الجمعة، 10 يوليو 2009

رحلة الى العوالم العلمية الممكنة


سيرة أفكار الفيزيائي لي سمولن

رحلة الى العوالم العلمية الممكنة

حسن عجمي

نقدم في هذا المقال سيرة أفكار الفيزيائي لي سمولن الذي طرح فرضيات مختلفة حول الجاذبية الكمية . فننتقل بين أفكاره العديدة ونرتحل في عوالمه العلمية الممكنة.
لقد شارك سمولن في صياغة نظرية الجاذبية الكمية التي تدرس الزمان والمكان،وتهدف إلى التوحيد بين نظرية ميكانيكا الكم والنظرية النسبية لأينشتاين. من هذا المنطلق يعتبر سمولن أن كلاً من المكان والزمان يتكون من كميات منفصلة. وبذلك طبق سمولن ميكانيكا الكم على الجاذبية بأعتبار أن الجاذبية مجرد انحناء الزمكان كما يقول أينشتاين. بالنسبة إلى ميكانيكا الكم،من غير المحدد أن سرعة لجسيم ومكانه في آن. بكلام آخر ،من غير المحدد ما إذا كانت قطة شرودنغر حية أم ميتة؛ فمن غير المحدد ما إذا كان الجسيم جسيما أم موجة. فالجسم كالإلكترون أو الفوتورن يتصرف على انه جسيم، وعلى أنه موجة بدلاً من جسيم في الوقت نفسه. من هنا يتدفق الضوء في كميات منفصلة وكأنه موجات وجسيمات في آن. على هذا الأساس، يقول سمولن إن الزمكان (جمع الزمان والمكان) يتكون من كميات منفصلة،وأن الزمان والمكان يتكونان من ذرات تماماً كما كل الأشياء الأخرى في الكون.

الكون كومبيوتر أم كائن حي

من جهة أخرى، يبني لي سمولن نموذجين علميين في وصف الكون وتفسيره. بالنسبة إلى النموذج الأول،الكون كومبيوتر ويتشكل من معلومات وتدفقها. هنا يعتبر سمولن أن العالم يتكون من أحداث وعمليات،وأن أحداث وعمليات عالمنا ليست سوى معلومات بينما العلاقات فيما بينها كالعلاقات السببية ليست سوى انتقال المعلومات من حدث إلى آخر . أما بالنسبة إلى النموذج الثاني فالكون كائن حي، ويذلك الكون محكوم من قبل المبادىء ذاتها التي تحكم عالم الأحياء كمبدأ الإنتقاء الطبيعي الدارويني. فكما أن الإنتقاء الطبيعي يختار الصفات الأفضل في الأحياء فيبقيها ويضمن بذلك إستمرارية الحياة،كذلك في عالمنا أكوان ممكنة أخرى. وبذلك نضمن استمرارية الوجود. ومن منطلق هذا النموذج،تولد أكوان جديدة في الثقوب السوداء،بذلك الكون الذي يمتلك ثقوبا سوداء أكثر ينجب أكوانا جديدة أكثر،وبذلك يختار الانتقاء الطبيعي الأكوان المتضمنة لأعداد أكثر من الثقوب السوداء في عالمنا كما يفسر نشوء الحياة؛ فالكربون المفيد لوجود الحياة يبني النجوم أيضا التي تنهار وتص
بح ثقوبا سوداء. هكذا حول سمولن الكون إلى كائن حي قادر على الإنجاب. َ
Lee Smolin: Three Roads To Quantum Gravity 2001.Basic Books

الأكوان الممكنة

كما يطرح سمولن فرضية أنه من الممكن للعالم أن ينتقل من حالة إلى أخرى،وكل حالة تشكل كونا ممكنا مختلفا في أبعاده الزمكانية، وفي حقائقه وقوانينه الطبيعية عن الحالات الاخرى للكون. بكلام آخر،بالنسبة إلى سمولن،من الممكن أن الأكوان الممكنة المختلفة موجودة. ولكنها ليست سوى الحالات المتنوعة التي تصيب عالمنا الواقعي. وبذلك يغدو الانفجار العظيم مجرد حدث حديث تعرض له عالمنا،سبقته انفجارات عظمى عدة أنتجت أكوانا ممكنة مختلفة كانت هي عالمنا. وعلى أساس هذا النموذج؛ تتغير القوانين الطبيعية مع انتقال عالمنا من كون ممكن إلى كون ممكن آخر. يعتمد سمولن على أساس علمية عدة في اقتراحه هذا، منها ميكانيكا الكم التي على وجود تواريخ عديدة ومختلفة لعالمنا من جراء أن مبدأ اللامحدد يحكم عالم مادون الذرة. ولا يكتفي سمولن بهذه الأفكار،بل يطرح أيضا فكرة أن العلم نظام ديمقراطي. حيث كل عالم له صوت واحد في انتخاب النظريات كما له الحرية الكاملة في انتاجها. ضمن هذا النظام الديمقراطي صاغ سمولن نظرياته الممكنة (المرجع السابق).

مشكلة الفيزياء

مشكلة كبرى بداية الثمانينات من القرن الماضي. فلم يتمكن الفيزيائيون من تطوير معرفتنا بقوانين الطبيعة. وسبب ذلك أن النظريات التي تم طرحها في الثلاثين سنة الأخيرة هي إما نظريات أظهرت كذبها،وإما أنه يستحيل اختبار ما إذا كانت صادقة أم كاذبة ومثل ذلك نظريات الأوتار بالنسبة إلى نظرية الأوتار،كل الكون يتكون من أوتار تمتلك ذبذبات مختلفة. ومع اختلاف تذبذبها تختلف الطاقات والجسيمات ويؤكد لي سمولن على أن هذه النظرية قد سيطرت على فكر العديد من الفيزيائيين رغم أننا لا نعرف ما إذا كانت صادقة فنظرية الأوتار لا تتنبأ بأي تنبوء جديد، وبذلك يستحيل معرفة إذا كانت صادقة أم كاذبة من خلال التجربة لعلمية. وبذلك تخبطت الفيزياء وسقطت في مشكلتها الحالية. بالنسبة إلى سمولن، المنهج العلمي هو الذي يتضمن اختبار النظريات العلمية على ضوء تنبؤاتها؛ فإذا تنبأت النظريات بما هو صادق تغدو تلك النظريات صادقة،وإذا تنبأت النظريات بتنبؤات كاذبة تصبح تلك النظريات كاذبة. من هنا،وبما أن نظرية الأوتار لا تتنبأ بما هو جديد،إذن يستحيل اختبارها وبذلك لا ترتقي إلى مستوى العلم الحقيقي.كما يوضح سمولن أن نظرية الأوتار غير كاملة ولا يوجد دليل على صدقها،ورغم
ذلك مازال العديد من الفيزيائيين يعملون على أساسها ويؤمنون بها.
Lee Smolin: The Throuble With Physics.2006 Houghton Mifflin Company.

اللامحدد

على ضوء ما تقدم نستنتج أنه من غير المحدد ما هو المنهج العلمي تماماً كما تصر السوبر حداثة. فرغم عدم اختبار نظرية الأوتار ما زال العديد من العلماء يقبلون بها،وهذا يشير إلى أنهم يعتبرون أن المنهج العلمي لا يستلزم بالضرورة اختبار النظريات العلمية من أجل قبولها. لكن من جهة أخرى، نجد عدداً من من الفيزيائيين، ومنهم لي سمولن يشككون في نظرية الأوتار لعدم إمكانية اختبارها،وبذلك يعتبرون أن المنهج العلمي يستلزم اختبار النظريات. من هنا من غير المحدد ماهو المنهج العلمي، ولذا يختلف العلماء حول ما إذا كان المنهج العلمي يستلزم أم لا يستلزم الاختبار،وبذلك يختلفون حول قبول أو عدم قبول نظرية الأوتار. هكذا تنجح السوبر حداثة في تفسير اختلاف وجهات نظر الفيزيائيين ما يدعم مقبولية السوبر حداثة. كما تتمكن السوبر حداثة من تفسير لماذا ينجح العلماء في تفسير الكون ووصفه بأوصاف عديدة رغم اختلاف تلك الأوصاف والتفاسير. فبما أن الكون غير محدد ما هو كما تقول السوبر حداثة،إذن من الطبيعي أن ينجح العلماء في وصف الكون وتفسيره بأوصاف وتفاسير عديدة ومختلفة. ولذا نجح لي سمولن، مثلاً في وصف الكون على أنه حاسوب وفي وصفه على أنه كائن حي في آن. فإذا كان الكون حاسوباً،إذن هو ليس كائناً حياً،وإذا كان كائنا حياً إذن هو ليس حاسوباً،لكن سمولن ينجح في وصف الكون على أنه حاسوب وعلى أنه كائن حي،وسبب ذلك أنه من غير المحدد ما الكون.