، بحيث يزول الفرق بين العقل والدماغ والجسم، وتغدو الحدود بين الهوية الشخصية والمحيط الطبيعي غير متعيِّنة" (ص 206).
أما الفيلسوف شاپيرو Shapiro، فيتفق مع روكوِل على نقاط عدة؛ لكنه يرفض إمكانية أن يتجسَّد العقل في أدمغة متنوعة ومختلفة عن الدماغ البشري. ففي كتابه العقل متجسدًا
[1][2]، يرى أن "العقل متجسِّد بالضرورة في الجسم الإنساني إلى حدِّ إمكانية إلغاء الفرق بين العقل والجسم" (ص xi-xiv). في عبارة أخرى، العقل والدماغ شيء واحد؛ وهذا يُفسِّر تلازُم الحالات الدماغية مع الحالات العقلية (ص 4). وهو يضيف أن الظروف التاريخية وقوانين الطبيعة لا تسمح بوجود تجسدات مختلفة للعقل في عالمنا، ويستنتج من ذلك أن العقل لا يختلف عن الدماغ البشري: فإذا أردنا أن نبني عقلاً، لا بدَّ حينئذٍ من بناء دماغ شبيه جدًّا بالدماغ البشري، وإلاَّ فلن ننجح في مهمتنا، وهذا لأن الوظائف التي لا بدَّ للعقل من أن يؤدِّيها تعتمد على بنية الدماغ. لذا "فمن دون الدماغ البشري سيفشل العقل في تأدية وظائفه، وبذلك لن يكون بالفعل عقلاً" (ص 9، 11، 104، 127، 135).
لكن لكلِّ نظرية فلسفية مشكلاتها الخاصة. وإحدى مشكلات النظرية المادية في العقل هي التالية: بعض علماء الفيزياء يصفون الكون ككل على أنه عقل؛ وهذا يدلنا على إمكانية أن يكون الكون عقلاً. فمثلاً، يقول العالِم الفيزيائي سمولِن Smolin بأن كلاًّ من نظرية النسبية Relativity لأينشتاين والميكانيكا الكوانتية Quantum Mechanics يعتبر أن العالَم تاريخ من السيرورات processes: فالكون قصة، وهو يتكون من سيرورات تبادُل للمعلومات. ويضيف سمولِن في كتابه سبل ثلاثة إلى الجاذبية الكوانتية[1][3] أن الطريقة الفضلى هي النظر إلى الكون على أنه تبادل للمعلومات، بحيث إن "كل حَدَث هو عملية حسابية، وكل علاقة سببية هي تدفُّق لمعلومات معينة من حَدَث إلى آخر" (ص 53-56).
بذا نجد أن سمولِن يصف الكون بوصفه عقلاً. فالعقل يتكون من معلومات وتدفُّقها. والآن، إذا كان العقل مجرد الدماغ وليست له تجسدات عديدة ومختلفة، أو إذا كان العقل مجرد الشبكة التي تضم الدماغ والجسم والمحيط الطبيعي الذي يحيا فيه الإنسان، يستحيل حينئذٍ أن يكون الكون ككل عقلاً. لكن من الممكن أن يكون الكون عقلاً كما أوضح سمولِن. لذا فإن للعقل تجسدات مختلفة، وهو ليس مجرد الدماغ أو الشبكة التي تحتوي على الدماغ والجسم والمحيط الذي نحيا فيه.

[1]1] W. Fred Rockwell, Neither Brain Nor Ghost, The MIT Press, 2005.
[2][2] Lawrence Shapiro, The Mind Incarnate, The MIT Press, 2004.
[3][3] Lee Smolin, Three Roads to Quantum Gravity, Basic Books, 2001.







هل تتغّير قوانين الطبيعة وتختلف وتكذب؟



الفيزيائيون مارتن ريز ولي سمولن وجون ويلر:

هل تتغّير قوانين الطبيعة وتختلف وتكذب؟


حسن عجمي

تتناول هذه السطور طبيعة القوانين الطبيعية وإمكانية تغيرها واختلافها وكذبها. فننتقل من مواقف الفيزيائيين مارتن ريز ولي سمولن وجون ويلر وبول ديفيز الى فلسفة فان فراسن ونانسي كارترايت. هذا البحث المختصر يقدّم مثلاً واضحاً على تداخل العلم والفلسفة وتشكيلهما حقلاً معرفياً واحداً.تختلف النظريات العلمية في تحديد قوانين الطبيعة. فمثلاً، بالنسبة الى نظرية نيوتن F = ma، أما نظرية أينشتاين فتعتبر أن E= MC2. فبينما تعرّف نظرية نيوتن الكتلة M من خلال القوة والتسارع، تعرّف نظرية أينشتاين الكتلة M من خلال الطاقة وسرعة الضوء. هكذا يختلف قانون نيوتن عن قانون أينشتاين. أما بما خصّ نظرية النسبية لأينشتاين، فالكون حتمي. لكن بالنسبة الى نظرية ميكانيكا الكم، الكون غير حتمي. هكذا أيضاً تختلف النظريات العلمية في قوانينها ونظرتها الى الكون. لذا ما زال العلماء يبحثون عن النظرية الحقيقية الصادقة التي تتخطى كل النظريات الأخرى في نجاحها وقدراتها التفسيرية. هذه النظرية العلمية المرجوة هي التي تدعى "نظرية كل شيء"، ويظن العديد من العلماء أنها نظرية الأوتار التي تفسِّر العالم على أنه سمفونية أنغام. لقد رأينا أن قوانين الطبيعة تختلف من نظرية علمية الى أخرى. لكن، وإن لم تختلف تلك القوانين، القوانين الطبيعية ذاتها لا تحكم كل الوجود. فمثلاً لننظر الى الثقوب السوداء. تتشكل الثقوب السوداء جراء انهيار النجوم على ذاتها بفضل جاذبيتها الهائلة. فالثقب الأسود يملك كثافة لامتناهية وبذلك يبتلع كل ما يقترب منه. على هذا الأساس، القوانين الطبيعية تنهار في الثقوب السوداء. هكذا القوانين الطبيعية ليست مطلقة وليست الخطاب النهائي للخالق Millennium Press) (Stephen Hawking: The Theory of Everything 2002. Newفمثلاً، يعتبر الفيزيائي مارتن ريز أن من الممكن أن تكون القوانين الطبيعية متسامحة بحيث تؤدي الى وصفات طبيعية عديدة تسمح بوجود أكوان مختلفة. في هذا النموذج العلمي، الوجود كله ومن ضمنه الأكوان الممكنة محكوم بمبادئ أساسية، لكن تختلف قوانين الطبيعة من عالم ممكن الى آخر. هنا تغدو قوانين الطبيعة نتائج حوادث تاريخية مصدرها ما يحدث بالصدفة بعد زمن قصير من هذا الانفجار العظيم أو ذاك . فكل انفجار عظيم يؤدي الى عالم ممكن مختلف عن عالم آخر ينشأ من انفجار عظيم آخر. بالنسبة الى هذا التصوّر العلمي الذي يقدمه مارتن ريز، ثمة أكوان ممكنة مختلفة وعديدة إن لم تكن لامتناهية في العدد. على ضوء هذا التصور يفسِّر ريز لماذا يوجد عالم كعالمنا الواقعي يحتوي على الحياة وعلى قوانينه الطبيعية بالذات. فالسؤال هو: لماذا يوجد عالم كعالمنا بقوانينه وحقائقه بدلاً من عالم آخر بقوانين وحقائق أخرى؟ والسؤال قد يُطرَح بطريقة أخرى هي: لماذا يملك عالمنا الواقعي ظروفه التاريخية الأولى وقوانينه الطبيعية التي تسمح بنشوء الحياة بدلاً من أن يملك حقائق أولية وقوانين طبيعية لا تسمح ولا تؤدي الى نشوء الحياة؟ جواب مارتن ريز هو التالي: بما أنه توجد أكوان ممكنة مختلفة وعديدة إن لم تكن لامتناهية في العدد، فمن الطبيعي ومن المتوقع أن يوجد عالم ممكن كعالمنا يحتوي على الحياة وعلى قوانينه وحقائقه بالذات. مثل ذلك إذا دخلنا الى متجر لبيع الثياب حيث توجد ثياب مختلفة وكثيرة وبمقاسات عديدة فلن يكون من المستغرب أن نجد ثوباً بمقاسنا. هكذا بالنسبة الى ريز: مجرد وجود أكوان ممكنة عديدة بقوانين وحقائق مختلفة يجعل من الطبيعي وجود عالم كعالمنا Press) (Martin Rees: Our Cosmic Habitat. 2001. Princeton University. كل هذا يرينا أن ريز يفسِّر وجود عالمنا بالذات من خلال تنوع الأكوان واختلاف قوانينها الطبيعية. هكذا القوانين الطبيعية تختلف وتتنوع.أما الفيزيائي لي سمولن فيقول إن من الممكن أن تتغير قوانين الطبيعة. بالنسبة الى نموذجه العلمي، ثمة إمكانية أن ينتقل عالمنا الواقعي من حالة الى حالة أخرى. وكل حالة من حالات الكون تملك أبعاداً وقوانين طبيعية مختلفة عما تمتلكه الحالات الأخرى. وبذلك يكون الانفجار العظيم الذي أدى الى نشوء عالمنا ليس سوى حدث حديث من سلسلة أحداث الوجود وتحولاته. وكل حالة من حالات الكون تحكمها نظرية أوتار معينة ومختلفة عن نظريات الأوتار الأخرى التي تحكم حالات الكون المتنوعة. بالنسبة الى نظرية الأوتار العلمية، الكون يتكوّن من أوتار وأنغامها. وباختلاف ذبذبات الأوتار تختلف الجسيمات والطاقات. لكن توجد بلايين من الحلول لمعادلات نظرية الأوتار، وبذلك تتنوع نظريات الأوتار وتختلف. من هنا لا بد أنها تصدق في حالات الكون المختلفة. هكذا بالنسبة الى لي سمولن، ثمة أكوان ممكنة بقوانين طبيعية مختلفة لكنها مجرد حالات الكون المتنوعة التي يتحوّل إليها عالمنا، وبذلك تتغير القوانين الطبيعية وتختلف Books) .(Lee Smolin: Three Roads To Quantum Gravity. 2001. Basicبالإضافة الى ذلك، يختلف العلماء والفلاسفة حول ماهية القوانين الطبيعية، وتنقسم مواقفهم الى مذهبين أساسيين هما: المذهب الواقعي والمذهب اللاواقعي. بالنسبة الى الفلسفة الواقعية realism، القوانين الطبيعية موجودة فعلاً بشكل مستقل عنا وعما يوجد من أشياء وأحداث. أما الفلسفة اللاواقعية antirealism فتعتبر أن القوانين الطبيعية مجرد بناءات فكرية وأدوات لتفسير العالم وبذلك لا توجد بشكل مستقل عنا وعما يوجد. في هذا السياق يتخذ الفيزيائي جون ويلر John Wheeler موقفاً لا واقعياً (ليس بالمعنى السلبي) فيقول إنه لا يوجد قانون سوى قانون أنه لا يوجد قانون. بالنسبة الى ويلر، لا توجد قوانين الفيزياء بشكل مُسبَق بل هي انبثقت من فوضى الانفجار العظيم الكمي. فثمة مصدر لقوانين الطبيعة وبذلك هي ليست مطلقة وليست أزلية وثابتة. يؤكد ويلر على أنه لا يوجد شيء مطلقاً ولا يوجد شيء أساسي وغير قابل للتغير في ظل ظروف معينة. على هذا الأساس، يعتبر ويلر أن من الممكن للقوانين الطبيعية أن تتغير Company) .(Paul Davies: Cosmic Jackpot. 2007. Houghton Mifflinمن المنطلق ذاته، يصوّر لنا الفيزيائي بول ديفيز إمكانية تغير قوانين الطبيعة واختلافها. في هذا النموذج العلمي، القوانين الطبيعية محلية وليست فيدرالية أو عالمية. فكل منطقة من الوجود تشكّل عالماً ممكناً محكوماً بمجموعة قوانين طبيعية مختلفة عن القوانين الطبيعية الحاكمة لمناطق أو أكوان ممكنة أخرى. نظرية الأوتار تقدِّم لنا هذا التصور كما نظرية التضخم الأزلي. فالحلول المختلفة لنظرية الأوتار صادقة في أكوان ممكنة مختلفة في قوانينها الطبيعية كما أن اختلاف هندسات الزمكان في الأبعاد العديدة (التي تستلزم وجودها نظرية الأوتار) يؤدي الى اختلاف قوانين الطبيعة. فبما أن القوانين الطبيعية تتشكل على ضوء هندسة الزمكان، إذن مع اختلاف الهندسة الرياضية للزمان والمكان تختلف القوانين الطبيعية. أما نظرية التضخم الأزلي فتقدِّم آلية على أساسها تنشأ قوانين طبيعية مختلفة تحكم زمكانات وأكواناً متنوعة. بالنسبة الى التضخم الأزلي، يتعرض الفضاء الى تضخمات متتالية ومستمرة في نقاط مختلفة منه تنتج قوانين طبيعية مختلفة فتتشكل أكوان ممكنة متنوعة منها عالمنا الواقعي.من جهة أخرى، تقدِّم الفيلسوفة نانسي كارترايت حججاً عدة على فلسفتها اللاواقعية. بالنسبة إليها، القوانين النظرية لا تقول الحقيقة. فالقوانين التي تعبّر عنها النظريات العلمية تكذب وتخطئ ؛ فلا يوجد سوى ما يحدث من أحداث. كما أن الطبيعة تحتوي على غزارة وتنوع يجعل تفكيرنا غير قادر على فهم الكون وتحديده بشكل كامل. من هنا فإن معظم المفاهيم المجردة في الفيزياء تملك فقط أدواراً تنظيمية ولا تمثل صفات حقيقية للكون. ومن حجج كارترايت الحجة التالية المعتمدة على موقف الفيلسوف فان فراسن: يتم البرهان على صدق النظريات العلمية من خلال قدرتها التفسيرية. لكن القدرة التفسيرية لأي نظرية علمية لا تضمن صدق تلك النظرية العلمية ؛ فمن الممكن دوماً أن توجد نظريات وتفاسير أخرى للظواهر ذاتها التي تفسرها أي نظرية معينة. والفلاسفة لا يملكون أي برهان على أن القدرة التفسيرية للنظرية تضمن صدق النظرية. على هذا الأساس، القوانين الطبيعية التي تعبّر عنها النظريات العلمية تكذب. بالإضافة الى ذلك، تقدّم كارترايت حجة أخرى هي التالية: يبني العلماء نماذج علمية مختلفة بحيث يصف هذا النموذج بعض صفات الظاهرة بينما نموذج آخر يصف صفات أخرى للظاهرة ذاتها. وبذلك على كل نموذج أن يتجاهل قوانين النماذج الأخرى حين يفسّر ظواهر معينة وبذلك أيضاً لا يوجد نموذج واحد قادر على التعبير عن حقائق الظواهر وماهياتها. على هذا الأساس تستنتج كارترايت أن القوانين الطبيعية تكذب (Nancy Cartwright: How The Laws Of Physics Lie. 2002. OxfordUniversity Press) .لكن لماذا تتغير القوانين الطبيعية وتختلف وتكذب؟ تجيب السوبر حداثة على النحو التالي: بما أن من غير المحدَّد ما هي القوانين الطبيعية، إذن من الطبيعي أن تكذب قوانين الطبيعة وتختلف وتتغير. هكذا تفسِّر السوبر حداثة اختلاف القوانين وتغيّرها وكذبها من خلال عدم تحديدها القوانين الطبيعية ذاتها. فبالنسبة الى السوبر حداثة، اللامحدد يحكم العالم، لكن رغم تحديدية الكون من الممكن معرفته لأننا بفضل ذلك نتمكن من تفسيره.






الرابط : http://www.almustaqbal.com/stories.aspx?StoryID=296309


مابعد الحداثة ومفهوم الاختلاف


تشيد الحداثة على أقانيم محددة تشكل نظاماً فكرياً واحداً ينتج الفعل الأداتي الصارم في التطبيق ضمن عنايتها بالعالم الواقعي .. الذي تعمل على دراسته بصفته موضوعياً ( مادياً ) .. قائماً لذاته ومستقلاً عن العقل على ضوء تحليل المفاهيم .. وهي إذ تفعل ذلك فإنما تسعى للوصول الى اليقين ودراسته لأنها ترى أن لكل شيء جوهراً كضرورة لوجوده .. وهي إذ تقوم على تأصيل الثنائيات الضدية ضمن صدام مرير بين ( إرتدادات الماضي .. وإشرئبابات المستقبل ) فإنها تقول بوجود قيم أفضل من بين مجموعة قيم مختلفة .. فالحداثة القائمة على فلسفة الذات ونفي الآخر .. أنتجت وسائلها ، الصدام الإستعماري المعروف بين التمركز الغربي من جهة والثقافات الغيرية من جهة ثانية . لأن الحداثة تفهم نفسها – التمركز الغربي – على أنها قطيعة مع الماضي الآخر / الشرق .. في حين أن هذا الشرق لا ينفك من الحضور في الثقافة الغربية بشكل من الأشكال .. أما إستخدام التراث من الطرف الآخر ضد الحداثة فهذا الإستخدام غير منتج وعقيم . الأمر الذي حدا بفلاسفة الإختلاف لتوجيه نقودات لاذعة لـ (( فلسفة الذات والهوية )) بإعتبارها أداة لتهميش (( الآخر سواء كان هذا الآخر كتابة ( دريدا ) أو رغبة ( دولوز ) أو حمقى ( فوكو ) . )) في عملية زحزحة لمفهوم ( الذات ) الكلية المتوحدة عن مركزه لإحلال مفهوم آخر هو مفهوم الذات المتموضعة .. المتشظية والتي يعاد بناؤها بإستمرار.. في عملية إنتاج مفاهيم جديدة لا تؤمن بإستقلال الواقع عن العقل .. بل تدرسه دراسة خلاقة لأنها تعد العالم ( بناءات عقلية ) .. لاوجوداً موضوعياً . ان دعائم ما بعد الحداثة تقوم على اساس تفضيل إنتشار ( الإختلاف ) أكثر من إنتاج الثنائيات الضدية .. وفيها يتم التعامل آركيولوجيا لاستيلاد الاخر المقصي .. يقول جيل دولوز : (( إن الآخر ليس هو ذلك الموضوع المرئي ، وليس ذلك الاخر . إن الاخر بنية الحقل الحراكي كما إنه نظام من التفاعلات بين الأفراد كأغيار . فحين تدرك الذات شيئاً ما فإنها لا تستطيع أن تحيط به في كليته إلا من خلال الآخرين ، فالآخر يتمم إدراكي للإشياء )) .
من هنا مابعد الحداثة تؤمن بالإختلاف والتعددية .. ولا تفضل نظاماً فكرياً على آخر على مستوى المجتمع .. وهي بخلاف الحداثة ترى أن اللايقين هو صفة العلم بإعتبار أن الواقعي ليس عقلانياً والعقلاني ليس واقعياً وبذلك ترى استحالة تفضيل مجموعة قيم من بين القيم المختلفة لذلك إستخدمت مفهوم الإختلاف .. وهي ترفض جوهرانية الأشياء ولا تقول بالهوية والمطابقة ، لأنها ذات طابع بنيوي علائقي (( ماهية الشيء تتوقف على علاقته بسواه أي بما يختلف عنه ولا ينفك عن إستدعاء ضده )) . إن القدامة والحداثة كلاهما مسحورة بأوهام الآيديولوجيا سواء أكانت دينية أم علمانية بشطرها العالم الى نقيضين تامين ، الخير والشر ، الإيمان والكفر ، الشرق والغرب ، .. التراث والحداثة ، ... الخ . وهذه المعتقدات تنطوي على بنى قمعية .. دوغماطيقية .. أكد دريدا على خطورتها لأنها تهدد بالعودة دائماً مصحوبة بتأثيرات مدمرة .. من هنا كان جهاده في سبيل التغلب على الأنماط التي تقصي الإختلاف وكل ما هو ( آخر ) .. لأن إقصاء الآخر قابل لئن يصيرقمعاً، الامر الذي يترتب عليه آثار كارثية حذر منها من قبل سيغموند فرويد ضمن جدلية العلاقة بين القمع والإقصاء .. وهو ما أظهره فوكو في منهجه الآركيولوجي في تعريته لآليات القمع الرامية الى تدجين البشر .. لأن الموجة الجديدة من نظريات ما بعد الحداثة تؤمن بالإختلاف حتى على مستوى الفرد .. بمعنى أن توصيفها للفرد هو عدم تنميطه .. بل يكون له أكثر من نظام فكري يمكن أن يشتغل عليه .. وبالتالي فإن نتاجه الفكري والعلمي ماقد يكون متعارضاً أو متناقضاً .. لأن هذا الإشتغال يجري في دراسة الممكنات (( والممكنات تشكل نظماً فكرية عديدة ومختلفة فيما بينهما )) .. إن السوبر حداثة .. التي تلت مابعد الحداثة .. لا تدرس العالم الواقعي .. وإنما تدرس العوالم الممكنة ، وحيث أن العالم الواقعي قد يكون عالماً ممكناً في هذه الحالة ربما يكون من مفعولات السوبر حداثة .. والعالم الممكن قائم بذاته .. ومستقل عن العقل ومعتمد عليه في آن معاً .. كما يصفه المفكر القدير حسن عجمي في كتابه القيم ( السوبر حداثة ) . وبذلك تتجاوز السوبر حداثة إشكاليات الحداثة ومابعد الحداثة لتوصيف العلاقة بين الكون والعقل ، لانها تدرس اللامعقول واللايقين في العالم الواقعي باعتبارهما معقولاً ويقيناً في العوالم الممكنة من خلال اداتها المتمثلة في علم الافكار الممكنة الذي يجترح عوالم ممكنة وبذلك فهي تسعى الى خلق قيم المستقبل الممكنة . فالسوبر حداثة بخلاف مابعد الحداثة تعترف بوجود جواهر الأشياء .. ولكنها فقط موجودة في العوالم الممكنة .. لا في عالمنا الواقعي كما تقول به الحداثة من هنا إجترحت إمكان دراسة الجواهر وتحليل المفاهيم .. كما هي في العوالم الممكنة . هذا الإجتراح ينطوي على تعدد الجواهر للشيء الواحد الأمر الذي يملي تحليلات متعددة بل ومختلفة تحتمل الصدق للمفهوم الواحد في عوالم ممكنة مختلفة .. لذلك صار الآخر ليس النقيض للذات – الأنا – بل هو ما تنطوي عليه الانا .. يقول – لاكان – في كتابه ( لغة الذات ) .. : (( في حدود أن – أنا الذات – مدمجة في جدليات النرجسية والتماهي بإعتبارها مراحل حاسمة في حياتها ، يمكن القول أن الذات مدرجة في موضوعية المحور المتخيل في الوقت نفسه بما هي علاقة رمزية لا واعية بين الذات والآخر.

ضمد كاظم وسمي






الاثنين، 23 فبراير 2009

السوبر حداثة والسوبر تخلف للكاتب حسن عجمي


يبرهن الكاتب والمفكر حسن عجمي مقولته أن الثقافة هي خلق سلوكيات وأفكار جديدة بدلا من اتباع عادات وتقاليد قديمة ، والثقافة التي نصنعها اليوم تتشكل في المستقبل بدلا من أن تكون هي التي تصنعنا فهكذا نتحرر من ظلام يقينياتنا السلوكية والفكرية . (1)
فالبرهان يكمن في ان الكاتب حسن عجمي متواصل البحث في الميدان المعرفي من خلال انجازه الواسع لاصداراته المتلاحقة في عالم يضج بالعنف والصراعات الطائفية فاقد للحقوق والحريات الإنسانية ،ولم تثنيه مناخات الاحباط والتهميش لدور المثقفين والمفكرين في اوطانهم من الانقطاع عن الكتابة والاجتهاد في إثراء ساحة الفكر العربي لطروحات فكرية جادة و متجددة وفق معادلات تحمل حلول منطقية لمعضلات الواقع العربي المعاصر فالديموقراطية حسب حسن عجمي مناخها الحرية فتنقص بذلك الطائفية والعنصرية لذا نجد مع احتلال العراق من قبل أميركا زادت الطائفية والعنصرية ونشأ الصراع المذهبي والعنصري يدلنا هذا على استحالة تحقيق الديمقراطية بالقوة والتسلط .(2)

وتضمنت اصداراته الفكروفلسفية سلسلتين من الكتب،الاولى عن السوبرات وهي ستة كتب ، السوبر حداثة - السوبر مستقبلية - السوبر اصولية - السوبرمعلوماتية - السوبر تخلف - السوبر مثالية. والثانية تضمنت ثلاثة كتب تحمل عناوين الميزياء – البينياء – الضيمياء .
بالنسبة للسوبر حداثة حسب حسن عجمي / اللامحدد يحكم العالم ، تقول السوبر حداثة ان الكون غير محدد لكن رغم ذلك من الممكن معرفته لان خلال لامحدودية الكون من الممكن تفسيره ، مثل ذلك انه من غير المحدد اي نظرية علمية هي النظرية الصادقة ، ولذا من الطبيعي ان توجد نظريات علمية عديدة كلها ناجحة رغم اختلافها وتعارضها . هكذا تفسر السوبر حدثة نجاح النظريات العلمية رغم الاختلاف فيما بينها . اما السوبر مستقبلية فتقول ان التاريخ يبدأ من المستقبل وبذلك لابد من تحليل المفاهيم من خلال مفهوم المستقبل ويعطينا الكاتب مثل ذلك تعريف الحقيقة على انها قرار عملي في المستقبل . وبما ان الحقيقة قرار عملي في المستقبل ، إذن لابد من البحث الدائم عن الحقيقة وبذلك نظمن استمرارية البحث المعرفي ، واستمرارية البحث فضيلة . بالاضافة الى ذلك تتفق السوبر اصولية مع السوبر مستقبلية حيث تعتبر ان الاصول المعرفية والدينية محدد فقط في المستقبل ، وبذلك تحتاج الى تحديدنا الدائم لها مايحررنا من اعتبارها دائمة ومطلقة . اما بالنسبة الى السوبر اصولية ، يقول الكاتب نحن من نصنع التراث بدلا من ان يصنعنا ما يضمن تحررنا من تراثنا من دون ان نلغيه. لكننا سوبر متخلفون لاننا نرفض العلم والمنطق ونستخدم العلوم من اجل التجهيل . ويعطينا مثل على ذلك ان معظم مدارسنا وجامعاتنا و وسائل اعلامنا تنشر الجهل والتعصب وكراهية الآخر.كما يتجسد السوبر تخلف في ان افعالنا وافكارنا ومشاعرنا محددة سلفا. والطريق الوحيد من سوبر تخلفنا كامن في قبول العلم والمنطق ومشاركة الحضارة في صياغة العلوم والافكار الجديدة ما يعيدنا الى السوبر حداثة بأعتبارها علم الافكار الممكنة . ويؤشر بقوله نحن الأمة الوحيدة التي لاتعرف تراثها لأنها خالية من فكر جديد ، فلا نحن أحياء لكي نموت ، ولا نحن أموات لكي نبعث.(3)
وعلى ضوء السوبر حداثة التي تهدف الى بناء أفكار ممكنة يطرح الكاتب حسن عجمي فلسفات ومفاهيم جديدة ومنها الميزياء والبينياء والضيمياء،بينما الميزياء مشتقة من (الميزة)، والبينياء مشتقة من الظرف ( بين)، والضيمياء مشتقة من مصطلح (الضيم) .
فالميزياء كما يشير الكاتب تعتبر ان لكل شيء ميزة تميزه وعلى اساس ميزته يتشكل ويكون. بالنسبة الى الميزياء، للاشياء ميزات بدلا من ماهيات؛فالميزة قابلة للتغير والتطور بينما الماهية ثابتة،مثل ذلك ميزة العقل كانت قائمة في الحفاظ على الجنس البشري من خلال تجنب الضرر والاقبال على المفيد لكن تغيرت ميزة العقل وتطورت وأصبحت كامنة في الحصول على المعرفة وان كانت غير مفيدة في حياتنا اليومية كالرياضيات المجردة.
اما البينياء فتدرس مابين الاشياء لان مابين الاشياء يبين الاشياء فمثلا يتكون العقل من بين أجزاء الدماغ من علاقات فصل و وصل، فكلما ازدادت الصلات بين الخلايا العصبية للدماغ ازدادت القدرات العقلية.
وبالنسبة للضيمياء هي ضرورة معرفية في إزالة الظلم الذي يقع على فكرنا والخروج من سجون مسلماتنا الجاهزة والتحرر من قيود يقنياتنا الكاذبة.

وبهذا قد برهن لنا الكاتب حسن عجمي مرة ثانية مقولته أن المثقف هو الحامل لمعلومات جديدة وليس عبدا لها وهو المتحرر من سجون الآخرين وأفكارهم وسلوكياتهم . (4)
وبذلك استطاع الكاتب ان يساهم بمد معرفي جديد يحرك الوعي المتيقظ بأفكار وسلوكيات منعطفاتها غير مسبوقة محققا إنسانيته ومحفزا فينا إنتظار طروحاته القادمة.

أخيرا نسأل :- هل سننتقل من عصر السوبر تخلف الى عصر السوبر حداثة ؟ أم سنفتتح عصر السوبر تخلف الفائق حيث التخلف وحده هو القيمة الأعلى ؟

رؤى البازركان

(1)،(4) - كتاب الضيمياء المؤلف حسن عجمي الدار العربية للعلوم ناشرون 2008
(2)،(3) – كتاب السوبر تخلف المؤلف حسن عجمي الدار العربية للعلوم ناشرون 2007




الرابط : http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=163571
الرابط : http://www.almothaqaf.com/index.php?option=com_content&task=view&id=43618&Itemid=2738



لقد هزمنا أنفسنا!



تقديم الأحاسيس والمشاعر على العقل، واللجوء إلى الصراخ والنواح بطرق بدائية، والترنم برومانتيكية الشعارات، والتغني بالبطولات الوهمية في تاريخ حافل بالفشل والعقد والرواسب، كل ذلك يؤدي إلى تشويش الوعي الجمعي، وإلى انحرافات عن جادة الصواب.فغيبوبة العقل، والسير بخطى مترنحة، والتشبث بالأفكار الكسيحة التي ترفض العلم والمنطق والحوار والحقيقة والوعي الناقد والمتبصر، تقود إلى مجاهل الحيرة، ولربما إلى شفير الهاوية، «فالملاَّح الذي يفقد البوصلة، لايعود قادرا على تحديد اتجاه السير»،
على حد تعبير الأستاذ أنيس حسن يحيى، فلابد أن نتدرب على الخضوع لسلطان العقل والمنطق، وتجنب الضجيج والمشاتمة والتجريح مع من نعيش معهم تحت سماء واحدة.فثمة أناس يعيشون تحت صومعة المخاوف المرضية، ويغلقون أبواب السجال الرصين والتسامح والمثاقفة والتعقل، ويفتقدون للتوازن العقلي والانفعالي والنفسي والأخلاقي، ويسعون بكل ما أوتوا من قوة إلى تلويث الفضاء العام برغائهم وضحالتهم الفكرية واللغوية، ويحولون حياتنا إلى حلبة للمقاتلة والاحتراب.
لابد أن نكون صادقين في حواراتنا ومسالكنا، وأن ننظر بعين ثاقبة أبعد من أرنبة الأنف، فالبسطاء يحلمون بالأمن الجسدي والروحي، يحلمون بالأمن الغذائي والحياتي وبالسكينة النفسية، والتنمية الحقيقية، ولايكترثون بمعزوفات العدل والإنصاف التي تذر الرماد في العيون، وفي الضفة الأخرى، هناك صنف من المتزلفين، الذين يأكلون من كف معاوية، ويلبسون أسمال الفقراء، ويقلدون المتصوفين في زهدهم وتقشفهم، ويمثلون أدوار كهنة المعابد، وغير مهيأين للمفاصلة ومواجهة الحق، يندفعون بقوة إلى أرض مجهولة، مستسلمون لهوى النفس. ومن الحق أن نسجل، أن الجميع يحتاجون إلى مراجعة الذات، وسماع صوت الحق والاحتكام للعقل وتجنب المغالطات التي تستقيم على سلسلة من الأخطاء المنطقية، والحيل والمراوغات اللفظية، والتحذلق الانفعالي والعاطفي.لقد نطحتنا الأحداث والمآسي،
ورأينا أمام أعيننا المصائب والهزات العنيفة التي زلزلت كياننا، وتركت بصمات كابوسية مقلقة في حياتنا، لأننا ابتعدنا عن جوهر عقيدتنا السمحاء التي تنادي بالمحبة والإخاء والمساواة، وقمنا بمنابذة أهل العقل، وطوقنا الحقيقة بحبال الموت.فلاتفيد الخطب المنبرية ولا النفاق السياسي والاجتماعي، ولا النظرة الإقصائية التي تسجن العلم وتهين العقل، تتغنى بشمس الحرية والتسامح والرأي والرأي الآخر، واحترام المعتقدات وحرية القول والحريات العامة، وتسير في مسرب آخر يعيق نماء العلم والحرية والعقل.فهناك من يقف إلى جانب الحرية التي لاتحطم القضبان الحديدية،
ويناصر الحداثة بخطاباتها وشعاراتها التي لاتنمو في تربتها سنبلة العطاء، ويتغنى بالشفافية التي لاتمس نرجسيته ونزواته الغرائزية، ويتحمس للتسامح الذي لاينزع فتيل الحقد من الفؤاد، ويقف في صف المكاشفة التي لاتعري النقائص والعثرات، ويؤيد الشخصية اللامعة التي تظل مربوطة بقميصه، ومع القانون الذي يقوي قلاعه الاستبدادية.
يقول الأستاذ حسن عجمي:«نحن خارج الحضارة والتاريخ، لأننا نرفض العلم والمنطق، وإذا استمررنا في رفضهما سوف نظل عبيدا لأسيادهما، أما الآن فنحن إرهابيون صغار، لأننا نرفض بعضنا بعضا، فلانجد شاعرا أو مفكرا يقبل بشاعرية أو بفكرة لآخر.. لم يهزمنا أحد، بل نحن هزمنا أنفسنا عندما رفضنا العلم والمنطق والفلسفة».

د.سمير عبدالرحمن الشميري






الوعي السوبر حداثي






في ثلاثيته الجدلية " السوبر مستقبلية ... السوبر حداثة ... السوبر أصولية " يبذل حسن عجمي جهداً لافتاً لتوطين المعرفة الحديثة، فيطرح السوبر حداثة كمنتج ثقافي عصري كاشف للحداثة وما بعدها، بما هي مختبر لفحص الممكنات في الفكر والسلوك، وبما هي حقل مفتوح لتنوع النظريات في الموضوع الواحد وتعارضها، على اعتبار أنها - أي الممكنات - تشكل نظماً فكرية عديدة ومختلفة فيما بينها، فالسوبر حداثة تسعى في الأصل إلى بناء نظريات علمية ناجحة وصادقة في عوالم ممكنة، وتقول بقدرة العلم على التعبير عن الحقائق في تلك العوالم التي قد يكون من ضمنها عالمنا الواقعي، وإن لم يجزم بدخولنا إلى عصر السوبر حداثة.
ولأن الحداثة تمتلك مضموناً محدداً ترى أن العالم موضوعي، وعليه تعتبر العالم الواقعي قائما بذاته ومستقلاً عن العقل، فيما تقول ما بعد الحداثة التي تمتلك مضموناً نقيضاً للحداثة بلا موضوعية العالم، وعدم استقلاله عن العقل، بل هو نتيجة بناءات عقلية. أما السوبر حداثة التي يختلف مضمونها باختلاف الممكنات، فتدرس الممكنات كممكنات أي كموضوعات متحركة في العالم الواقعي، قائمة بذاتها كبناءات عقلية، بمعنى أنها مستقلة عن العقل ومعتمدة على العقل في آن، الأمر الذي يفسر تنوع تعريفاتها واختلاف وظائفها، على اعتبار مركزي يقوم على دراسة الممكنات لا الحقائق، أي الممكن وليس الصادق، وما هو معرفة وليس حقيقة.
وفيما تعترف الحداثة بنظام فكري واحد صادق ومقبول، بحثاً عن اليقين، تتجه ما بعد الحداثة نحو التعددية، تهواماً في اللايقين مدعية أنه صفة ملازمة للعلم، فتقول بعدم أفضلية نظام فكري أو سلوكي على آخر، لكن السوبر حداثة تؤكد على التعددية في الفرد ذاته، إذ من الضروري أن يكون للفرد جملة من النظم الفكرية المتعددة، فتدرس اللامعقوليات على أنها معقوليات وتدرس اللايقين على أنه يقين، وتفحص الأفكار الممكنة وتطور أفكار اللامعقول واللايقين على أساس انها صادقة في عوالم ممكنة، وبموجب هذا التقعيد يمكن القول أن الحداثة معنية في الأصل بتحليل المفاهيم القديمة أو التقليدية، وما بعد الحداثة ملزمة بتخليق المفاهيم الجديدة، فيما أخذت السوبر حداثة على عاتقها نفي المفاهيم، القديم منها والجديد، وهو الأمر الذي أسس لفكرة نفي وجود المثقف ومدلوله.
إذاً، الحداثة شكل من أشكال الإقرار بالقيمة المعرفية المطلقة اللا متبدلة، وبعقلانية الواقع، بينما يقوم المذهب الشكوكي لما بعد الحداثة الرافضة لذلك الإطلاق المعرفي على زعزعة مفاهيم الموضوعية والحقيقة والمعايير والعقل، وينهض على لا عقلانية الواقعي والعكس، أي لا واقعية العقلاني، ومقابل هذا الافتراق تعتبر السوبر حداثة أن الوهمي عقلاني والعقلاني وهمي، لأن العوالم الممكنة التي من ضمنها عالمنا الواقعي وهمية، فالأوهام هي العوالم الممكنة، والمعنى هو مجموع اللا معاني، والمعرفة هي مجموع اللا معرفيات التي تشكل العوالم الممكنة، وعلى هذا الأساس ارتقت بالمعرفة المطلقة لتجعلها مجموع المعارف النسبية، فتاريخ المعرفة هو تاريخ نسبية المعارف وتبدلها.
هكذا استسلمت الحداثة لفكرة التراكم والترابط والإتصال المعرفي، ولوجود مجموعة قيم ثقافية صادقة من بين مجموعات القيم المختلفة، ومن غير الممكن تفضيل بعضها على بعضها الآخر، نتيجة إيمانها بوجود جوهرانية للأشياء، التي بفضلها تصبح على ما هي عليه، فيما عارضت ما بعد الحداثة المؤسسة على الانقطاع التاريخي للمعرفة، والرافضة لجوهرانية الأشياء، ذلك الارتهان لقيمة بذاتها، مؤسسة لمفهوم " الاختلاف " لتتجاوز السوبر حداثة كل ذلك نحو الممكنات، فقالت باتصالية تاريخ المعرفة وانقطاعيته في آن، من أجل كشف أو خلق قيم المستقبل الممكنة، أي التوغل فيما لم يتم التفكير فيه، أو لم ينوجد من قبل، فهي إذ تعترف بوجود الجواهر، تعتقد بأنها موجودة ومتعددة في العوالم الممكنة وغير متوفرة في عالمنا الواقعي.
من الممكن، بتصور الحداثة التي تقول بأن مصدر المعرفة هو العالم الخارجي، أو البنية المسبقة لعقولنا، وتقبل بوجود أسس وماهيات، التحاور بين المنتمين الى ثقافات مختلفة، ولكن من غير الممكن، حسب ما بعد الحداثة التي تقول بأن مصدر المعرفة هو المجتمع أو السلطة، الرافضة لتلك الأسس والماهيات، التفاهم بين المتحدرين من ثقافات متباينة، أو هكذا تزعم نتيجة تبنيها فكرة النسبية الثقافية. من جهتها تقول السوبر حداثة بإمكانية التفاهم والتحاور في بعض العوالم الممكنة حيث نحيا أحياناً كما هو الحال في الواقع، وليس في كل العوالم، حيث يتم تخليق الأسس والماهيات من خلال دراستها كممكنات، حيث المعرفة تشكل حقلاً قائماً بذاته ومستقلاً عن أي عالم مادي في الخارج أو سلطوي أو داخلي مسبق في العقول.
ربما لهذا السبب ترى الحداثة أن أي نظام اعتقادي هو نظام عقلاني، وتدعي أن المشاكل الفلسفية هي حقاً مشاكل حقيقية وتحتاج إلى نظريات فلسفية معقدة لحلها، فيما تعتقد ما بعد الحداثة أن مفهوم العقلانية مفهوم فارغ بحيث أنه من الخطأ اعتبار نظام فكري معين عقلانياً وآخر لا عقلانياً، وأن المشاكل الفلسفية هي مشاكل كاذبة لأنها في الحقيقة مجرد تخبط لغوي، وبالمقابل تعلن السوبر حداثة أن العقلانية قائمة على أن أي فرد هو عقلاني إذا عرف هذا الفرد بأن معتقداته تخرق مبادئ المنطق، وتتنبأ بحقيقة أن المشاكل الفلسفية هي حقا مشاكل حقيقية لكن حلها يتم من خلال ايضاح معاني المفاهيم.
يحدث كل هذا التجاوز من خلال مثقف سوبر حداثي غير موجود، لأن مفاهيم المعيار والحقيقة والمعرفة بالنسبة له مستبدلة بمفهوم الممكنات، أي كبديل للمثقف الحداثي، مالك المعيار للحكم على المعتقدات وصاحب الحقيقة والمعرفة المرتهن لمعيار صحيح وحقيقة أو معرفة قارة، وكبديل أيضاً للمثقف المابعد حداثي الناقد والرافض لذلك المعيار، لأن المعيار متكثّر، والحقيقة والمعرفة نسبية، فالسوبر حداثة لا تقول بالمعرفة، بل تنتعش في الممكنات ، أو هكذا تعزز أحلام الفلاسفة الكبار على اعتبار وجود عقل كوني.

محمد العباس


الإقتصادية – الثلاثاء 1 مايو 2007

الرابط : http://www.aleqt.com/2007/05/01/article_89736.html


السوبر تخلّف والطائفية




حسن عجمي

الطائفية هي بناء سلطة على أساس عقائد دينية معتمدة على أو مبوبة في كتب التراث، أما السوبر طائفية فهي بناء سلطة على أساس أفراد طائفيين ــ عنصريين في ظل غياب العقائد والدين.لذا نحن نحيا بل نموت باستمرار في وجودنا السوبر طائفي، وكل طائفة منا تشكّل دولة ديكتاتورية بحد ذاتها. في السوبر طائفية يُقتل الإنسان والدين بشكل مستمر ومنظم، فليس المسيحي لدينا مسيحياً حقاً وليس المسلم لدينا مسلماً حقاً.
لو أننا حقاً مسيحيون أو مسلمون أو علمانيون لتمكّنّا من بناء دولة ومجتمع. سوبر طائفيتنا تستدعي السوبر استعمار. كلنا في هذا العالم العربي ندعو الآخرين إلى استعمارنا لأننا رفضنا الحضارة فخسرنا الإنسان.
أما الاستعمار فهو الاحتلال الواقعي لبلد ما من قبل بلد آخر، بينما السوبر استعمار فهو الاحتلال الافـــــــــــتراضي لبلد ما من قبل دولة أخرى. يحدث السوبر استعمار نتيجة التفوق العلمي والتكنولوجي والعسكري. فالدولة الأكثر تطوراً في إنتاج العلوم والتكنولوجيا وفي سلاحها العسكري تمارس الاحتلال الافتراضي على الدول الأقل تطوراً في العلم والتكنولوجيا والسلاح. على هذا الأساس، وبما أن ما يدعى الدول العربية والإسلامية أقل تطوراً في العلم والتكنولوجيا والسلاح، فإذاً هي في مرحلة السوبر استعمار. بمعنى آخر، نحن تحت هيمنة الاحتلال الافتراضي.
لأننا كشعوب تحت سيطرة السوبر استعمار العالمي، تسعى الدول المتطورة إلى رفض أن نتطور علمياً وتكنولوجياً وعسكرياً. هذا لأننا إذا تطورنا في تلك الميادين سوف نتحرر من السوبر استعمار الممارس علينا. لذا تفرض الدول السوبر استعمارية العقوبات على الدول التي تسعى نحو بناء أنظمتها العلمية والتكنولوجية والعسكرية. نحن في زمن الاحتلال الافتراضي، وهو احتلال من نوع آخر لا يتمثل في وجود جيوش أجنبية على أرضنا، بل يتجلى في انهزامنا الافتراضي. فمثلاً، إذا استخدمت أميركا كل قوتها العسكرية فسوف تهزمنا وستتمكن من احتلالنا واقعياً. لذا يحق لنا بل لا بد لنا من أن نقاوم هذا الاحتلال والاستعمار من خلال تطوير قدرتنا التكنولوجية والعسكرية ومن خلال مشاركة الحضارة في إنتاج العلوم.
ويبقى الســـــــــلاح الأقوى هـــــو سلاح الحضارة. والحضارة كــــــــــامنة في إنتاج العلم. فعندما يعتــــــــــــمد العالم على ما ننتج من علوم سوف نحقق انتصاراتنا الحقة.
من جهة أخرى، الإرهاب هو قتل للمدنيين، بينما السوبر إرهاب هو قتل إنسانية الإنسان أي سلبه إنسانيته. السوبر إرهاب وجه آخر للسوبر استعمار المهيمن على شعوبنا. يتمثل السوبر إرهاب في منعنا من قبول المنطق والعلم والفلسفة. وأنظمتنا الديكتاتورية تمارس السوبر إرهاب بتفوق، وهي بذلك شريكة الدول السوبر استعمارية. سلطاتنا الديكتاتورية تنشر السوبر إرهاب في مجتمعاتها كوسيلة لضبطها. فعندما نرفض المنطق والتفكير والعلوم تغدو أنظمتنا هي الوحيدة القادرة على تحديد ما هو الحق والحقيقة، وبذلك تستمر في نجاحها في السيطرة على شعوبها. وحين نرفض العقل والمنطق والتفلسف والعلم نفقد إنسانيتنا، فالإنسانية كامنة في ممارسة حق التفكير السليم منطقياً وعلمياًً، وهذا أساس نشوء الحقوق والحقائق التي يبنيها الإنسان الحق.
لقد خسرنا إنسانيتنا وأمسى الإنسان لدينا إنساناً افتراضياً بسبب رفضنا العلم والمنطق. فمعظم مدارسنا وجامعاتنا وكتبنا ووسائل إعلامنا لا تراعي مبادىء المنطق والتفكير السليم، وبذلك تساهم في تطوير تخلّفنا. نحن في عصر السوبر تخلف.
بينما التخلف قائم في عدم الإنتاج، يكمن السوبر تخلف في تقديم الجهل على أنه علم. لم يستعمرنا الآخر فقط بل استعمرنا أنفسَنا أيضاً. على هذا الأساس لا سبيل لنا سوى أن نقاوم بالفكر والعلوم. لقد أغلقنا أبوابنا ونوافذنا وأصبحنا محددين في أدق التفاصيل، ما جعلنا نخسر القدرة على التكيف والاستمرار. وحده اللامُحدَّد ينتصر ويبقى كما تقول السوبر حداثة بالضبط.