الأحد، 9 أغسطس 2009

جدل وخلاف بين كبار الفيزيائيين


سيرة أفكار روجر بنروز و ستيفن هوكنغ

جدل وخلاف بين كبار الفيزيائيين




حسن عجمي

روجر بنروز فيزيائي وعالم رياضيات وفيلسوف. أنتج فرضية الرقابة الكونية، التي تقول إن الكون يحمينا من اللامتوقعات القائمة في قلب الثقوب السوداء من خلال إخفائها عنا خلف أفق الحدث Event horizon. لقد اهتم بنروز بدراسة النظرية النسبية لأينشتاين، ما ساهم بقوة في تعميق فهمنا حول الثقوب السوداء. وأصدر عدداً من الكتب المثيرة حول علاقة الفيزياء بالوعي الإنساني. فكرته الأساسية هي أن قوانين الفيزياء المعروفة لاتنجح في تفسير ظاهرة الوعي، فأصر على وجوب خلق فيزياء جديدة قادرة على ذلك . بالنسبة إلى بنروز، الكومبيوتر ليس عقلاً لأنه نظام حتمي يعمل على ضوء الحسابات المحددة، على نقيض من العقل. يقول إن العقل الإنساني ليس حسابياً بشكل
كامل، وبذلك يستحيل تقليده من قبل كومبيوتر معقد. على هذا الأساس يستنتج بنروز أن العقل ليس (كومبيوترا). ومن منطلق شكه بصدق ميكانيكا الكم كونها تصور الكون على أنه غير حتمي، يطالب بنروز بصياغة نظرية علمية جديدة توحد بين النظرية النسبية لأينشتاين ونظرية ميكانيكا الكم وتتجنب مشكلة لاحتمية الكون.
أما ستيفن هوكنغ فهو فيزيائي وعالم رياضيات وفيلسوف. اشتهر باضافاته العلمية القيمة في ميادين الكوزمولوجيا
والجاذبية الكمية وخاصة في دراسة الثقوب السوداء. ولقد عمل مع روجر بنروز على دراسة الثقب الأسود، وإيضاح خصائصه من منطلق نظرية النسبية لأينشتاين. كما طرح هوكنغ نظرية علمية تقول، إن الثقوب السوداء تبث الإشعاعات على نقيض مما كان يعتقد سابقاً، وهذه الإشعاعات اسمها إشعاعات (هوكنغ). بلإضافة إلى ذلك،صاغ هوكنغ مع الفيزيائي هرتل نظريته، أن الكون لايملك حدوداً في المكان والزمان، بل هو كسطح الأرض. فسطح الأرض لاحدود له أي لايبدأ من نقطة ولا ينتهي في أخرى. هكذا الكون لا بداية له ولا نهاية. الكون كالكرة بلا نقطة بداية ولا نقطة نهاية ما يتضمن عدم الحاجة إلى ماهو خارجه ليبدأ خلقه.
Stephen Hawking : The Universe in a Nutshell.2001. Bantam Book. & Stephen Hawking: A Briefer History of Time. 2005. Bantam Books.

طبيعة العلم ونظرياته


يتضح موقف روجر بنروز حول طبيعة العلم على ضوء الجدل الذي دار بينه وبين ستيفن هوكنغ أكد هذا الجدل، الخلاف الجوهري بينهما، فبينما يعتقد بنروز بصدق المذهب الواقعي، يتفق هوكنغ مع الموقف (ليس بالمعنى السلبي). بالنسبة إلى الواقعية. العالم موجود بشكل مستقل عنا، ولابد أن تكون النظريات العلمية مطابقة للواقع كما هو. أما المذهب اللاواقعي فيقول إن النظريات العلمية ليست صادقة ولا كاذبة، بل هي فقط مقبولة لكونها مجرد أدوات للتنبؤ بالظواهر الطبيعية. على هذا الأساس يعبر بنروز عن قلقة حول نظرية ميكانيكا الكم. فهو يطالب النظرية العلمية أن تكون صادقة، بمعنى أن تطابق الواقع لكن بالنسبة إلى نظرية ميكانيكا الكم، الواقع غير المحدد، فقطة شرودنغر حية وميتة في الوقت ذاته، وبذلك يستحيل عليها أن تطابق الواقع، وإلا أمسى الواقع متناقضاً. أما هوكنغ فلا تقتله نظرية ميكانيكا الكم لأن النظريات العلمية بالنسبة له أدوات للتنبؤ بما بما يحدث وتنجح ميكانيكا الكم في هذا كل النجاح. هكذا يصور بنروز العلم على أنه الصادق المطابق لواقع مستقل عنا، وعن إدراكاتنا، بينما يكتفي هوكنغ بقبول العلم كأداة للتفسير والتنبوء من دون أن يطالب العلم بمطابقة الواقع المستقل
عنا. لذا لا يرضى بنروز عن ميكانيكا الكم بينما يرضى هوكنغ عنها.
Stephen Hawking and Roger Penrose: The Nature of Space and Time. 1996 . Princeton University Press.

من حجج بنروز على صدق موقفه الواقعي، وعدم رضاه عن ميكانيكا الكم الحجة التالية: يقول إنه لابد من تفسير لماذا ندرك الواقع كما ندركه، أي لابد من تفسير لماذا ندرك القطة على أنها إما حية وإما ميتة. لكن ميكانيكا الكم تصر على أنها حية وميتة في الوقت نفسه. من هنا يستنتج بنروز ضعف ميكانيكا الكم. ويشبه بنروز خلافه مع هوكنغ بالخلاف الذي اشتهر بين أينشتاين وبوهر. فموقف بنروز يتفق مع أينشتاين الذي رفض ميكانيكا الكم، بسبب قولها، إن الكون غير حتمي، بينما موقف هوكنغ يتفق مع موقف بوهر القائل،إن العلم مجرد أداة مفيدة في التفسير والتنبؤ، ما دعى بوهر إلى قبول ميكانيكا الكم. لكن بنروز يؤكد كما يؤكد أينشتاين، على أنه يوجد عالم حقيقي بل واقع حتمي لابد أن
تعبر عنه نظرياتنا العلمية وهنا تفشل ميكانيكا الكم (المرجع السابق).

جدل العقل والكومبيوتر


بنروز واقعي يؤمن بوجود عالم فريد من الأفكار يصف الواقع الفيزيائي. لكن هوكنغ يعتقد أن النظريات الفيزيائية مجرد نماذج رياضية وبناءات عقلية نحن من يبنيها، وبذلك سؤالنا عما إذا كانت النظريات مطابقة للواقع هو سؤال بلامعنى، ويحق لنا فقط أن نسأل، ما إذا كانت النظريات تفسر الظواهر الطبيعية وتتنبأ بها. ينتقل هذا الخلاف بين بنروز وهوكنغ إلى ميدان العقل وعلاقته بالكومبيوتر. فبما أن النظرية العلمية بالنسبة إلى بنروز لابد أن تطابق الواقع بدلاً من أن تكون مجرد نموذج ناجح في تفسيره، إذاً نجاح الكمبيوتر في التشبه بالعديد من صفات العقل، وهذا لا يدلنا بحق على أن العقل فعلاً (كومبيوتراً). من هنا، من الطبيعي أن يرفض بنروز نظرية أن العقل مجرد كومبيوتر. لكن بما أن النظرية العلمية مجرد نموذج رياضي ناجح في تفسير الظواهر والتنبؤ بها وليس من المطلوب من النظرية العلمية أن تطابق الواقع بالنسبة إلى هوكنغ، إذن من الطبيعي أن يقبل هوكنغ نظرية، أن العقل كومبيوتر متطور على ضوء إمكانية نجاح الكومبيوتر المتطور في التشبه بوظائف العقل جميعها. هكذا هو خلافهما الأساسي حول طبيعة العلم ونظرياته ينتقل إلى خلاف حول ما إذا كان العقل كومبيوتراً متطوراً أم لا. لايقدم روجر بنروز برهاناً أساسياً على صدق موقفه القائل، بأن العقل ليس كومبيوتراً إنما هو التالي: بالنسبة إلى نظرية غودل في الريا
ضيات توجد في كل نظام رياضي عبارات صادقة من غير الممكن البرهنة على صدقها، وبذلك لاتخضع لعمليات حسابية . من هنا يستنتج أن العقل غير حسابي؛ فلو أنه حسابي ماكان ليكوٌِِن ويعتقد بأي نظام رياضي متشكل من بعض العبارات التي يستحيل حسابها أي البرهنة عليها حسابياً. وبما ان العقل ليس حسابياً، بينما الكومبيوتر حسابي (أي يعتمد على مبادئ معينة لا يحيد عنها وفقط على ضوئها يتصرف) إذاً يستنتج بنروز أن العقل ليس كومبيوتراً.
Roger Penrose: The Large , The Small and The Human Mind. 1997. Cambiridge University Press. & Roger Penrose: The Emperors New Mind. 1989. oxford University Press.

من جهة أخرى يرفض ستيفن هوكنغ حجة بنروز قائلاً أن نظرية غودل في الرياضيات غير مرتبطة بقضية ما إذا كان العقل كمبيوتراً أم لا. وبرهان هوكنغ على ذلك، أن العقل نشأ نتيجة الانتقاء الطبيعي الدارويني، فوظيفته أن يجعلنا نتجنب الضرر وأن نتولد. أي وظيفة القيام بالحسابات الرياضية. من هنا يستنتج هوكنغ أن نظرية غودل غير متعلقة بمسألة ماهية العقل، وما إذا كان كومبيوتراً أم لا، وبذلك يؤكد هوكنغ على فشل البرهان الأساسي لبنروز، فيضيف أنه لاتوجد حجة لرفض فكرة أن العقل من الممكن أن يكون مجرد كومبيوتر متطور. لكن بنروز لايسكت فيرد على نقد هوكنغ على النحو التالي: بالفعل الانتقاء الطبيعي الدارويني يشير بقوة إلى أن العقل لم يتم اختياره من أجل القيام بالحسابات الرياضية، بل تم انتقاء العقل من أجل وظيفة الفهم. والفهم غير حسابي، ولذا يمكننا فهم اشياء غير حسابية، كأن نفهم النظام الرياضي من دون أن نتمكن من حساب صدق كل عباراته. هكذا الفهم ليس حسابياً على نقيض من الكومبيوتر (المرجعان السابقان).
يستمر الجدل والخلاف بين بنروز وهوكنغ وينقسم العلماء بين موقفيهما، بما أن العلم عملية تصحيح مستمرة فلا يقينيات في العلم. لكن لماذا يختلف العلماء ويتجادلون حول معظم القضايا العلمية؟ تجيب السوبر حداثة قائلة: إنه من غير المحدد ما هو العلم، وما طبيعته كما من غير المحدد أية نظرية علمية هي النظرية الصادقة، لذا من الطبيعي أن يكون العلم عملية تصحيح مستمرة، وأن يختلف العلماء حول معظم القضايا العلمية. هكذا تنجح السوبر حداثة في تفسير طبيعة ما يحدث في العلم من جدل واختلاف، فتكتسب بذلك مقبوليتها
.