الاثنين، 3 أغسطس 2009

السوبر تخلف


السوبر تخلف

حسن عجمي

نحن سوبر متخلفون لاننا نرفض العلم والمنطق ونستخدم العلوم من أجل التجهيل. ثمة فرق شاسع بين التخلف والسوبر تخلف. الشعب المتخلف هو الشعب الذي لا ينتج ما هو مفيد للعالم والبشرية، بينما الشعب السوبر متخلف فهو الذي يطور التخلف من خلال الاستعانة بالعلم من أجل نشر الجهل. وهذا ما نقوم به بالضبط.
تختلف الأمثلة هنا وتتنوع. فمثلاً ،نعتمد على أقوال العلماء والمفكرين الغربيين من أجل تبرير وجود أنظمتنا الدكتاتورية، وإقتتالنا الداخلي المستمر. مثال آخر استخدام العلم من أجل التجهيل هو التالي: معظم مدارسنا وجامعاتنا ووسائل إعلامنا وظيفتها الأساسية كامنة في نشر الكراهية والعداوة بين القبائل الطائفية والمذهبية المختلفة.
فلكل مذهب او طائفة مدارسها ومعاهدها وجامعاتها و وسائل إعلامها الخاصة التي تهدف إلى تعزيز عصبيتها وتمتين عداوتها تجاه القبائل المذهبية أو الطائفية الأخرى. هكذا يتجلى سوبر تخلفنا في أننا لا نشكل مجتمعاً؛ بل نحن قبائل متصارعة على الدوام. فالصفة الأساسية للقبائل هي أنها في صراع دائم. وبما أننا مجرد قبائل، اذاً من الطبيعي أن تحيا الحروب الأهلية بيننا. من هنا تتمكن أطروحة السوبر تخلف من تفسير لماذا تستمر حروبنا الأهلية ولا تزول.
فالشيعة قبيلة، والسنة قبيلة، والدروز قبيلة، والموارنة قبيلة أخرى إلخ, والمسيحيون الشرقيون قبيلة في مواجهة قبيلة المسلمين الشرقيين.
هكذا ليس من المستغرب أن نحيا،بل أن نموت باستمرار في صراعاتنا الداخلية الدائمة،كما ليس من المستغرب وجود قبيلة اليهود بيننا الممثلة ب (إسرائيل). بالفعل، بدلاً من أن تخرج مدارسنا وجامعاتنا مثقفين وعلماء تخرج إرهابيين صغاراً ينتمون إلى هذه القبيلة أو تلك.
يتجسد السوبر تخلف ايضاً في استخدام التكنولوجيا من أجل التجهيل، مثل ذلك أننا نستعمل الأنترنيت والراديو والتلفزيون وفضائياته كي ننشر كراهيتنا تجاه الآخر منا والآخر من الغرب.
فتحتشد فتاوى التكفير والتخوين على شاشات التلفزيون والأنترنيت في أجواء سمائنا الملعونة. وسبب ذلك أننا نرفض العلم. فمع زيادة التكنولوجيا ونقصان العلم يزداد التخلف. وهذا ما حدث لنا.
فالتكنولوجيا متاحة لنا،لكننا نرفض العلم ولا نشارك في إنتاجه، وبذلك من المتوقع يزداد التخلف وأن نفتتح عصر السوبر تخلف حيث التخلف هو القيمة الأعلى. فالكثر تخلفاً أكثر نجاحاً في هذا الزمن. كما أن السوبر تخلف يتجسد في أننا محددون سلفاً في أفكارنا ومشاعرنا وتصرفاتنا. فافعالنا وأفكارنا ومشاعرنا نسخ عما كان يفعل أجدادنا ويفكرون ويشعرون. هكذا نعيش في قبور أجدادنا.
بالإضافة إلى ذلك، من الأمثلة الواضحة على سوبر تخلفنا هو المثل التالي : معظم خطاباتنا وكتبنا ونصوصنا تحتوى على رفض صريح للمنطق ولا تعتمد على أي أسس علمية. فلا نجد كتاباً علمياً أصلاً في مكتباتنا، كما أننا نفتقر إلى طبقة العلماء. وبذلك ليس من المستغرب أن نرفض المنطق وهو أداة أساسية من أدوات العلم. فكم تنتشر التناقضات والمصادرة على المطلوب والدور (وتعريف الشيء بالشيء نفسه)، في النص العربي المعاصر نفسه. هكذا نحول الكتابة إلى أداة تجهيل وتخلف فنقدم الجهل على أنه علم ومعرفة.
أما الأدب من شعر ونثر فأمسى بين أيدينا لعباً على الكلمات ما جعله يفتقد إلى أي هدف ومعنى. فمعظم عباراتنا في النثر والشعر أصبحت بلا فحوى كعبارة (العدد سبعة متزوج). فاذا سألت أي مدعي ثقافة عما يجعل العبارة ذات معنى وما يجعلها بلا معنى فستجد الصمت سيد الكلام. فنحن لانميز بين العبارة المالكة لمعنى و العبارة الخالية من معنى، وبذلك من الطبيعي أننا سوبر متخلفين بامتياز.
العلم أساس المجتمع والديمقراطية، لكن لماذا نرفض العلم ما يتضمن من منطق؟ جواب ذلك هو أننا نؤمن باليقينيات. فالعلم عملية تصحيح مستمرة، وبذلك لا يقينيات في العلم. فالنظريات العلمية تستبدل بأخرى عبر تاريخ العلوم. وعلى هذا الأساس، بما أن لا يقينيات في العلم، وبما أن معتقداتنا يقينيات بالنسبة الينا، إذن من المتوقع أن نرفض العلم وما يحتوي من منطق وموضوعية. من هنا، نحن سوبر متخلفون، لأن معتقداتنا يقينيات بالنسبة لنا. فاليقين قاتل العلم بينما اللايقين يدفعنا إلى البحث الدائم عن الحقائق، وهذا جوهر العلم.
من جهة أخرى، العلم أساس المجتمع والديمقراطية. وبما أننا نرفض العلم، إذن من غير المستغرب أننا خسرنا مجتمعاتنا ولم تظهر الديمقراطية لدينا. فكل الأنظمة العربية دكتاتورية ومنها النظام اللبناني الدكتاتوري في طائفيته. الآن، بما أن العلم عملية تصحيح مستمرة، وبذلك لا يقينيات في العلم، إذن أذا قبلنا العلم وشاركنا في إنتاجه حينها ستزول يقينياتنا وتغدو معتقداتنا مجرد أفكار ممكنة ما يتضمن عدم تعصبنا لما نعتقد وبذلك نقبل الآخر، وأن اختلف عنا فيما يعتقد ويتصرف. وقبول الاخر أساس وجود المجتمع وبناء الديمقراطية؛ فلا ديموقراطية ولا مجتمع دون قبول الفرد الآخر والتفاعل معه من منطلق قبوله. ومن هنا العلم أساس المجتمع والديمقراطية. فكما أن العلم لا يحدد ما هو يقيني، كذلك النظام الديمقراطي ومجتمعه المدني لا يحددان ما هو الفكر الصادق وما هو التصرف السليم، دون فكر أو تصرف آخر. هكذا العلم يبني المجتمع الديمقراطي ، ومن دون علوم ومشاركة في إنتاجها يزول المجتمع وتختفي الديمقراطية.
هذا يفسر ايضاً لماذا لماذا تسيطر الدكتاتورية على (مجتمعاتنا الافتراضية). فبما أننا نرفض العلم، وبذلك نتمسك بيقينياتنا ما يتضمن رفضنا للآخر في (مجتمعاتنا)، وأن اختلف فقط قليلاً عنا، إذن من المتوقع أن يموت المجتمع لدينا و تسيطر مجموعة يقينيات دون أخرى، وهذه المجموعة من اليقينيات ليست سوى الدكتاتورية التي تحكمنا. النظام الدكتاتوري مجموع يقينيات قامعة بالضرورة لليقينيات الأخرى. هكذا عدم مشاركتنا في صياغة العلوم أدى إلى انتصار يقينياتنا الكاذبة فزال المجتمع وسيطرت الدكتاتورية، ما جعلنا نفتتح عصراً جديداً هو عصر السوبر تخلف.


السوبر إرهاب

لسنا سوبر متخلفين فقط ، بل نحن أيضاً سوبر إرهابيين. والفرق شاسع بين الإرهاب والسوبر إرهاب. فبينما الإرهاب قتا أجساد الابرياء، السوبر إرهاب قتل إنسانية الإنسان، وهذا ما نجيد فعله. لقد أمسى الفرد منا عبداً لهذا الطاغية الكبير أو الصغير فتحول (الإنسان) لدينا إلى خاصة هذا السلطان أو تلك القبيلة فخسرنا إنسانيتنا وقتلنا إنسانية بعضنا البعض.
والسوبر إرهاب أساس السوبر تخلف. فبما أن السوبر إرهاب هو قتل إنسانية الإنسان، وبما أن السوبر تخلف هو استخدام العلم من أجل التجهيل، وفقط الفاقد لإنسانيته يستخدم العلم من أجل التجهيل، إذن السوبر إرهاب أصل السوبر تخلف ومصدره. هكذا نحن سوبر متخلفين وسوبر إرهابيين في الوقت ذاته. ولم يسبقنا شعب من الشعوب إلى تحقيق هذا الإنجاز!