الاثنين، 12 يناير 2009

هل النظريات العلمية صادقة؟!



السوبر حداثة واللامحدد والمعرفة:
هل النظريات العلمية صادقة؟!


حسن عجمي



نقدم في هذا المقال فرضية السوبر حداثة وكيف تفسر نجاح النظريات العلمية، ومن ثم نحدد بعض فضائلها المعرفية. فالخلاف حول ما اذا كانت النظريات العلمية صادقة حقا أم هي مجرد أدوات للتفسير هو خلاف أساسي في الفلسفة والعلوم. أما السوبر حداثة فتحاول تقديم ما هو جديد في هذا المجال بحيث تؤكد على انه من غير المحدد أية نظرية علمية هي النظرية الصادقة.
نستطيع شرح السوبر حداثة على النحو التالي: تدرس السوبر حداثة الأكوان الممكنة التي قد تختلف عن عالمنا الواقعي. لكن الأكوان الممكنة عديدة ومختلفة عن بعضها بعضا. بذلك من المتوقع أن تستعين السوبر حداثة بمفاهيم ما بعد الحداثة كمفهوم اللامحدد من أجل الوصول الى هدف الحداثة الأساسي ألا وهو المعرفة. فيما أن الأكوان الممكنة عديدة ومختلفة، إذا نظرنا اليها مجتمعة سنرى حقائقها وظواهرها غير محددة. لكن من وجهة نظر السوبر حداثة رغم ان حقائق وظواهر من خلال لا محدديتها. على هذا الأساس تختلف السوبر حداثة من ما بعد الحداثة التي تنفي إمكانية الحصول على المعرفة. كما تختلف السوبر حداثة عن الحداثة لأن الحداثة تقول بأن العالم محدد ولدينا معرفة بالعالم الواقعي بينما السوبر حداثة تؤكد على ان العالم غير محدد وأن معرفتنا معرفة بالعوالم الممكنة.
للسوبر حداثة تطبيقات مختلفة منها ما يعنى بفلسفة العلوم. بالنسبة الى المذهب الواقعي في العلوم، النظريات العلمية ناجحة في تفسير ظواهر الكون والتنبؤ بها لأنها صادقة بينما المذهب اللاواقعي في العلوم يقول ان النظريات العلمية ليست صادقة ولا كاذبة بل مقبولة فقط بما أنها مجرد وسائل لتفسير ظواهر الكون والتنبؤ بها (انظر: Edited by Boyd, Gasper, and Trout: The Philosophy of Science. 1991. The MIT Pres. ينتقل هذا الخلاف الى العلماء. يقول العالم الرياضي بنروز ان النظرية العلمية الناجحة حقا لا بد أن تكون صادقة وبذلك لا بد من البحث عن النظرية الصادقة التي من المتوقع أن يهتدي العلم إليها. أما العالم الرياضي هو كنغ فيعتبر أن النظريات أدوات لتفسير الكون وبذلك من الممكن قبول النظريات العلمية المختلفة رغم التعارض فيما بينها كنظريتي النسبية التي تقول بالحتمية وميكانيكا الكم التي تقول باللاحتمية ( انظر: Stephen Hawking and Roger Penrose: The Nature of Space And Time. 1996. Princeton University Press. على هذا الأساس يتفق بنروز مع المذهب الواقعي بينما يقبل هوكنغ بالمذهب اللاواقعي.
المذهب الواقعي في العلوم مذهب حداثوي لانه يقر بصدق النظريات العلمية وبذلك يؤكد على حصولنا على المعرفة كما يفعل المذهب الحداثوي تماما. أما المذهب اللاواقعي بمذهب ما بعد حداثوي لأنه يرفض اعتبار النظريات العلمية صادقة بل ينظر اليها على أنها مقبولة فقط كونها ناجحة، وعدم الإقرار بصدق النظريات اتجاه ما بعد حداثوي. أما السوبر حداثة فتبتعد عن الاتجاهين الواقعي واللاواقعي بقولها انه من غير المحدد أية نظرية علمية هي النظرية الصادقة. وبما أنه من غير المحدد أية نظرية علمية هي الصادقة، إذ من المتوقع وجود نظريات علمية كلها ناجحة في تفسير الكون رغم انها مختلفة وتناقض بعضها بعضا كنظريتي النسبية لأينشتاين ونظرية ميكانيكا الكم. بالنسبة الى نظرية النسبية، الكون حتمي بينما بالنسبة الى ميكانيكا الكم الكون غير حتمي. فيما أنه من غير المحدد ما اذا كانت نظرية النسبية ونظرية ميكانيكا ناجحتين في تفسير الكون رغم انهما يناقضان بعضهما بعضا. هكذا تتمكن السوبر حداثة من تفسير ظاهرة أنه توجد نظريات علمية ناجحة رغم أنها تناقض بعضها بعضا.
بالإضافة الى ذلك، توجد فضيلتان أساسيان للسوبر حداثة. أولا، السوبر حداثة تجعل البحث المعرفة مستمرا ولا توقفه. واستمرار البحث فضيلة. فيما ان السوبر حداثة تدرس الاكوان الممكنة، وهذه الأكوان الممكنة عديدة ان لم تكن لا متناهية، إذن على الباحث ان يستمر في بناء النظريات المختلفة الصادقة في أكوان مختلفة. وبذلك لا يتوقف بحثه المعرفي. وهذا ما تم في تاريخ المعارف والعلوم. فمثلا، نجد أن اينشتاين قد أنشأ نظريته النسبية ومن ثم شارك في بناء ميكانيكا الكم التي تناقض نظريته الأولى وأخيرا سعى في آخر حياته الى توحيد النظريتين السابقتين في نظرية واحدة وجديدة ولم ينجح (انظر: Encyclopedia Americana. Volume 10. 1980 Americana Corporation. Pp 94-97. ثانيا، تزيد السوبر حداثة المعارف الى حدها الأقصى، وزيادة المعارف الى أقصاها. فبدلا من أن نسجن في دراسة الواقع ننطلق نحو دراسة الممكنات كافة التي تبدو لا متناهية وبذلك نستمر في زيادة معلوماتنا عما هو ممكن أن يكون صادقا.
أخيرا، النظريات الممكنة التي تحاول السوبر حداثة إنشاءها لا بد أن تكون محكومة بالمنطق ومبادئ التفكير السليم وان تكون قادرة على تفسير الحقائق والظواهر الممكنة. فليس كل شيء ممكنا بل المنطقي والعقلاني والعلمي هو الممكن، أي هو الصادق في الأكوان الممكنة. والصفة الأساسي للسوبر حداثة أنها تقبل بتعدد ما هو منطقي وعقلاني وعلمي كونها تدرس الممكنات المنطقية والعقلانية والعلمية.