
في كتابه «البينياء» الصادر حديثا عن الدار العربية للعلوم ناشرون يقدم الكاتب والمفكر اللبناني حسن عجمي مدخلا جديدا لقراءة العلاقات بين الأشياء، سعيا لتحديد علاقات الاتصال والانفصال بينها، يقول حسن عجمي في تعريفه للبينياء: البينياء تدرس ما بين الأشياء بدلا من أن تدرس الأشياء ذاتها، فما بين الأشياء يبين الأشياء، على هذا الأساس يرتبط مفهوم «بين» مع مفهوم «بين» في اللغة، فاشتقاقهما واحد لأن ما بين يبين، والبين بمعنى البعد يرتبط أيضا بالمفهومين السابقين بسبب عملية الاشتقاق بين هذه المفاهيم، وبذلك البينياء تدرس المساحات التي تباعد بين الأشياء في إمكانات معينة وتقارب بينها في إمكانات أخرى، فما بين الأشياء هو المساحات التي تفصل بين الأشياء وإن افتراضيا، وهذا الفاصل المسافي بين الأشياء يشارك في تحديد الأشياء وإظهار حقائقها، البينياء ما بان من الأمر وهو ما بين الأمور من بعد واقتراب وعلاقات، البينياء دراسة البينة أو البينات الكامنة بين الأشياء، لذا هي دراسة لما بين الأشياء، البينياء مشتقة من الما بين كما مشتقة من البينة، فالما بين بين، لقد جرى التفكير التقليدي على الاعتقاد أن الأشياء هي الأساس وأنها بذلك تحدد ما بينها من اتصال وانفصال وعلاقات، لكن من الممكن أن يكون العكس هو الصحيح، فمن الممكن أن يكون ما بين الأشياء هو الأساس الذي يشكل الأشياء والحقائق، وهذا موقف البينياء.
ويكتب عجمي بعنوان «بينياء الكون»: يتكون الكون من بينيائه، وبينياء الكون تتشكل من المساحات والفراغات القائمة بين الأشياء أو الظواهر أو الحقائق، للبينياء أسس علمية منها:
أولا: القانون الأساسي في نظرية الأوتار العلمية هو أن الوتر يمشي أقل مسافة ممكنة كي يتصل أو ينفصل عن أوتار أخرى، هكذا المسافة تحدد تصرف الوتر والوتر يحدد الأشياء والحقائق كافة، فالكون أوتار وأنغامها، بما أن المسافة تحدد تصرف الوتر، والمسافة هي القائمة بين الأوتار، إذن ما بين الأوتار يحدد الأوتار، وبذلك ما بين الأشياء والحقائق يحدد الأشياء والحقائق كافة، هكذا الما بين هو الحاكم الأساس للكون، وهذا موقف البينياء.
ثانيا: مع قرب جسمين من بعضهما تزداد الجاذبية بينهما، ومع ابتعاد جسمين عن بعضهما تنقص الجاذبية بينهما، إذن المسافة بين الجسمين هي محدد أساسي للجاذبية بينهما، لكن الجاذبية هي المسؤولة عن تكون الكواكب والنجوم والمجرات، بذلك المسافة هي المحدد الأساسي لخلق الكون، والمسافة هي ما بين الأشياء، بذلك ما بين الأشياء هو المحدد الأساسي للأشياء، وهذا هو موقف البينياء، هكذا علاقة المسافة بالجاذبية تشير إلى مقبولية البينياء.
