الأربعاء، 25 فبراير 2009

لا بد من اشتقاق مصطلحات جديدة للغة معرفية جديدة



بيروت ــ الوطن ــ سمير رباح


هي ثلاثية كتب اصدرها الكاتب والباحث اللبناني حسن عجمي مؤخرا ضمن سلسلة تتضمن افكارا جديدة كما تتضمن مصطلحات جديدة حركت ساحة ثقافية فكرية كانت مشغولة بأشياء اخرى.
وما هذه السلسلة الا «الميزياء» و«البينياء» و«الضيمياء» وهذه بمثابة عناوين رئيسية لعناوين اخرى فرعية فلسفية وفكرية تتضمنها هذه السلسلة.
ونظرا لما اثارته هذه الاصدارات من اسئلة ولما اثارته تلك المصطلحات من تجاذبات اتسمت بالحدة احيانا ولا تزال مستمرة حاولنا الوقوف على مضامين هذه السلسلة وعلى علاقتها بالسلسلة التي سبقت تحت عناوين «السوبراث» وذلك من خلال هذا الحوار مع الباحث نفسه أي حسن عجمي:
_ سلسلتك الجديدة تتكون من ثلاثة كتب هي «الميزياء» و«البينياء» و«الضيمياء» ماذا تعني هذه المصطلحات؟
- الميزياء مصطلح مشتق من الميزة من هنا الميزياء فلسفة الميزة تعتبر الميزياء ان للاشياء ميزات بدلا من ماهيات فبينما الميزة متغيرة وقابلة للتطور الماهية ثابتة لا تتغير هكذا الميزياء ترفض فلسفة الماهيات فتؤكد على انه لا توجد ماهيات اصلا ولذا الكون في حالة تغير مستمر.
اما البينياء فهي مشتقة من الظرف «بين» ومن البنية. والبينياء مذهب فكري يدرس ما بين الاشياء بدلا من دراسة الاشياء بشكل مباشر هذا لأن ما بين الاشياء يبين الاشياء.
اما الضيمياء فمشتقة من الضيم ولذا تدرس الضيمياء الظلم الفكري الذي يصيب عقولنا من جراء التسليم الكاذب بأن كل الاشياء مجرد ادوات في خدمتنا بينما الحقيقة هي ان كل شيء يسعى الى تحقيق ذاته وتطويرها ولا يبالي بنفعنا او ضررنا. هكذا الضيمياء تحارب أوهام العظمة لدى الانسان فالانسان ليس مركز الكون ولم تخلق الاشياء لخدمته بل هو وجد لخدمة الاشياء من هنا قد يستعيد الانسان انسانيته بدلا من ان يتحول الى طاغية ضد ذاته والآخرين.
_ لماذا اخترت دراسة الميزات بدلا من الماهيات ما فائدة هذا الاختيار؟
- بالنسبة إلى الميزياء ثمة ميزات بدلا من ماهيات ولكل شيء ميزة تميزه عن الاشياء الاخرى وبها يوجد ويتكون. فإن خسر ما يميزه لن يختلف عن الاشياء الاخرى وبذلك يحدث زواله. من هنا ميزات الشيء اساس وجوده وتكونه. لكن الكون محكوم بالميزات وليس بالماهيات لانه متغير وفقط الميزات تعبر عن تغيره. فقد نخسر ميزاتنا ونكتسب ميزات اخرى. لذا من الضروري دراسة الميزات بدلاً من الماهيات، فإذا وجدت ماهية للشيء لابد حينها ان تبقى إلى الابد جزءاً اساسياً منه وبذلك لا تسمح له بالتغيير على نقيض مما يحدث فعلاً في الوجود، هكذا فائدة اختيار الميزياء كفلسفة ممكنة كافية في قدرتها التعبيرية فهي تعبر عن تبدل الكون وتغيره. مثل على فلسفة الميزياء هو التالي: مع بدايات ظهور الانسان في التاريخ كانت ميزة العقل قائمة في الحفاظ على الجنس البشري من خلال تجن الضرر والاقبال على المفيد، لكن لقد تغيرت هذه الميزة وتطورت فأصبحت ميزة العقل كامنة في الحصول على المعرفة وان كانت معرفة غير مفيدة في الحفاظ على حياتنا كالرياضيات المجردة. اما اذا كانت للعقل ماهية فسنتوقع حينها عدم تغير العقل وهذا نقيض الواقع. هكذا تختلف الميزة عن الماهية وتتمكن الميزياء من تفسير تطور العقل.
_ الميزياء دراسة الميزة، والبينياء دراسة ما بين الاشياء، والضيمياء تدرس الضيم الفكري، هل تساهم في كل من البينياء والضيمياء في ايضاح ميزات العقل كما تفعل الميزياء؟
- لكل مذهب منها طريقته في جعلنا أقرب إلى فهم الظواهر والحقائق كحقيقة العقل وكيفية عمله. بالنسبة إلى البينياء، ما بين الاشياء والظواهر والحقائق ما بين الاشياء وبشكلها من هنا تعتبر البينياء ان العقل يتكون مما يكمن بين اجزاء الدفاع من علاقات فصل ووصل. فكما نعلم الدماغ يتشكل من نيورونات وهي خلايا عصبية ترتبط فيما بينها بعلاقات فسيولوجية، وكلما ازدادت العلاقات بين النيورونات ازداد عمل العقل وتفكيره. من هنا ما بين اجزاء الدماغ يشكل العقل، وهذا مثل واضح على ان ما بين الاشياء يشكلها. من جهة أخرى تسعى الضيمياء ايضاً في ايضاح العقل فتؤكد على خطأ مسلمتنا القائلة بان العقل اداة في خدمة الانسان بل بالنسبة الى الضيمياء، العقل يسعى فقط إلى تحقيق ذاته وتطويرها. لذا قد يفيدنا العقل وقد يضرنا من خلال بناء اسلحة القتل. بل العقل يستغلنا لكي يستمر ويبقى على نقيض مما كنا نظن، فهدفه الوحيد هو بقاؤه وليس بقاءنا وإلا ما كان يؤدي إلى الضرر بنا فليس هدف العقل ان يفيدنا أو يضرنا بل وظيفته الوحيدة كباقي الاشياء ان يبقى ويستمر.
_ هل للضيمياء قدرات تفسيرية وتعبيرية كالتي تملكها الميزياء والبينياء؟

- تكتسب الضيمياء قدراتها التفسيرية والتعبيرية بطرق مختلفة. فمثلاً، تفسر لماذا قد يضرنا العقل أو العلم ولماذا قد يفيدنا وهذا السبب ان العقل والعلم هدفهما تحقيق ذواتهما بدلاً من ان يكونا اداتين في خدمتنا. الضيمياء فلسفة ترفض اعتبار الاشياء أدوات في خدمتنا. بالاضافة إلى ذلك من منطلق الضيمياء بما أن العقل يسعى الى تخفيف ذاته واستمراريته فقط، اذن من الطبيعي ان يتجسد العقل في تجسدات مختلفة فإن زال عقل يبقى آخر وبذلك يحافظ على استمراريته من المنطلق ذاته بما ان العلم يسعى الى تحقيق ذاته واستمراريته فقط، الان من الطبيعي ان يتنوع العلم ونظرياته فإن زالت نظرية تبقى اخرى وبذلك يحافظ على بقائه هكذا تفسر الضيمياء تنوع العقول واختلاف النظريات.

_ لماذا تشتق مصطلحات جديدة وهل يحق لنا القيام بذلك؟

ـ لابد من اشتقاق مصطلحات جديدة في اللغة لاسباب عديدة كما يحق لنا القيام بذلك للاسباب نفسها ومن هذه الاسباب أولا: للفلسفة والعلوم وظائف مختلفة منها تفسير الظواهر وتحليل المفاهيم وصياغة مصطلحات مبتكرة من هنا احدى الوظائف الاساسية للفلسفة والعلوم هي بناء مفاهيم جديدة. لذا لابد ويحق لنا ان نبني مصطلحات جديدة في اللغة العربية فمثلا اينشتاين صاغ مصطلحا جديدا هو الزمكان الذي يشير الى ان الزمان والمكان شيء واحد. كما صاغت الفلسفة المعاصرة مصطلحات جديدة عديدة كمصطلح: «النيوروفلسفة» التي تدرس العقل على اساس نيورونات الدماغ التي هي الخلايا العصبية في الادمغة على هذا الاساس يحق لنا ان نشتق مصطلحاتنا الخاصة كالميزياء والبينياء والضيمياء بدلا من نكون مجرد مقلدين للغرب.ثانيا: اذن لن نشتق مفاهيم جديدة لم تعهدها لغتنا العربية من قبل فسوف نخسر لغتنا.
فالاشتقاق المبتكر في اللغة يجددها ويجعلها تحيا من جديد فاللغة كائن حي يحتاج الى دم ونبض جديدين وهذا ما تقدمه عمليات الاشتقاق المعتمدة على الفلسفة والعلم على ضوء كل هذا يحق لنا ولا بد ان نبني مفاهيم وعبارات جديدة والا سنخسر لغتنا وحضارتنا.

_ هل ترتبط سلسلتك الجديدة بسلسلتك القديمة ألا وهي سلسلة «السوبرات» التي تحتوي على ستة كتب منها «السوبر حداثة» و«السوبر مستقبلية» وغيرهما؟

ـ ثمة ارتباط عضوي بين السلسلتين ويظهر هذا الارتباط على النحو التالي: بالنسبة الى السوبر حداثة اللامحدد بحكم العالم لكن رغم ان الكون غير محدد من الممكن معرفته لان من خلال لا محدوديته تتمكن من تفسيره مثل ذلك انه من غير المحدد اي نظرته علمية هي النظرية الصادقة ولذا من المتوقع ان توجد نظريات علمية مختلفة كلها ناجحة في تفسير الكون رغم التعارض فيما بينها اما «السوبر مستقبلية» فتقول ان التاريخ يبدأ من المستقبل وبذلك تحلل المفاهيم من خلال مفهوم المستقبل فتغدو الحقيقة مثلا قرارا علميا في المستقبل وبذلك تحافظ على لا محدوديتها من جهة اخرى تعتبر الميزياء ان للاشياء ميزات وليس لها ماهيات، وبما ان للأشياء والظواهر والحقائق ميزات بدلاً من ماهيات، وبينما الميزات متقلبة ومتغيرة، أما الماهيات فثابتة، اذن ما تزال الأشياء والحقائق غير محددة، فلو أنها محددة لابد حينها ان تملك ماهيات ثابتة، هكذا ترتبط الميزياء بالسوبر حداثة، والسوبر مستقبلية علماً بأن السوبر حداثة تؤكد على لا محدودية الحقائق والظواهروالسوبر مستقبلية تعبر عن لا محدودية الكون ايضا من خلال الاعتماد على المستقبل.

_ هل ستكتفي بالسلسلتين السابقتين أم أنك تسعى إلى كتابة سلسلة فلسفية اخرى؟
- الكتابة لا تنتهي كالحياة تماماً، فالموت مجرد حياة للآخرين، بدأت فعلا بكتابة أفكار اخرى قد تظهر في سلسلة جديدة وقد لا تظهر، فلا اخطط لبناء سلسلات من الكتب، بل كأنها هي التي تفرض ذاتها على أوراقي، في زمن «السوبر تخلف» الأفكار هي من اجسادنا وأوطاننا وفيها فقط تكمن انسانيتنا.,,






الرابط : http://www.al-watan.com/Data/20080903/innercontent.asp?val=culture1_5