الجمعة، 14 أغسطس 2009

هل الحياة والعقل والكون مجرد كومبيوترات؟


التناقض لا يشكل معلومة

هل الحياة والعقل والكون مجرد كومبيوترات؟


حسن عجمي

تسيطر اليوم النظرية التي تقول إن الحياة والعقل والكون مجرد كومبيوترات متطورة. فمثلاً يعتبر الفيزيائي إربك باوم أن العقل والحياة هما عملية تنفيذ لبرامج قائمة في حمضنا النووي الموروث أي ال DNA. فكما يعتمد الكومبيوتر على على برامج معينة في تحقيق حساباته وتدفق معلوماته، كذلك تعتمد الحياة والعقل على برامج معينة تشكلها وتحكم تدفق معلوماتها. كما أن الحمض النووي ليس سوى مجموعة معلومات تكون عقولنا واجسامنا الحية، لكن البرامج الكومبيوترية ليست سوى معلومات تحدد تصرفات الكومبيوتر، وبذلك الحياة والعقل هما برامج كومبيوترية متطورة . والعديد من علماء البيولوجيا يدرسون النظام البيولوجي على أنه آلة معلوماتية وظيفتها الأساسية حفظ المعلومات وحسابها وتنفيذ أوامرها. فمثلاً، بالنسبة إليهم أدمغتنا ليست سوى كومبيوترات تسيطر على أجسامنا. هكذا الإنسان آلة كومبيوترية،ولذا من الممكن صناعة آلات شبيهة بالإنسان تماماً، بحيث ترى وتشعر وتفكر مثلنا. أما عالم الهندسة الكمية سيث لويد فيؤكد على أن الكون كومبيوتر متطور بالنسبة إليه، وكل نظام فيزيائي عبارة عن عملية حساب للمعلومات لكن الكومبيوتر هو أيضاً يتكون من عمليات حسابية تحسب المعلومات. من هنا يستنتج لويد أن الكون مجرد كومبيوتر متطور. فكل جسيم في العالم يحتوي على معلومات ويتشكل منها تماماً كالكومبيوتر.
Eric Baum What is Thought? 2004. The MIT Press. Seth
Lloyd : Programming The Universe 2007. Vintage Book. Richard Dawkins. Modern Science Writing 2008. Ox ford University Press.

لكن ماهو هذا الكومبيوتر المتطور الذي من خلاله يصف العلماء الكون والعقل والحياة؟ لابد أن يتصرف هذا الكومبيوتر كما يتصرف الكون والعقل والحياة،
وإلا لا فائدة منه؛ فإذا تصرف مثلاً كالحجارة فلن نستفيد منه حقاً. من هنا يسعى العلماء إلى بناء كومبيوتر متطور له صفات الكون والعقل والحياة. وبذلك هذا الكومبيوتر المتطور هو الكومبيوتر الذي يملك الصفات والتصرفات ذاتها التي يملكها الكون والعقل والحياة هذا يرينا أن الكومبيوتر المتطور يتم تحليله من خلال مفاهيم الحياة والعقل والكون. لكن الإتجاه الفكري السابق يحلل الكون والحياة والعقل من خلال الكومبيوتر المتطور. من هنا يقع الإتجاه السابق في الدور، وهو تحليل الشيء بالشيء ذاته كتعريف الماء بالماء، فهو يعرف الكون والحياة والعقل من خلال الكومبيوتر المتطور. لكن الكومبيوتر المتطور معرف من خلال الكون والحياة والعقل، وبذلك تم تحليل الكون والحياة والعقل من خلال المفاهيم ذاتها، وبذلك سقط الإتجاه الفكري السابق في الدور المرفوض منطقياً. هكذا يفشل تحليل الكون والعقل والحياة على أنها كومبيوترات. بالإضافة إلى ذلك يواجه النموذج السابق مشكلة أساسية أخرى هي التالية: بالنسبة إليه، الكون والحياة والعقل مجرد معلومات وتدفقها وبذلك كل الأشياء مجرد برامج كومبيوترية. ولكن ماهي المعلومات؟ ما الذي يجعل هذا الشيء أو ذاك معلومة بدلاً من معلومة؟ لا بد من تعريف ماهي المعلومات لنتمكن من تميزها عما ليس بمعلومات ليحق لنا حينها أن نعرف الأشياء كالكون والحياة والعقل على أنها معلومات. فلو أننا حللنا الكون والحياة والعقل على أنها معلومات، ولم تعرف ماهي المعلومات، حينها لن نكون قد قدمنا إيضاحاً لها هو الكون والحياة والعقل، بل سنقع في حيرة أكبر، ألا وهي مشكلة معرفة ما هي المعلومات. من هنا من الخطأ إعتبار المعلومة مفهوماً أولياً لا يحتاج إلى تحليل، وعلى ضوءها يتم تحليل المفاهيم الأخرى كالكون والعقل والحياة. فمفهوم (المعلومة) اكثر غموضاً من مفاهيم الكون والحياة والعقل. ومن دون تعريف معنى مدلول (المعلومة) لن ننجح في تحديد هويتها، لكن لا يوجد شيء من دون هوية. لذا نحتاج بشدة إلى تعريف ماهي المعلومة كي يحق لنا تحليل الأمور الأخرى على ضوءها.
توجد أشياء تشكل معلومات وأشياء أخرى لاتشكل معلومات لذا لابد من تعريف ماهي المعلومات. فمثلاً، التناقض لا يشكل معلومة أو معلومات، لأنه تناقض يتضمن القضية ونقيضها فلا يفيدنا في تقديم أية معلومة. على أساس كل هذا، لابد من معرفة ماهي المعلو
مة وكيف تختلف عما هو ليس بمعلومة. ولكن إذا عرفنا الكون وكل ما فيه من أشياء وأحداث وحياة وعقول على أنها مجموعات من معلومات. حينها نكون قد عرفنا كل الأشياء من خلال المعلومات وبذلك لا مجال لدينا كي نعرف المعلومات من خلال أي شيء آخر. هكذا نقع في مشكلة عدم مقدرتنا على تقديم أي تعريف لمفهوم المعلومة. وبذلك نفشل في تحليل كل الأشياء، كالعقل والحياة والكون، من خلال المعلومات التي لانملك تحليلاً لها. من هنا من الخطأ تعريف الكون والعقل والحياة على أنها مجرد معلومات، فبرامج كومبيوترية. بل الأصدق أن نحلل المعلومة من خلال مفاهيم الكون والعقل والحياة. مثل ذلك أن أي شيء يشكل معلومة، فقط في حال كان جزاً من الكون أو من الحياة أو العقل في هذه الحالة، التناقض لا يشكل معلومة لأنه لا يتحقق في الكون والحياة والعقل كونه تناقضاً. هكذا ينجح التحليل السابق للمعلومة في التعبير عن حقيقة التناقض ليس معلومة وبذلك يكتسب هذا التحليل للمعلومة قدرته التعبيرية فمقبوليته. خلاصة القول هي أنه من الخطأ تحليل الكون وكل ما فيه من عقول وحياة أشياء وأحداث، على أنها معلومات، بل الموقف الأصح هو أنه لابد من تحليل المعلومات من خلال الكون والعقل والحياة.