الأحد، 12 أبريل 2009

عن نظرية «السوبر تخلف»للكاتب حسن عجمي لابد من تفكيك الأطروحة






ضمن مشروعه النقدي صدر مؤخراً للباحث في الفكر الفلسفي حسن عجمي كتاب تحت عنوان «السوبر تخلف». وهو يأتي بعد أربعة أعمال في المجال الفكري نفسه هي على التوالي: «السوبر حداثة» «علم الأفكار الممكنة 2005»، «السوبر مستقبلية الكون والعقل واللغة 2006»، «السوبر أصولية 2007»، «السوبر معلوماتية 2007».
يقدّم عجمي إلى عمله الجديد بما يمكن وصفه بالتبرير المعرفي لمقولة السوبر تخلف، فيرى تعريفاً، أن الشعب المتخلف هو الشعب الذي لا يُنتج ما هو مفيد للبشرية وللعالم. أما الشعب السوبر متخلف فهو الشعب الذي يُطوّر التخلف، وهو يقصد بذلك الشعب الذي يعيد بسلوكه ونمط حياته إعادة إنتاج عوامل التخلف. وذلك من خلال تقديم الجهل على أنه علم. ونحن العرب والمسلمين كما يقول نحيا اليوم في العصر السوبر متخلف. وعلى ما يقول المؤلف نحن نستخدم العلم من أجل التجهيل، وذلك من خلال تحويل العلم إلى جهل. مضيفاً: إننا لا نُشكّل مجتمعاً، بل نحن مجرد قبائل، ضمن صفين القبائل تتقاتل باستمرار. فلا مجتمع من دون طبقة علماء، ولا أدب ولا شعر ولا فلسفة من دون علم. لذا أمسى أدبنا وشعرنا خالياً من معنى. نحن خارج المعنى، فلا نحن أحياء ولا نحن موتى. وأعظم فيلسوف لدينا هو هولاكو لأنه أحرق تراثنا. لا بد من إعادة حق التراث وصياغته من جديد. نحن الأمة الوحيدة التي لا تعرف تراثها لأنها خالية من فكر جديد. فلا نحن أحياء لكي نموت، ولا نحن أموات لكي نُبعث. بهذه التشاؤمية الحادة سيمضي حسن عجمي ليبيّن العناصر الأساسية لأطروحته.
وهكذا فإن معادلة السوبر تخلف تقوم عنده على الوجه التالي: التخلف= التكنولوجيا. ولذا مع نقص العلوم وزيادة التكنولوجيا يزداد التخلف. وهذا ما أصابنا. فنحن لا ننتج علوماً لكن التكنولوجيا متاحة لنا فنستخدم مثلاً الانترنت والتلفزة الفضائية. هكذا ازداد تخلفنا مع استخدامنا للتكنولوجيا من دون إنتاجنا لأي نوع من العلوم، فالتكنولوجيا في يد الجاهل سلاح قاتل. ولذا بدا حسب عجمي كما لو أن صحفنا وفضائياتنا وصفحات الانترنت الخاصة بنا تدعو إلى الإرهاب وتطور التخلف. هكذا فإن المعادلة السابقة تُفسّر لماذا ازداد تخلفنا رغم حيازتنا للتكنولوجيا. مثل آخر على ذلك امتلاكنا لتكنولوجيا الحرب. ورغم ذلك لم نكسب سوى الهزائم التي هي تجسيد لتخلفنا. فمع امتلاك التكنولوجيا من دون إنتاج العلوم نسقط في هزائمنا المتكررة. سلاحنا يقتلنا لأنه ليس سلاح الحضارة. السلاح الأقوى سلاح الحضارة. والحضارة كامنة في إنتاج العلوم والمعنى.من جهة أخرى، بما أن التخلف= التكنولوجيا، فإنه مع زيادة التكنولوجيا وزيادة العلم معاً يبقى التخلف محافظاً على قيمته ووجوده السابق المعتاد. ومن هنا فعلى الرغم من تطور الغرب في مجالات العلم والتكنولوجيا معاً ما زال الغرب متخلفاً لكنه لم يزدد في تخلفه.
هكذا تُفسّر معادلة السوبر تخلف، لماذا الغرب ما زال متخلفاً رغم تطوره في العلم والتكنولوجيا. لكن المؤلف هنا يميز بين التجربة الغربية والتجربة العربية، ويلاحظ أن تخلف الغرب هو غير تخلفنا، فالغرب متخلف لكننا نحن سوبر «متخلفين». وتخلف الغرب واضح في المسألة التالية: الغرب استعمر وما زال يستعمر العالم، ويضطهده، ويسرقه، ويستعبده، ويقتله. هكذا الغرب إرهابي أيضاً. أما نحن فإرهابيون صغار لأننا نرفض بعضنا البعض.إلى ذلك يضيف المؤلف عنصراً آخر في تعريف أطروحته فيقول: بما أن التخلف= التكنولوجيا. إذاً فمع نقص التكنولوجيا بشكل هائل وازدياد العلم بشكل كبير سوف ينقص التخلف وبذلك يحدث التطور الحقيقي. من هنا فإن التطور يحدث مع ازدياد العلم ونقصان التكنولوجيا. ومثل خيالي على ذلك هو أن تنقص تكنولوجيتنا فتُغلَق مصانع الأسلحة رغم ازدياد معدل العلم وأبحاثه. في مثل هذا المجتمع يصبح العلم سبيلاً لخدمة البشر بدلاً من خدمة التجارة والقتل. هكذا المجتمع الأفضل هو المجتمع المتطور حيث تنقص التكنولوجيا وبذلك ينقص احتمال استغلالها سلبياً ويزداد العلم بدلاً من استغلاله لاضطهاد الآخرين. بكلام آخر، لا بد أن يكون العلم أكثر تطوراً من التكنولوجيا كي نتجنب التخلف الكامن في قتل ذواتنا.المقومات والنتائج التي يبني عليها عجمي غايته في كتابه الجديد، تبدو مفارقة. وهي تفترض كمية من الأسئلة وإشارات الاستفهام. خصوصاً أن التأسيس لأطروحة نهضوية في مجال الفلسفة السياسية يستلزم إجراءات عميقة وطويلة الأمد في عملية تفكيك البنية السوسيوتاريخية للتخلف ولاسيما في بلادنا العربية والإسلامية.

مهى رسلان