السبت، 2 مايو 2009

حسـن عجمـي: أنـا غيـر محـدَّد إذاً أنـا موجــود



حسـن عجمـي: أنـا غيـر محـدَّد إذاً أنـا موجــود




يختلط الأمر على الذي يعرف حسن عجمي: هل هو شاعر ام مفكر يسعى إلى بناء عمارة فكرية مميزة ام مستكشف لميادين جديدة من التفكير العلمي والأدبي سواء في «مقام الراحلين» (شعر ـ 2000) او في «معراج المعنى» (نقد ـ 2001) او في «مرايا العقول» ـ الشعر العلمي (2003). ومنذ كتابه «مقام المعرفة ـ فلسفة العقل والمعنى» (2004) اتخذ انتاج عجمي طابعاً فكرياً يستند الى معالجة القضايا الفلسفية معالجة تتراوح بين المنهج التحليلي والمنهج التفسيري. ثم جاء كتابه «السوبر حداثة» (2005) ليعالج الأكوان الممكنة واللامحدد، ثم «السوبر مستقبلية» _2006) قائلاً إن التاريخ يبدأ من المستقبل، ثم «السوبر أصولية» (2007) التي تعتبر الاصول الدينية محددة في المستقبل فقط، وأننا نحن ـ الحاضر نصنع التراث، ثم «السوبر معلوماتية» (2007) «فالسوبر تخلف» (2007)، وأخيراً «السوبر مثالية» (2007). واليوم يطل علينا عجمي بكتابه الجديد «الميزياء» بعد ذلك الحشد من «السوبرات» مفتتحاً ميادين معرفية تتناول العلاقة بين الجيزياء (ما يجوز) والحيزياء (الحيز). وفي ركن هادئ من مقاهي الروشة التقينا بحسن عجمي وكانت هذه المأدبة من الاسئلة والاجوبة:
أنت لم تتجاوز الثامنة والثلاثين، ما قصة هذا السيلان من الكتب والمؤلفات؟ هل هو هوس في الكتابة والتأليف الفلسفي فكل ثلاثة أشهر يصدر لك كتاب فلسفي جديد؟

- أكتب لأعبر عن إنسانيتي. لذا من غير المستغرب الكم الكبير من الكتب التي اؤلفها لان الإنسان في ذاته متنوع ومتشعب وبلا حدود. مهنتي هي الكتابة وليس من السهل الكتابة في الفلسفة. طبعاً بالنسبة إليّ المسألة سهلة، لأنني تمرنت على التفكير الفلسفي في الجامعة الاميركية في بيروت ثم في جامعة كولومبيا في نيويورك.
نلاحظ غياباً لذكر المراجع الفلسفية في كتاباتك مع أن ذكر المراجع الفلسفية أمر ضروري لكل مفكر او فيلسوف.
ثمة مراجع فلسفية وعلمية في بعض كتبي. فمثلاً في كتاب «مقام المعرفة» هناك ما يزيد على مئة مرجع. وفي كتاب «السوبر أصولية» يوجد ما يتجاوز الستين مرجعاً. استخدامي للمراجع يعتمد على سياق الكتابة. بعض كتبي لا تعتمد المراجع مثل كتاب «السوبر تخلف». لان هذا الكتاب لا يعتمد على اي فكرة متداولة بين المفكرين. فالسوبر تخلف مصطلح جديد وقد عالجته ضمن معادلات رياضية ابتكارية. هذا الاسلوب من الكتابة الرياضية غير شائع لذا من الطبيعي ان لا اعتمد على اي مراجع فيه.
فلسفة جديدة
هل فلسفتك خاصة بك ام تعتمد على فلسفات آخرين تعيد صوغها بأسلوبك الخاص، بأي خصوصية تعامل مع الفلسفة؟

- أحاول ان اقدم فلسفة جديدة، ومعالمها الاساسية هي السوبر حداثة التي تضم السوبر مستقبلية والسوبر أصولية والسوبر تخلف والسوبر مثالية. على هذا الاساس ادرس الأكوان الممكنة والمستحيلة واعتمد على اللامحدد في تفسير الظواهر والحقائق. ميزة الفلسفة التي احاول طرحها هي انها مصوغة من خلال المنطق العلمي ومعتمدة على النظريات العلمية المعاصرة.
التعريفات الفلسفية هجرها الفلاسفة المحدثون واصبحت تعود الى زمن مؤسسي الفلسفة والعلوم. ما سبب العودة من جديد للتعريفات الفلسفية في كتبك؟
- الفلاسفة في العالم، قديماً ام حديثاً، لم يهجروا تعريف المفاهيم والمصطلحات الفكرية والعلمية، بل إن احدى الوظائف الاساسية للفلسفة تقديم تعاريف للمفاهيم المختلفة. وهذا ما يشترك العلم معه ايضاً. فمثلاً أينشتاين يعرف الجاذبية على انها انحناء الزمكان. لكننا نحن العرب هجرنا التفكير الفلسفي والعلمي. لذا، كان لا بد من التأسيس مجدداً، ومن العودة الى التعريفات الفلسفية.
لماذا التركيز على علاقة الفلسفة بالفيزياء بينما الفلسفة علاقتها الجوهرية بالإنسانيات والفنون؟

- الفيزياء هي الاكثر علمية بين العلوم كالكيمياء والرياضيات. من هنا كان من الضروري الاعتماد على الفيزياء لاقدم اساسا صلبا للفلسفة التي اطرحها. طبعا ما زالت الفلسفة مرتبطة بالإنسانيات وبالفنون بشكل جوهري، وقد عالجت هذا الارتباط في كتبي المختلفة، لكن انطلاقاً من الفيزياء ونظرياتها العلمية المعاصرة كنظريات ميشيو كاكو ولي سمولن وليونارد سسكين. هؤلاء الفيزيائيون يستنتجون ان الأكوان الممكنة فعلا موجودة، وهذا يقدم الاساس العلمي لأبحاثهم. ولقد درست الإنسانيات في معظم كتبي انطلاقاً من فلسفة السوبر حداثة المعتمدة على العلوم. فمثلاً الإنسان كائن غير محدد، ولهذا فهو قادر على التكيف والتأقلم مع المتغيرات مما يضمن نجاحه وبقاءه. هذه الفكرة تعتمد على مبدأ اللامحدد في ميكانيكا الكم. التكنولوجيا لا تكفي.
في الماضي كانت الفلسفة تقود العالم. اما اليوم فالتكنولوجيا تقود العالم. هل هذا السبب يجعلك تجنح للاستعانة بالعلوم لتأسيس الفلسفة من جديد؟
- التكنولوجيا وحدها لا تحكم ولا توجه العالم، بل قبول العلم وإنتاجه هما الأساس في بناء الحضارة الحديثة. فالتكنولوجيا وحدها من دون علوم ومن دون فلسفة منطقية تؤدي إلى السوبر تخلف. التكنولوجيا متاحة اليوم لنا، لكنها تؤدي الى تطوير تخلفنا، لأننا لا نشارك الحضارة الحديثة في إنتاج العلوم. ولان الفلسفة متواصلة مع العلم، فهما معا جوهر التفكير الإنساني الاصيل والمستقبلي. وعلى اساس هذا التواصل نبني حضارتنا ومجتمعاتنا. ولأننا نرفض الفلسفة خسرنا حضارتنا، ولم نتمكن من بناء مجتمعات حقيقية بل نحن منقسمون الى قبائل متصارعة ومحكومة بالأوهام.
الى أين تتجه الفلسفة اليوم؟

- لم يعد هناك فاصل جذري بين الفلسفة والعلوم، فالفلسفة اليوم تواكب مسارات العلوم وتوجهاتها والعكس صحيح. فمعظم العلماء الكبار اليوم هم فلاسفة. والعكس صحيح. والاسئلة في الفلسفة وفي العلوم اصبحت اليوم اسئلة مشتركة.

هل كتابك الصادر مؤخراً «الميزياء» بداية لسلسلة جديدة من المؤلفات تتكرر على منوال «سوبراتك» السابقة؟

- قد يكون كذلك وقد لا يكون. فأنا لا استطيع التنبؤ بطبيعة الأفكار التي سوف اعالجها. ولم يكن هناك مخطط مسبق لانتاج سلسلة «السوبرات»، بل ان كل كتاب منها استدعى تأليف كتاب آخر.
يغلب على كتبك السوبرات الست طابع البحث العلمي والمنهج التحليلي والتفسيري، بينما يغلب على كتبك الشعرية طابع التجريب المستند الى تطورات الحداثة وعلاقة الشعر بالعلوم، هل أنت شاعر ام مفكر ام الاثنان معا ام متأرجح بينهما؟
- كل الميادين الابداعية مترابطة ومتواصلة وتشكل حقلاً معرفياً وابداعياً واحداً. لذا من الطبيعي ان انتقل من الشعر الى الفلسفة ومن الفلسفة الى الشعر، وان اكتب ما يسمى بالشعر العلمي. ويستخدم الشعر العلمي مصطلحات العلم كالثقوب السوداء والانفجار العظيم. وهذا يضمن ان يكون للشعر والأدب معنى وهدف يواكب معاني العلوم وأهدافها. أما أنا فمجرد إنسان يسعى الى تحقيق إنسانيته من خلال الفلسفة والشعر معاً.

هل أنت مع ديكارت «أنا أفكر اذن أنا موجود» ام مع سارتر «أنا موجود اذن أنا افكر» أم أنت خارج هاتين النظريتين؟
- أنا مع «أنا غير محدد، اذن أنا موجود». فاللامحدود وحده هو الذي ينشأ ويبقى ويستمر لكونه غير محدد، مما يضمن نجاحه في التكيف والاستمرار. لذا، فالكون كله غير محدد ولذا هو موجود. وهذا يفسر نجاح نظرية ميكانيكا الكم التي تقول مبدأ اللامحدود.
ما مدى استفادتك من الفكر الماركسي. ام انك تميل اكثر الى فكر هيغل او كانط؟

- أحاول ان اخرج من الأفكار الفلسفية المسبقة رغم تأثري بمعظم الفلاسفة والعلماء. لقد قدم ماركس نظريته على اساس انها نظرية علمية وكان مستنداً إلى علوم عصره. اما أنا فأستند الى علوم بداية القرن الواحد والعشرين. وأنا انطلق من تاريخ العلم وتطوره وليس من تاريخ المقدس. فالعلم عملية تصحيح مستمرة.

هل هجرت العلاقة بفلسفة التاريخ الهيغلية ـ الماركسية ام ما زلت تستعين بها؟

- التاريخ يبدأ من المستقبل. هذه هي فلسفة السوبر مستقبلية المرتبطة بشكل اساسي بالسوبر حداثة. لا بد من كتابة التاريخ انطلاقاً من المستقبل بدلاً من الانطلاق من الماضي. بذلك نتحرر من سجون التاريخ ويقينياته الكاذبة.

صفوان حيدر - السفير